DELMON POST LOGO

في ذكرى هزيمة يونيو .. والخلل العميق

بقلم : عبد النبي العكري

لقد مرت ذكرى هزيمه 5 يونيو (حزيران)1967 وكتب الكثير عنها فماذا ساضيف ؟ الحقيقه انني أنجزت قراءه الجزء  الأول من ثلاثيه كتاب (عبد الناصر كما حكم ) للدكتور كمال خلف الطويل  الصادر عن مركزدراسات الوحده العربيه وهو عمل موسوعي  وتوثيقي ممتار حيث استند المؤلف الى مقابله ومحاوره العديدين ممن شاركوا في الاحداث او كانوا على صله بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقراءه مذكرات بعضهم  ومشاهده المقابلات والوثائقيات والبرامج التلفزيونية لبعضهم والاستناد الى مراجع ما يزيد عن  ماءه كتاب ووثيقه باللغه الانجليزيه .كما نشر نص  حوارات عبد الناصر وزكريا محيي الدين بعد الهزيمه دون الاشاره لمصدره . وسيقتصر هذا  المقال على الخلاصات حول هزيمه 5 يونيو 1967 على مصر.

منذ ان قاتل البكباشي  جمال عبد الناصر ضمن القوات المصريه  في فلسطين خلال حرب 1948 وحوصر مع رفاقه في الفلوجه في جنوب فلسطين ,ارتبط مصير عبد الناصر  بفلسطين فيما قدر مصر مرتبط بفلسطين طوال التاريخ .وبالفعل ومنذ ان قاد عبد الناصر ثوره 23 يوليو 1952 المجيده  حتى استشهاده في 28 سبتمبر 1970 وهو يعمل لوقف نزيف الدم بين الاخوه الفلسطينيين والاردنيين فيما عرف  بايلول الأسود,وهو يعمل على تكريس حياته وامكانيات مصر ورص الإمكانيات العربيه وتامين الدعم العالمي من اجل فلسطين و تحرير فلسطين ودفع حياته ودفعت مصر ثمنا باهضا لذلك من حياه أبنائها وتضحيات شعبها.

حرب يونيو و الفخ المحكم

لقد سبق لمصر لن تعرضت لحرب العدوان الثلاثي المشترك مابين  بريطانيا وفرنسا و"إسرائيل" بدءا ب 29 اكتوبر 1956 حيث احتلت  القوات "الاسرائيليه  " قطاع غزه وسيناء فيما تدخلت القوات البريطانيه والفرنسيه في الحرب في 5 نوفمير1956 واحتلت  قناه السويس ومدنها  .ولكن تضافرت عده عوامل أدت الى وقف العدوان وانسحاب  القوات المعتديه  واهمها قطع إمدادات النفط العراقي عبر سوريا الى الغرب واغلاق قناه السويس مما  تسبب في ازمه نفطيه في اوربا .كما ان تهديد الاتحاد السوفياتي بقياده خروتشوف بالتدخل العسكري وضغط أمريكا بقياده ايزنهاور لايقاف الحرب  وجلاء القوات المحتله . حققت "إسرائيل" مكاسب تكتكيه وهي  تعهد مصر بالسماح بمرور السفن المتوجهه الى ايلات بالمرور عبر مضائق تيران في خليج العقبه  ومرابطه قوات مراقبه دوليه في سيناء لمراقبه ذلك وتحذير الأمم المتحد لايه انتهاكات او مواجهه بين الدولتينن.

كانت تجربه حرب السويس  وما بني عليها  محل اعداد لحرب  "إسرائيليه  " أخرى قادمه ضد مصر  وقد كانت حرب يونيو 1967 ثمره مخطط أميركي إسرائيلي  لهزيمه مصر وبالتالي الخلاص من عبد الناصر وثوره يوليو ودور مصر في قياده الامه  العربيه في مواجهتها للكيان الصهيوني وتصديها للغرب بقياده أمريكا للسيطره على العرب  وتحرير فلسطين والقضايا القوميه الأخرى ودور عبد الناصر ومصر في حركه غذم الانحياز وحركه التحرر العالميه  .

هناك عده عوامل أسهمت في تطور الاحداث نحو حرب يونيو 1967 مابين "إسرائيل " من ناحيه ومصر وسوريا والأردن من ناحيه أخرى واهمها منع "إسرائيل" لتحويل روافد نهر اليرموك والأردن بغارات اسرائيليه مدمره  والغارات الاسرائليه عبر الحدود في الجولان السوري وقريه السموع في الضفه الغربيه وفي قطاع غزه كردع لعمليات فدائيه فلسطينه منطلقه من هناك .لكن الأهم هو ان استراتيجه "اسرائيل" التي تقوم على ضم ماتبقى من فلسطين و التوسع وفرض الصلح على الانطمه المحيطة بها .

هذه الاستراتيجيه تتطابق مع استراتيجيه أمريكا لاحتواء نظام عبد الناصروالغاء دوره الوطني والقومي والعالمي الذي اضحى مهددا للكيان الصهيوني والهيمنه الاميركيه عربيا ودوليا.وعندما فشل ذلك توجهت السياسه الاميركيه في عهد جونسون(63-1968) الى العمل مع "إسرائيل" لاسقاط نظام عبد الناصر  وإلغاء دور مصر. بالنسبه "لإسرائيل" فقد كان النظام في سوريا مزعجا بتسهيله لانطلاق الفدائيين الفلسطينين من اراضيه عبر الأردن والضفه الغربيه تجاه  فلسطين المحتله  وتتطلع لاحتلال الجولان وضمها ,فيما الأردن يحكم الضفه الفلسطينيه   التي تسعى " إسرائيل" لاحتلالها وضمها.

الهزيمه والخلل الذاتي

تصاعد التوتر مابين "اسرائل" من ناحيه ومصر وسوريا  والأردن من ناحيه أخرى . عمد الكيان الصهيوني الى الاستعداد للحرب بتخطيط محكم  وحصل على دعم أميركي عسكري واستعداد أميركي للمشاركه بتوفير المعلومات الاستخباريه وحشد الاسطول السادس في مسرح العمليات الحربيه .

يشرج المؤلف الأسباب التي أدت الى الهزيمه المنكره للقوات المسلحه المصريه والتي لم تستغرق فعليا سوى ساعات ومسار الحرب اللاعقلاني  والاباده التي تعرضت لها القوات المصريه او الاستسلام الجماعي في سيناء  :

1-يشرح المؤلف بالتفصيل الخلل العميق في بنيه القوات المسلحه المصريه والقياده الكارثيه  للمشير عبد الحكيم عامر والذي حول الجيش المصري الى أقطاعيه له  واستمر في قيادته رغم اخفاقاته الفاضحه مثل انطلاق الحركه الانفصاليه في سوريا  عن دوله الوحده بقياده الرائد عبد الكريم النحلاوي من مكتبه بقياده الأركان في دمشق في سبتمبر 1961 وفشله الفاضح في حرب السويس 1956 وكذلك اداؤه الكارثي في حرب اليمن (62-1967).

تبين ذلك بجلاء في اسناده في قياده التشكيلات العسكريه  والأركان والترقيات  الى الولاء الشخصي فيما الغالبيه لاتتمتع بالكفاءه وذلك لاينفي وجود كفاءات ومخلصين.وفي ظل قياده عامر للقوات المسلحه انتشر الفساد في أوساط الضباط الكبار في استغلالهم غير المشروع للعقارات الموضوعه تحت الحراسه ورئاسه الشركات المؤممه واساءه استخدام مواقعهم لمنافع خاصه بل وحياه غير مشرفه . وحتى  عندما يعين وزيرا للحربيه مثل الفريق  شمس بدران فذلك بفضل ولائه للمشير فيما  هو غيركفؤ وفاسد.

لقد اعترف الرئيس الراحل عبد الناصر بعد الهزيمه وفي سياق اعاده بناء القوات المسلحه بعد الهزيمه  بهذه الاخطاء ومنها اطلاق يد عبد الحكيم عامر في القوات المسلحه وعدم محاسبته على الإخفاقات والمخالفات التي ارتكبها واستمراره في قيادتها. وانتهى الامر بانتحاره بعد القرار باستجوابه حول الهزيمه.

2-رغم اخلاص ووطنيه معظم المنتسبين للقوات المسلحه وفلم تكن تمتلك القدرات والكفاءه القتاليه  التي كانت تتمتع بها قوات العدو الصهيوني.ظل الجيش المصري حتى 1956 معتمدا على التسليح الغربي  والتدريب الغربي  والمدرسه الغربيه في اداره الحرب, حتى عقد عبد الناصر صفقه التسلح مع الاتحاد السوفياتي (الصفقه التشيكييه ) وذلك يتطلب تدريبا وتاهيلا في مختلف افرع القوات المسلحه وذلك يتطلب وقتا وكفاءات وعوامل أخرى لم تتوفر كلها للقوات المسلحه المصريه غداه حرب 1967 .لكن قياده القوات المسلحه المصريه ظلت تصور بالظهور بمظهر المتفوق على  الخصم "إسرائيل" . كانت مناسبه ذكرى ثوره 23 يوليو مناسبه لاستعراض وحدات من القوات المسلحه بما في ذلك صواريخ القاهر والظافر غير الفاعله وغيرها من الاسلحه فيما العديد من الضباط ذوي الرتب العاليه يتباهون بذلك. لقد ثبت عدم كفائتها في حرب 5 يونيو1967

3- لم تكن مصر قبيل حرب 5 يونيو1967 جاهزه للحرب ومستعده لها ولقد أوصلت الاستخبارات السوفياتيه معلومات موثقه عن معرفه العدو بادق المعلومات حول انتشار القوات المسلحه المصريه ومواقعها وقواعدها  بواسطه طائرات استطلاع  "اسرائيليه"  اخترقت الأجواء وصورت المطارات الحربيه وعادت "لإسرائيل" دون اكتشافها او اسقاط أي منها.ورغم ذلك أصرت القياده المصريه على الانكار.كما ان الفريق عبد المنعم رياض القائد العام للقوات العربيه الموجود حينها  في الأردن حذر قبل ساعه من وقوع الهجوم الجوي الإسرائيلي  " ولم يتم اخذه بحديه .وقد استفاد "الإسرائيليون " من ذلك في توجيه الضربه الأولى صباح 5 يونيو 1967التي دمرت اكثر من 85% من الطيران المصري.

4-قام  المشير عامر بنشر قوات كبيره  في سيناء وتتضمن قوات مدرعه ومشاه ودفاعات جويه لكنه انتشار خاطئ  وبتركيبه خاطئه على محاور القتال الثلاثه وهي المحور الشمالي من رفح والعريش حتى بورفؤاد حيث كان المرجح ان يكون محور القتال الأساسي لكنه الأقل من حيث المدرعات وبدون قوات بعد العريش .والمحور الأوسط في القسيمه حتى ام كتاف ويؤدي الى ألإسماعيلييه .والمحور بين الأوسط والجنوبي والمحور الجنوبي في الكونتيلا  حيث توقع المشير ان يكون محور القتال الرئيسي ونقل له معظم القوات المدرعه وهو عكس ماورد من معلومات استخباراتيه ,وخلف خط الدفاع الأول هناك خط الدفاع الثاني والثلث  ومعظمها من الاليات علما بان قاده معظم الفرق والتشكيلات هم من المخلصين للمشير وليس بالضروره  الاكفاء .كما زج بالمتطوعين من المشاه في الخدمه الوطنيه ممن ليس لهم خبره او قدره قتاليه وبذى اضعفوا التشكيلات القتاليه.

5- هذا لايعني انه لم يكن هناك قياد سياسيه وعلى رأسها عبد الناصر وهيئه اركان فيها  قيادات  كفؤه ومجربه  وذات قدره على وضع الخطط الصحيحه واداره العمليات العسكريه.من هؤلاء الفريق ا ول محمد فوزي  رئيس هيئه الأركان والفريق عبد المنعم رياض  والفريق سعد الدين الشاذلي وغيرهم .لكن المشكله تكمن في تجاوزالقائد العام للقوات المسلحه المشير عامر لهيئه الأركان في مختلف مراحل التحشيد والانتشار واخيرا القتال حيث كان يتصل بقاده المحاور والتشكيلات والفرق العسكريه ويملي عليهم أوامره والتي أدت الى نتائج كارثيه .

6--كانت شراره حرب يونيو 67 هو اغلاق عبد الناصر لمضائق تيران امام الملاحه الاسرائيليه في خليج العقبه,  ومطالبه الأمم المتحده بسحب مراقبيها في سيناء وهو مااضعف موقف مصر الدولي . كان قرار القياده السياسيه وعلى رأسها الرئيس جمال عبد الناصر هو ان الاتكون  مصر هي البادئه بالحرب لئلا تشترك  أمريكا في الحرب مع "إسرائيل"  واستجابه  لطلب الحليف السوفياتي , لكن ذلك هو المقتل والذي اعطئ "إسرائيل" ميزه المبادره بالحرب وتوفير متطلباتها كما ضمنت موافقه ودعم امريكا بل مشاركتها في الحرب بطريقه خفيه .وقد تواترت المعلومات الاستخباريه السوفياتيه عن المخطط الإسرائيلي المدعوم اميركيا بالحرب وحدد يوم الاثنين 5 يونيو لشن الهجوم الجوي وتموضع القوات  "الاسرائيليه "وهو مااكده عبد الناصر لعامر والاركان العامه ,ولكن لم تتخذ أي خطوات عمليه بالاستعداد لذلك مثل  نقل القاذفات للسودان  وتوزيع المقاتلات على قواعد الصعيد مثلا وتحليق الطيران المصري واستنفار الدفاعات الجويه ,بل مشت الأمور كالمعتاد بحيث انه لما حدث الهجوم صباح 5 يونيو, كان الطيارون يتناولون افطارهم كالمعتاد.هاجمت إسرائيل مصر بكل ماتملك من طيران حوالي 200 قاذفه ومقاتله قاذفه مدعومه بمنظومه استطلاع وتوجيه وتشويش الكتروني اميركيه من الاسطول السادس حيث حددت الأهداف بدقه وعطلت الرادارات  وبطاريات الصواريخ المضاده للطائرات,وهاجمت في ثلاثه محاور اهم المطارات  الحربيه والمدنيه  في وقت واحد من الساعه 9 صباحا حتى 12 ظهرا ودمرت معظم الطائرات الحربيه  (85%)وعطلت المطارات ودمرت بطاريات ورادرات الدفع الجوي . وهكذا أضحت القوات المصريه في سيناء ومصر كلها وسلاح البحريه  دون غطاء جوي ومكشوفه لهجمات الطيران الإسرائيلي وهجمات القوات "الاسرائيليه".

7-في ظل هذه الأوضاع انهار المشير تماما ولم يستمع لعبد الناصر او هيئه الأركان التي قضت بمقاومه اعتراضيه للقوات الاسرائيليه المتقدمه لعده أيام تمنكن من انسحاب هذه القوات الى قناه السويس .  لكن الذي حدث هو ان المشير اتصل بقاده الفرق  والتشكيلات  العسكريه وامرهم بالانسحاب فورا خلال 24 ساعه . وهكذا جرت عمليات الانسحاب العشوائي حيث سارع العديد من قاده الفرق والتشكيلات الى ترك تشكيلاتهم للنجاه بأنفسهم مما ترتب عليه فوضى عارمه . وحتى "الإسرائيليين" لم يتوقعوا هذا الانهيار وتقدمت  قواتهم باتجاه القناه وهو مالم يكن مخططا له . ولحقت بالقوات  المصريه خسائر هائلة تقدر ب 10  الف شهيد و6 الف اسير جرى اعدام الكثير منهم ميدانيا ومعظم الاليات  اما دمر او استولي عليه ووصلت القوات "الاسرائيليه" الى الضفه  الشرقيه للقناه وكان بإمكانها عبور القناه والتقدم نحو القاهره لكن ذلك لم يكن مخططها بل الاستيلاء على سيناء والسيطره عليها وعلى قناه السويس وتعطيلها واسقاط عبد الناصر وتنصيب حاكم عميل لها في مصر والتفاوض من موقع القوه لفرض الاستسلام على مصر .

وقف اطلاق النار والاستقاله

امام هذا الانهيارالعسكري  اضطر عبد الناصر الى قبول قرار مجلس الامن بوقف اطلاق النار يوم  10 يونيو 1967  ورغم ان القرار ينص على  الانسحاب من أراض وليس الأراضي المحتله وهو ماستماطل فيه "إسرائيل " حيث تمكنت  من الاستيلاء على سيناء المصريه و الضفه الغربيه لفلسطين المحتله والجولان السوري .

رغم هول الكارثه فقد امتلك عبد الناصر الشجاعه ليعلن  في خطاب متلفز مساء 9 يونيو 1967 تحمله  المسؤؤليه  كامله عن الهزيمه وتنحيه عن القياده واي دور سياسي  وتسميته  نائبه زكريا محيي الدين رئيسا للجمهوريه , وقد تراجع عن الاستقاله امام ضغط الجماهير.ورغم انه يتحمل المسؤليه الأولى كونه الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحه , الا ان القياده المصريه  السياسيه والقياده العسكريه وعلى رأ سها المشير عامر  تتحمل معه المسؤؤليه عن  الهزيمه .وبالطبع فان النظام المصري برمته هو الذي  مكن الكيان الصهيوني وامريكا من الحاق الهزيمه بمصر ,وذات الشيء ينطبق على سوريا والأردن.

رفض الشعب المصري الاستقاله وخرج  في معظم المدن المصريه الى الشوارغ ليلا مباشره بعد خطاب االتنحي  وهتافه "حنحارب حنحارب" حتى اجبر عبد الناصر على العوده عن الاستقاله ومواصله الاعداد لتحرير الأرض تحت شعار" مااخذ بالقوه لايسترد بغيرالقوه". لكن مفاعيل الهزيمه أحدثت تغييرات هائله في مصر ودول المواجهه والقضيه الفلسطينيه والامه العربيه  وهي بالطبع  على حسابهم ولصالح عدوهم ."إسرائيل"  وحليفتها أمريكا وكل يوم يزداد الثمن..لكن المهم أيضا انه في ظل قياده عبد الناصر فقد اعيد بناء الجيش المصري حتى استشهاده في 28 سبتمبر 1970 , على أساس الكفاءه والتضحيه من اجل التحرير وهو ماتحقق في حرب أكتوبر المجيده 1973 في ايامها الأولى على الأقل  ومره أخرى  وظف الانتصار لابرام صفقه الصلح لصالح العدو الصهيوني .