DELMON POST LOGO

اليوم صبرٌ ... وغداً نصر ...

بقلم محمد حسن العرادي - البحرين

لم يتصور قادة الكيان الصهيوني وكل من يقف إلى جانبهم أو خلفهم بأن قطاع غزة الذي لاتزيد مساحته على 365 كم2 قادر على إلحاق الهزيمة بكافة الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية لدولة الكيان، لكنهم إكتشفوا كم أن جميع هذه المؤسسات التي يعتدون ويفاخرون بها قد سقطت في إمتحان 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، حين تمكن ثلة قليلة من المجاهدين الفلسطينيين الصابرين المؤمنين بعدالة قضيتهم من الإطاحة بكل الصلف والغرور الصهيوني المدجج بالسلاح والعتاد، والمدعوم بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الأمريكية والغربية العسكرية الفتاكة .

وبقدر ما كان السقوط الصهيوني العسكري والاستخباري والأمني فضيعاً ومخجلاً ومحرجاً بل وفاضحاً لهذا الكيان المصطنع، بقدر ما كانت ردة الفعل الصهيونية اجرامية وإرهابية وانتقامية وعنصرية، لذلك صبت جام غضبها وحقدها على أهلنا الصابرين في قطاع غزة المحتل منذ العام 1967، والمحاصر بسياج أمني وإستخباراتي واقتصادي منذ العام 2005، لذلك كان هول الصدمة كبيراً ومفزعاً، أثبت هشاشة المنظومات الصهيونية وفشل البرامج التجسسية التي تعمل على تسويقها على مختلف دول العالم بإعتبارها فخر الصناعة الصهيونية التجسسية، التي يفاخر بها الكيان حتى صدقت بعض الأنظمة العربية هذا التهويل وسقطت في براثن التطبيع مع آخر الأنظمة العنصرية الغارقة في الإرهاب والعفن التاريخي.

وما بين الغفلة واليقظة وهول المفاجئة، وجد الكيان الصهيوني جيشه وأحلامه وأكاذيبه غارقة في الوحل، منغمسة في رمال قطاع غزة المتحركة التي ابتلعت جبروت الجيش الصهيوني وكشفت زيف وأكذوبة تفوق الصناعات العسكرية الصهيونية وادعاءاتها بإمتلاك أفضل تكنولوجيا التنصت والمتابعة وكشف خطط الأعداء، بل وأسقطت وهم تفوق الجيل الرابع من دبابات الميركافا فخر الصناعة العسكرية، التي أصبحت حديداً صدءاً وخرداوات مفككة أمام قذائف الياسين 105 وقذائف الفاندوم والآر بي جي 7 ومتفرجرات الشواظ التي صنعت في المعامل العسكرية البسيطة التي إبتكرتها العقول الفلسطينية المناضلة.

وفي ذات الوقت أصبحت المدن الصهيونية التي قيل بأنها محمية ومسيجة بالقبة الحديدية ومقلاع داوود ومنظومة حيتس وصواريخ آرو، عرضة للقصف بوابل من الصواريخ الفلسطينية التي تجاوز مداها 250 كم، تلك التي دك بها المجاهدون مختلف المدن القريبة في غلاف غزة، والبعيدة في النقب وتل أبيب وحيفا وما بعد بعد حيفا، ولم تعد أي مدينة محتلة في فلسطين آمنة من الضربات الصاروخية، وهكذا أثبت الفلسطينيون بأنهم قادرون على صناعة النصر بعد كل هذا الصبر والانتظار الذي تحملوه طوال أكثر من 17 عاماً وهم يُشيِدون المعامل العسكرية والأنفاق الدفاعية والهجومية حتى قيل بأنهم بنوا مدينة عسكرية محصنة من الإنفاق أسفل قطاع غزة تمتد لمسافة تزيد عن 750 كم2، وإذا كان البعض يعتقد بأن ذلك كان أمراً متوقعاً، فإن ما هو غير متوقع بأن يتم تشييد كل هذه الأنفاق تحت مراقبة وترصد وإستهداف سلطات الإحتلال الدائمة، وهي المسكونة بهاجس الأمن والمراقبة والترصد والمدعومة بالأقمار الصناعية الأمريكية.

لقد إنتصر الصبر على القهر، وإنتصر الإيمان على الخذلان، وإنتصر المجاهد الصامد على الإرهابي الجاحد المدعوم بأعتى الأسلحة الأمريكية والأوربية المتطورة، وبعد مضي سبعة أشهر من العدوان الهمجي الذي تحول الى حرب إبادة أسفرت عن إرتقاء حوالي 35 ألف شهيد وما يقارب 100 ألف جريح وأكثر من 10 آلاف مفقود، فشل الصهاينة النازيون الجدد في كسر عزيمة الشعب الفلسطيني واجباره على الاستسلام.

لقد انقلب السحر على الساحر، وإنتشرت الاحتجاجات الرافضة للعدوان الهمجي في كافة دول العالم، تدين الابادة الجماعية وتستنكر الصمت الدولي تحت الفيتو الأمريكي، وعندما توهمت أمريكا بأنها تمكنت من فرض أجندتها ورؤيتها على مختلف شعوب العالم وكتمت اصواتهم، فوجئت بإنفجار  التحرك الطلابي في مختلف الجامعات الأمريكية بدء من جامعة كولومبيا التي تضم النخب من أبناء الأثرياء والساسة، ومالبثت شرارة الاحتجاجات أن اكتسحت أغلب ساحات الجامعات الامريكية في مختلف الولايات لاسيما العاصمة واشنطن واهم المدن والولايات وعلى رأسها نيويورك .

إنه صوت الحق والعدالة الانسانيه الذي دقت ساعته، وحان له أن يتمدد وينتصر على صوت الشر والإبادة الجماعية، رغم المحاولات الأمريكية البائسة التي تستميت لفرض الرواية الصهيونية وتحقيق النصر الوهمي للجيش المهزوم والمأزوم، من خلال العمل على فرض الإستسلام على المجاهدين الصامدين والقابضين على الزناد، الذين يذيقون العدو وجنوده مرارة الهزيمة والبأس الشديد، وامام كل هذا الصمود الفلسطيني الأسطوري،  آن للدول والانظمة العربية ان تتخذ موقفاً أكثر وضوحاً إلى جانب المقاومة الفلسطينية، وأن تفتح الباب لأوسع تضامن جماهيري وإعلامي معها، بما في ذلك توفير الدعم والإسناد المالي والمعنوي والتقني على كافة المستويات، حتى يكتمل النصر ، فهل تتخذ القمة العربية القادمة المقرر إنعقادها في مملكة البحرين قرارا إستراتيجياً يغير مسار ونتائج العدوان الصهيوني وينتصر لأهلنا في فلسطين، ذلك ما ستنبئنا به الأيام القادمة .