DELMON POST LOGO

"الكويت واشكالية الشراكة في السلطة" (1- 4 )

بقلم : احمد عبد الامير

الكويت ودستورها... فرادى خليجية"

نستطيع القول بأن اصل الأزمة السياسية في الكويت يعود الى تعثر نموذج الشراكة في السلطة والثروة والقائم منذ تصديق الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح على الدستور الحالي  في 11 نوفمبر 1962، هذا الاشكال في نموذج الشراكة السياسية تداخل بدوره مع منظومة اقتصاد ريعي مقيدة للإنتقال الديمقراطي وكذلك تغول للعصبيات القبلية والمناطقية والطائفية وبروز نزعة عالمية غير مسبوقة وعدائية للأنظمة الديمقراطية وحتى انظمة الحكم القائمة على شراكة الحد الأدنى في السلطة والثروة.

منذ سنة 1961 الى 2024 وخلال 63 سنة تم تشكيل 45 حكومة بمتوسط عمر سنة ونصف لكل حكومة، وفي الفترة الممتدة من 2006 الى 2024 وخلال 18 سنة تشكلت 23 حكومة اي بمعدل حكومة كل 8 اشهر  تولى رئاسة الوزارة في نفس الفترة 6 شيوخ وسط 11 استحقاق انتخابي.

هذه النموذج الفريد من نوعه في المنطقة ذو الصوت العالي يعود لسببين اثنين الأول وجوده في محيط جغرافي يفتقر بل تنعدم في ابسط اشكال الممارسة الديمقراطية ذات المصداقية، والثاني بسبب غياب المشروع السياسي وخطة العمل للحكومة وبالتالي غياب اللغة المشتركة بين النواب والحكومة، وحل هذا الضجيج يكمن في إيجاد مشروع سياسي واضح للحكومة والتشكيل الحكومي والابتعاد عن قيم التنظيم الصحراوي واعتماد قيم التنظيم السياسي العصري.

لقد جاء خطاب أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في 10 مايو 2024 والمتضمن قراره بحل مجلس الأمة المنتخب في 5 ابريل 2024 وتجميد العمل في سبع مواد دستورية خاصة بتنظيم عمل مجلس الأمة وتعيين الوزارة وتعديل الدستور كما وصفته القراءات المؤيدة بمثابة خارطة طريق انتقالية لإخراج البلاد من ازمتها السياسية التي شلت السلطتين التشريعية والتنفيذية مما عطل المشاريع التنموية واضر بصورة الكويت الخارجية وفرصة لتحديث وتجديد المنظومة السياسية التي شاخت وترهلت.

في حين يقرأ المعارضون القرار الأميري بأنه مخالف للدستور واجراء غير دستوري وانه يمثل ردة على العقد السياسي بين الأسرة والشعب ويرتفع سقف المخاوف لدى الطرف المعارض بوجود اطراف خارحية تحاول الانقضاض على المؤسسة البرلمانية الكويتية بما تمثله من ازعاج واحراج لا يتناغم مع طبيعة الأنظمة والتقاليد السياسية السائدة في المنطقة.

لقد جاء أول دستور عقدي في خليجنا العربي، ورابع دستور عقدي على مستوى وطننا العربي بعد دساتير المملكة السورية الصادر عام 1920 والمملكة العراقية الصادر عام 1925 والمملكة الليبية الصادر عام 1951، وقبل عام واحد من صدور هذا الدستور حصلت الكويت على استقلالها عن بريطانيا وبدأت نواة الدولة الحديثة بالتشكل مستفيدة حراك نخبة وطنية وقومية التنشأة ومن ايرادات النفط الذي لعب دوراً في تشكيل البنية الأساسية للمجتمع والاقتصاد والدولة ورسم توجهات سياستها الخارجية وتوافق بين حاكم البلاد آنذاك المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح والقوى الوطنية على إيجاد عقد سياسي لتنظيم شؤون البلاد.

ولا نستطيع الحديث عن تجربة  سنة 1962 (دستور 1962 هو الوثيقة الرابعة  والأهم في تاريخ الكويت بعد وثائق 1921 ، 1938 ، 1962 نظام الحكم الانتقالي)  واغفال تجربتي السنتين 1921 و1938 والتجربة الثانية التي حلت فيها المجالس التشريعية مرتين الأولى في يونيو 1938 والثانية في ديسمبر 1938.

واسمحوا لي أن استعير النص التالي من المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي :

"اقتضى الحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم أن يتلمس الدستور في النظام الديمقراطي الذي تبناه طريقا وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسى مع انعطاف أكبر نحو أولهما لما هو مقرر أصلا من أن النظام الرئاسي إنما يكون في الجمهوريات ، وأن مناط قيامه كون رئيس الدولة منتخبا من الشعب لبضع سنوات ومسئولا أمامه بل وأمام ممثليه على نحو خاص .

كما أريد بهذا الإنعطاف ألا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية أو يجافي تراثنا التقليدي في الشورى وفي التعقيب السريع على أسلوب الحكم وتصرفات الحاكمين"

في تقديري بدأت الحلقة المفرغة بعد أن تبين عدم القدرة على ايجاد الطريق الوسط كما جاء في المذكرة التفسيرية بين النظامين الرئاسي والبرلماني، فما يراه الأمير والوزارة تعسفاً في استخدام الصلاحيات وتقييداً للأعمال يراه بالمقابل اعضاء مجلس الأمة حقاً دستورياً اصيلاً في ممارسة التشريع والرقابة على اعمال السلطة التنفيذية وعدم السماح لرئيس الدولة والوزارة بالتغول على صلاحيات السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الأمة.

.. يكمل