DELMON POST LOGO

محاكمة قادة الكيان الصهيوني امام محكمة الجنايات الدولية

بقلم : عبد النبي العكري

يجري حاليا تداول قرار مفترض لتوجيه المدعي العام لمحكمه الجنايات الدوليه كريم خان اتهامات لقاده "إسرائيل" ومنهم رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو ووزير الدفاع جلانت وقائد الأركان يوباف ,بارتكاب جرائم الاباده الجماعيه وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانيه  ضد المدنيين الفلسطينيين ,وتعميم أوامر بالقبض عليهم وتسليمهم للمحكمه في لاهاي في هولندا . من المهم هنا التذكير بما يلي :

1- ان التحقيق في ارتكاب القاده "الإسرائيليين" هذه الجرائم قد بدأ في مارس 2020 من قبل الدعي العام السابق فاتما بن سودا  ثم استؤنف من قبل المدعي العام الحالي كريم خان في يونيو 2021 والذي اكد انه شكل فريقا للتحقيق في القضيه  لكنه لوحظ ان الموضوع لم يحضى باولويه  لديه.حينها اصدر الرئيس الأميركي السابق ترمب اوامرعقابيه ضد القاضيه بنسودا وكتب المدعي العام بإلغاء سمات دخولهم أمريكا ووضعهم على اللائحه السوداء.

2- جاءت حرب الاباده "الاسرائيايه " منذ 7 أكتوبر 2023 كتطور مهم يتطلب تحركا جديا من قبل الادعاء العام و المحكمه لملاحقه الجناه " الإسرائيليين" .وقد قام المدعي العام كريم خان بزياره رفح المصريه دون السماح له بالعبور  الى غزه,ثم قام بزياره لفلسطين المحتله واجتمع بالمسؤؤليين"الاسرئيليين" والسلطه الفلسطينيه  وأقارب للضحايا المفترضين.

3-تقدم المئات من المحامين المرموقين عالميا بشكوى لدى المحكمه ضد كبار المسؤليين "الإسرائيليين " الى جانب دول ومنها فلسطين وجنوب افريقيا وبوليفيا وجزر القمر وجبوتي  وبنجلادش  واخرين بشكوى ضد قاده إسرائيل بارتكاب جرائم اباده جماعيه وجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني.

4- حكمت محكمه العدل الدوليه في حكمها في دعوى جمهوريه جنوب  افريقيا ضد "إسرائيل" .بضروره  وقف "إسرائيل" لاطلاق النار والعمليات العسكريه والحصار وغيرها والتي تشكل تهديدا بعمليات اباده جماعيه ,واستمرت بالنظر في الدعوى الاساسيه بارتكاب "إسرائيل" لاعمال الاباده الجماعيه في حربها ضد الشعب الفلسطيني في غزه وعمليلتها العسكريه والامنيه وغيرها في فلسطين المحتله .

5- تجاهلت "إسرائيل " قرارات محكمه العدل الدوليه ولم تقدم ايه تقاريربتنفيذها لاوامر المحكمه ورفضت التعاون مع محكمه العدل الدوليه والمحكمه الجنائيه الدوليه ,مدعومه بشريكتها في حرب الاباده أمريكا وبعض الدول الغربيه.كما اتهم نتنياهو والقاده "الإسرائيليين " المحكمتين بالتحيز ضدها ومعاداه الساميه واليهود و "إسرائيل".

6 من المعروف ان "إسرائيل " وامريكا لم ينضما  لنظام روما للمحكمه الجنائيه الدوليه ولا يعترفون بولايتها واحكامها .

احتمال صدور قرار المحكمه وتبعاته  

ماأن تسربت الانباء حول احتمال صدور مذكره اعتقال ضد القاده السياسيين والعسكريين "الإسرائيليين" وخصوصا رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع يواف جالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي  من قبل محكمه  الجنايات الدوليه حتى استنفرت الدول الغربيه الحليفه "لإسرائيل " وفي مقدمتها الولايات المتحده الاميركيه بتوجيه الاتهامات والانذارات الى المحكمه حيث الكيان الصهيوني وقادته محصنون من القانون الدولي والاستثناء في النظام العالمي . وبالفعل فقد القى نتنياهواكثر من  خطاب  هاجم فيه المحكمه واتهمها بمعادات الساميه واليهود و "إسرائيل" والتي هي دوله اليهود الوحيده في العالم  والديمقراطيه الوحيده في المنطقه ذات القضاء المستقل  والتي هي ضحيه حرب اباده من قبل حماس وايران .واكد ان جيش الدفاع الإسرائيلي هو اكثر جيش  اخلاقيه في العالم  في حرصه على المدنيين الفلسطينيين  وانها تزود الفلسطينين بالاغاثه المطلوبه  .وطالب بملاحقه ايران التي اعتبرها اكبر دوله ارهابيه وترتكب جرائم حرب وحماس التي تستخدم المدنيين كدروع بشريه .واكد ان "إسرائيل" لاتعترف بالمحكمه الجنائيه الدوليه ولن تتعاون معها .واكد ان إسرائيل ستتصل بجميع الدول الصديقه لكي تلغي هذا القرار وناشد زعماء العالم احر بالتحرك فورا .واعتبر ان استهداف "إسرائيل" الديمقراطيه هو استهداف لكل الديمقراطيات في العالم ,وان "إسرائيل " ستمضي في الحرب ضد حماس حتى تحقيقي كامل أهدافها ولن تثنيها قرارات المحكمه .وكما هو معروف فان "اسرائيل" غير مصدقه على نظام روما للمحكمه وبالتالي  لاتعترف بالمحكمه وشرعيتها وقراراتها .

لقد سبق "لإسرائيل" رغم حضورها جلسه الاستماع في محكمه العدل الدوليه في الدعوى المقامه ضدها من قبل جمهوريه جنوب افريقيا بارتكاب اعمال الاباده الجمعيه ضد الشعب الفلسطيني , ان قاطعت المحكمه ولم تستجب لتوصياتها اومطالبها.وبالنسبه للمحكمه الجنائيه الدوليه فقد اعلنت "إسرائيل" انها لنن تتعاون مع المحكمه ابدا في اجراء تحقيقاتها في فلسطين المحتله او مع أي من مسؤؤليها ,هذا أيضا موقف حلفائها الغربيين .كما ان "إسرائيل" اكدت لخلفائها وقي مقدمتهم امريك والمعنيين بالتفاوض ان صدور مذكره اتهام واوامر قبض على القاده "الإسرائيليين " يعني نهايه المفاوضات الجاريه وانها ستنتقم من قياده السلطه الفلسطينيه وتدفغها للانهيار  ومن ذلك وقف مستحقاتها من الضرائب الجمركيه على مستوردات الضفه الغربيه المحتله.

ورغم العنجهيه "الاسرائيليه" ونبره التحدي من قبل نتنياهو  والقيادات "الاسرائيليه" فان هناك قلقا عميقا لديهم بان يكونوا ملاحقين من قبل المحكمه وتعاون  بعض الدول لتسليمهم للمحكمه . كما ان ذلك يأتي في سياق رفض عالمي لحرب الاباده من قبل  الكيان الصهيوني  وسياسه الاستعمار الاستيطاني والعزل العنصري على امتدا 76 عاما وعزله "إسرائيل " المتزايده ورفض الصهيونيه حتى من قبل المزيد من اليهود.والاهم هي الثوره الطلابيه الجامعيه التي اجتاحت جامعات أمريكا وامتدت الى اوربا وأستراليا وكوريا الجنوبيه وعدد من بلدان العالم والمطالبه بوقف الحرب الصهيونيه والدعم الغربي لها ومحاسبه "إسرائيل" على جرائمها وانصاف الشعب الفلسطيني وحقه في وطنه المحتل.

والفعل فقد اجرى نتنياهو اتصالات مع حلفائه من الزعماء وفي مقدمتهم بايدن وسوناك وماكرون وشولتز حاثا إياهم على رفض قرار المحكمه  وممارسه اقسى الضغوط عليها .وكما هو متوقع فقد تسابق حلفاء "إسرائيل" وفي مقدمتهم أمريكا بنجده "إسرائيل" .سارع البيت الأبيض بالتأكيد ان الولايات المتحده الاميركيه لاتؤيد قرار المحكمه  وانه ليس من اختصاصها .كما أرسلت وزير خارجيتها بلنكن في جوله مكوكيه في المنطقه لحشد تابعيها من اجل التعامل مع "إسرائيل" في عمليه التفاوض لصالح المشروع الأميركي الصهيوني واعتبار قرار المحكمه بمثابه احباط للعمليه التفاوضيه المزعومه .وانتهت الجوله بالكيان الصهيوني حيث جدد بلنكن دعمه لنتنياهو و "إسرائيل " في مواجهه المحكمه  .

وانطلق التنافس فيما بين مؤسسات الحكم الاميركيه في توفير الدعم "لإسرائيل" وتقويض المحكمه الجنائية الدوليه وتسابق قياداتها السياسيه لاثبات  دعمهم "لإسرائيل" ونتنياهو شخصيا . وللعلم فان أمريكا ليست طرفا في نظام روما للمحكمه  ولأتعترف بشرعيتها.

رئيس مجلس النواب الجمهوري الموالي لترمب.مايك جونسون  ادان قرار المحكمه واعتبره ضد المصالح الامنيه  الاميركيه , و"طالب الرئيس بايدن بالتحرك ضد المحكمه والا فان المحكمه قد تستهدف مستقبلا سياسيين ودبلوماسيين وعسكريين  اميركيين وهو مايهدد سياده سلطتنا "  . وقد انظم اليه قيادات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي  في مجلسي النواب والشيوخ  ومنهم زعيم  الاغلبيه في مجلس الشيوخ جاك شومر في استنكار  قرار المحكمه المفترض وطالبوا الحكومه بالتحرك مع حلفائها واصدقائها لمنع القرار المفترض واتخاذ إجراءات عقابيه ضد المحكمه في حال صدوره.

سارعت أمريكا الى  الاتصال بحلفائها حيث عقد اجتماع خاص لمجموعه السبعه الكبار على مستوى وزراء الخارجيه في إيطاليا للبحث  في حرب  "إسرائيل "على غزه حيث كان قرار المحكمه المفترض على  قائمه جدول الاجتماع . وقد اتخذ قرارا بقيام هذه الدول بالضغط على المحكمه من خلال  القضاه ومكتب النائب العام كريم خان(بريطاني) بالرجوع عن توجيه الاتهام للمسؤلين "الإسرائيليين" واوامر بالقبض عليهم .وكذلك الاتصال بالدول الأخرى الصديقه لتبنيها موقف الدول السبع.

في موازاه ذلك فقد شكلت "إسرائيل" مجموعه عمل قانونيه قامت بعمل ملف قضائي بما يدعى بجرائم حرب ارتكبتها حماس في7 أكتوبر 2023 ضد المدنيين "الإسرائيليين" اثناء الهجوم عل مستعمرات غلاف غزه ,وبالمقابل  إجراءات جيش الدفاع "الإسرائيلي " للحفاظ على المدنيين واغاثتهم  مقابل مايعتبرونه جرائم حماس وداعمتها "ايران" ,وسلم هذا الملف لحلفائها الغربيين .  

لاشك ان هذا التحرك الغربي ضد المحكمه والتي يفترض استقلاليتها ونزاهتها وحيادينها مما يفترض دعم مايدعى بالديمقراطيات لها وعدم التدخل في مجريات عملها ,هو تطور خطير لا ىسابق له , ويتناقض مع  دعم الغرب للمحكمه في تعاملها مع قضيه الصراع الروسي الاوكراني والذي أدى الى اتهام الرئيس بوتين وإصدار مذكره اعتقال دوليه بحقه .وهذا مايثبت ازدواجيه الغرب  وبطلان ادعاءاته باحترام القانون الدولي ومؤسساته وفي مقدمتها محكمه  العدل الدوليه ومحكمه الجنايات الدوليه  وسقوطهم الأخلاقي المريع .

التحرك من اجل العداله

 اثر اندلاع حرب الاباده الصهيونيه ضد الشعب الفلسطيني حدث تحرك واسع في أوساط المنظمات الحقوقيه الدوليه والشخصيات الحقوقيه ومحامين مرموقين وقيادات سياسيه لدعم دعوى جنوب افريقيا ضد الكيان الصهيوني لارتكابه اعمال الاباده الجماعيه للشعب الفلسطيني في محكمه العدل الدوليه وكان له اثره الملموس في تحويل الدعوى الى قضيه عالميه ضد الكيان الصهيوني والحركه الصهيونيه وحلفائها ونصره الشعب الفلسطيني. وبموازاه ذلك جرى تحرك هذه المجموعه الدوليه برفع دعوى ضد قيادات الكيان الصهيوني لارتكابهم الاباده الجماعيه وجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني امام المحكمه الجنائيه الدوليه .ومن المعروف ان محكمه العدل الدوليه تختص بمحاكمه الدول في دعاوي تقيمها دول وتستند للاتفاقيه الدوليه  لمنع وتجريم اعمال الاباده الجماعيه لعام 1949 , اما المحكمه الجنائيه الدوليه فتختص بدعاوي يقيمها افراد او دول ضد اشخاص متهمين بارتكاب  جرائم الاباده والحرب  وتستند الى القوانين الدوليه  ومنها اتفاقيات جنيف الاربعه .وبالفعل بتاريخ 15 نوفمبر 2023 تقدم وفد يضم شخصيات حقوقيه ومحامين بارزين بقياده المحامي الفرنسي جيليس ديفرز بمذكره دعوى من قبل 400 محام  ضد القيادات "الاسرائيليه " السياسيه والعسكريه وفي مقدمتهم نتنياهو  لدى مكتب الادعاء كريم خان  للمحكمه الجنائيه الدوليه ممثلا عن الضحايا الفلسطينين في غزه وفلسطين المحتله . .كما ان ثلاث منظمات حقوقيه فلسطينيه مدعومه بعشرات المنظمات الحقوقيه الدوليه تقدمت للمحكمه بدعوى مماثله .وقد تشكل تحالف "العداله لغزه " من عدد كبير من الشخصيات الساسيه والمجتمعيه الاوربيه ومنهم الفرنس ميلشنسون زعيم حزب فرنسا الابيه والبريطاني جيرمي كوربن والاسباني ايون بليرا بالتماس للمحكمه بذات الطلب .كما تشكل تحالف "حقوقيون من اجل فلسطين " من  عدد من الشخصيات الحقوقيه العربيه لدعم  الدعوى المقامه امام المحكمه .ولقد لقي هذا التحرك دعما علنيا من عدد من منظمات وتنظيمات و قيادات وشخصيات مناهضه للحرب "الاسرائيليه "والتحالف الصهيوني والغربي .

وقد  انضم عدد فليل من الدول التي امتلكت الشجاعه مثل جنوب افريقيا وبوليفيا ونيكارجوا والايكوادور الى دوله فلسطين في الدعوى المقدمه امام  المحكمه لتحمل مسؤؤليتها في ملاحقه المجرمين الصهاينه وانصاف الضحايا الفلسطينيين.

العداله على المحك

مره أخرى فان العداله الدوليه على المحك ,فالشعب الفلسطيني الذي  يعاني منذ 76 عاما مالم يعانيه أي شعب اخر في العالم حيث استلبت ارضه فلسطين  وتحول شعبها اما الى لاجئ او خاضع للاحتلال والاستعباد عرضه للاباده الجماعيه واخر فصولها مايجري في غزه منذ  7 أكتوبر 2023 من قبل الكيان الصهيوني وحلفاؤه أمريكا والغرب ,لجأ الى اعلى محكمتين قضائيتين عالميتين من اجل انصافه ومعاقبه المجرمين بحقه وبحق البشريه. ومره أخرى تستنفر دول الهيمنه بقياده أمريكا لحمايه الكيان الصهيوني وقادته من المحاسبه امام العداله الدوليه  كما حدث على امتداد 76 عاما منذ قيام الكيان الغاصب .

انها ليست قضيه الشعب الفلسطيني لوحده بل قضيه الانسانيه  ولذى فالعالم في مواجهه مابين قوى الاستبداد والظلم والهيمنه بقياده أمريكا وقوى الانسانيه والعداله من مختلف الانتماءات والأديان والقوميات  والمعتقدات  وليس هناك موقف وسط .انها مرحله فاصله في تاريخ البشريه وسيترتب عليه مصير البشريه فاما بدايه  الانعتاق للبشريه او المزيد من اخضاع البشريه ولو مؤقتا , لكنها محطه  فلسطينيه بامتيازفي نضال البشريه الصاعد الى الخلاص .