مع اكتمال فرز أصوات الناخبين الفرنسيين في الانتخابات البرلمانيه المفاجئه والتي دعى اليها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون , اثر تقدم اليمين المتطرف وخساره حزبه (النهضه )في الانتخابات للبرلمان الأوربي ,فقد جاءت النتائج خلافا لما أراده ماكرون وتوقعاته واعتبر مقامره لاضروره لها لكن ماكرون وخلافا لراي الكثيرين في معسكره ارتاى استعاده الثقه في حكمه بعد تقدم الجبهه الوطنيه منافسته الرئيسيه في انتخابات البرلمان الأوربي مؤخرا .ومن المهم ذكره ان الاقبال على المشاركه في هذه الانتخابات لاسابق لها بنسبه67% ويعود ذلك الى استقطاب شديد في الحياه السياسيه والتعبئه لمواجهة اليمين الصاعد والمشاركه النشطه للفرنسيين من أصول مهاجره مغاربيه وافريقيه المهددين من قبل اليمين ,حيث بلغ عدد المرشحين مايقارب 4000 مرشح.
أظهرت النتائج النهائيه فوز اليمين المتطرف (التجمع الوطني ) بزعامه ماري لوبوان (الزعيمه التاريخية ) وجودان بارديلا (الرئيس الحالي ومرشحها لرئاسه الحكومه ) ب34% من أصوات الناخبين, فيما فاز تحالف اليسار (الجبهه الشعبيه الجديده ) بزعامه جان لوك ميلاتشون ب 29% من الأصوات فيما حل حزب مكارون (تحالف التجمع بقياده حزبه النهضه ) في المرتبه الثالثه ب 20% من الأصوات في اخطر تطور سياسي في فرنسا منذ قيام الجمهورية الخامسه قبل 60 عاما بفوزكبير لليمين الفرنسي المتطرف , واحتمال كبير بحسم هذ الفوز في الجوله الثانيه للانتخابات النيابيه في 7 يوليو 2024 وحصوله على اغلبيه نيابيه تمكنه من تشكيل حكومته في ازدواجيه للسلطه مع رئاسه ماكرون. وقد عبر عن ذلك زعيم التجمع الوطني اليميني جوردان بارديلا(28 عاما) في خطابه بعد اعلان النتائج بالتأكيد للفرنسيين "انه سيكون رئيس الوزراء القادم لكل الفرنسيين بالاصرار على ضروره نيل حزبه للاغلبيه المطلقه لتنفيذ برنامج حزبه.وحذر من التصويت لتحالف اليساري الذي يمثل خطرا وجوديا لفرنسا.واكد انه سيحدث تغييرات جوهريه في سياسات الدوله داخليا وخارجيا مع تطمينه للفرنسيين بحقوقهم السياسيه والاقتصاديه والتصدي للهجره ".
يقوم نظام الانتخابات البرلمانيه الفرنسيه على نظام الدائرة الفرديه حيث يتنافس المرشحون ممثلين لاحزاب اومستقلين وهو نادر جدا .وتجرى الانتخابات من جولتين. ويعتبر فائزا من الجوله الأولى من يحصل على مايزيد عن 50% من أصوات ناخبي الدائره بحيث لايقل من ادلوا بأصواتهم عن 25 % من الناخبين المسجلين وغالبا مايكون عدد ونسبه هؤلاء محدوده . وفي الجوله الثانيه يتنافس باقي المرشحين بشرط ان يكون المرشح قد حصل على 12.5 % من أصوات الناخبين على الأقل , ويفوز من حاز اعلى الأصوات .من هنا فان النتائج النهائيه قد تختلف بعد الجوله الثانيه عنها في الجوله الأولى . لعده أسباب ومنه قيام تحالفات انتخابيه جديده وانسحاب مرشحين لصالح مرشحين اخرين وتحول في خيارات الناخبين. ونذكر هنا ان عدد من فازوا في الجوله الأولى بحدود 90 نائبا من الكتل الثلاث المتنافسه .
تضم الجمعيه الوطنيه الفرنسيه مامجموعه 577 مقعدا تمثل (فرنسا وملحقات ماوراء البحار والفرنسيين الذين هم خارح فرنسا وملحقاتها ) وبذى تتطلب الاغلبيه في الجمعيه الوطنيه من قبل حزب او تحالف جبهوي 289 نائبا على الاقل وهو مايسعى له التجمع الوطني أولا او التحالف مع اخرين لتامين ذلك مما يؤهله لتشكيل الوزاره القادمه برئاسه رئيسها جوردان بارديلا (28 عاما ) وبذى سيكون اصغررئيس وزراء وزعيم الحزب الحاكم في تاريخ فرنسا لاول حكومه يمينيه متطرفه في تاريخ فرنسا بعد الحرب العالمية الثانيه .
من هنا فقد تسارعت التطورات والمواقف لمختلف الأحزاب وقياداتها ومنظمات المجتمع المدني واهما النقابات والشخصيات البارزة ووسائط الاعلام ومراكز البحوث وغيرها .
رد الفعل المباشر في الشارع الفرنسي بعد اعلان النتائج الصادمه لتقدم اليمين المتطرف جاء فوريا , وتمثل في الاجتماع الحاشد في ساحه الجمهورية في باريس الذي حضره مئات الألوف في تأكيد على رفض الفاشيه الجديده وما يمثله التجمع الوطني اليميني المتطرف من سياسات وفي مقدمتها القضيه الفلسطينه بانحيازه الى جانب الكيان الصهيوني , حيث رفعت الاعلام الفلسطينه الى جانب الاعلام الفرنسيه وترددت الهتافات لفلسطين ودعت الكلمات الى تحالف يضم قوى التقدم في فرنسا في مواحهه التجمع الوطني اليميني وحلفاؤه . وترافقت مع دعوات قيادات سياسه ونقابيه لتحالف مختلف القوى المؤمنه بقيم الجمهوريه الفرنسيه لمواجهة وافشال اليمين المتطرف.وذكران الاتحادات العماليه الرئيسيه تؤيد التحالف اليساري.
بالسبه للتجمع الوطني وكما عبرت عنه ماري لوبان (الزعيمه البرلمانيه) وجوردان بارديلا (رئيس الحزب) ,فقد اعتبرا انتصار الجبهه "هزيمه لماكرون وقطيعه لحكمه ودعيا الناخبين للتصويت للتجمع الوطني في قطيعه مع الماضي وبدايه لعهد جديد حيث الاولويه للمواطن والتصدي للهجره ولمصلحه فرنسا اولا ومطمئنا الفرنسيين بضمان الحريات العامه والحقوق الاقتصاديه والحياتية ووصف بارديلا هذه الانتخابات انها الأكثر اهميه في فرنسا منذ 60 عاما" وقد فاز التجمع الوطني ب 37 مقعدا في الجوله الأولى.
اما تحالف الجبهه الشعبيه الجديده (اليساريه ) بقياده اليساري جان لوك ميلنشون والتي تضم حزبه فرنسا الابيه والحزب الاشتراكي وحزب الخضر والحزب الشيوعي واخرون والمدعوم من قبل اهم الاتحادات العماليه ,والذي حل في المرتبه الثانيه في الانتخابات منافسا قويا لتحالف اليمين المتطرف وفائزا ب 32 نائبا في الجوله الاولى ,فقد دعى مناصريه الى التصويت بكثافه لمرشحيه في الجوله الثانيه كما دعى ناخبي حزب ماكرون (النهضه ) وحزب الجمهوريه والأحزاب الأخرى الى مواجهه التجمع اليميني وحرمان مرشحيه من الفوز ودعى مرشحيهم ممن هم دون المركزين الأوليين للانسحاب لصالح مرشجي تحالف اليسار , لانقاذ فرنسا من حكم اليمين المتطرف .كما اكد على معالجه الأوضاع الاقتصاديه والمعيشيه المترديه والعيش المشترك للفرنسيين بمختلف تكويناتهم ومحاربه العنصريه وإلغاء قانون رفع سن التقاعد 64 عاما وارجاعه ل 60 عاما .كما اكد دعمه للقضيه الفلسطينه ووقف الحرب فورا في غزه والاعتراف بالدوله الفلسطينيه ووضغ حد للانحياز الغربي والاوربي "لإسرائيل " ووقف امدادها بالاسلحه.المعروف انه سبق لميلانشون ان نافس الرئيس ماكرون في انتخابات الرئاسه في 2017 و .2022 ومثل حزبه فرنسا الابيه العمود الفقري للمعارضه ضد نظام ماكرون وسياساته.
بالنسبه للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون فقد ادرك خطوره قراره بالدعوه لانتخابات طارئه حيث الانتخابات الاعتياديه مقرره في 2017,وحصد بذلك نتائج مريره حيث حل حزبه متاخرا في المرتبه الثالثه ب 20% من الأصوات ولم يفز له نواب في الدوره الأولى سوى عدد ضئيل فيما احتل غالبيه مرشحيه مواقع متاخره في قوائم المترشحين للجوله الثانيه . ادرك ماكرون ورئيس وزرائه جابريال اتال خطوره فوز (تحالف التجمع الوطني ) فدعيا الى احباط فوز التجمع الوطني اليميني بدعوه جميع قوى الديمقراطية والجمهوريه بالتحالف والتصويت لمرشحي الحزب .ومع اعترافهما بالتقصيروالاخطاء لبعض السياسات الداخليه فقد دعيا لإنقاذ الديمقراطيه الفرنسيه واشادا بالاقبال الكبير الذي لاسابق له في الانتخابات الفرنسيه .
من ناحيته فقد ترك ايريك سونوتي زعيم الحزب الجمهوري اليميني المعتدل والذي حاز على 10% من الأصوات الخيار لناخبيه للتصويت لمن يرغبون ولمرشحيه للانسحاب لصالح من يرون من المرشحين الاخرين. وعارض الدعوه لعدم تصويتهم لصالح التجمع الوطني اليميني بل ان بعض قيادي الحزب دعوا الى دعم التجمع الوطني اليميني ومواجهة التحالف الساري .
القضيه الفلسطينه في قلب الانتخابات
لم يسبق ان أضحت القضيه الفلسطينيه والصراع العربي الصهيوني محورا مهما في صلب السياسه الفرنسيه والانتخابت العامه الفرنسيه كما هي الان . وهذا مفهوم بفعل انعكاسات طوفان الأقصى وما تبعه من انعكاسات واسعه وعميقه على المجتمع الفرنسي ومجريات السياسه الفرنسيه .فلقد ترتب على الانحياز الرسمي الفرنسي الفاضح للكيان الصهيوني بقياده ماكرون الى تبلور حركه سياسيه وطلابيه وجماهيريه واسعه ضد هذه السياسه وقد ووجهت بقمع لاسابق له في تاريخ فرنسا وفي تضاد مع قيمها واراده شعبها . من هنا فقد برز تحالف مؤيد لفلسطين بقياده القائد اليساري ميلانشون وحزبه فرنسا الابيه مع طيف واسع من التنظيمات والمجتمع الطلابي والجماهيري الفرنسي ربط فيه موقف فرنسا الرسمي تجاه فلسطين بالموقف تجاه السياسات الخارجيه والداخليه .
من هنا اضحى الموقف من القضيه الفلسطينه والكيان الصهيوني وحرب الاباده الصهيونية والحركه الصهيونيه بندا أساسيا في برامج ومواقف مختلف الأحزاب المتنافسه ومرشحيها كما انعكست في النقاشات والموقف في الجمعيه الوطنيه ومجلس الشيوخ الفرنسي الى حد مثول نائب عن فرنسا الابيه للتحقيق من قبل الشرطه بتهمه معاداه الساميه .
التجمع الوطني اليميني اكد انحيازه "لإسرائيل"واكد استمرار الدعم السياسي والعسكري الفرنسي "لإسرائيل " كما انه لن يعترف بالدوله الفلسطينه وذلك خلافا لمواقفه السابقه الأقل انحيازا من الأحزاب التي حكمت فرنسا. واللافت ان رئيس الحزب وعد بعدم توليه اليهود مراكز حساسه في حكومته المرتقبه.كما ان التجمع الوطني اليميني في صلب حراك الأحزاب والقوى المؤيده "لإسرائيل" تحت يافطه التصدي لمعاداه الساميه ومواجة الحركه الجماهيريه المؤيده لفلسطين على جميع المستويات .
تحالف اليسار بزعامه ميلنشون المعروف بتاييده القوي لفلسطين منذ انطلاقه طوفان الأقصى كابرز القاده الاوربيين في تصديه لسياسات الغرب بقياده أمريكا في الانحياز للكيان الصهيوني والمشاركه في حرب الاباده ضد الشعب الفلسطيني في غزه ,وقياده الحراك الجماهيري الفرنسي والاوربي وتبنئ في برنامج (الجبهه الشعبيه الجديده) دعم القضيه الفلسطينه بقوه ومطالبه فرنسا والاتحاد الأوربي بوقف الدعم السياسي والعسكري "لإسرائيل " ووقف فوري لاطلاق النار والاعتراف بالدوبه الفلسطينيه وتفعيل العداله الدوليه (محكمة الجنايات الدوليه ومحكمه العداله الدوليه )ضد الكيان الصهيوني وقياداته .من هنا فان التجمع الحاشد مساء يوم الانتخابات وبعد ظهور النتائج الخطيره لفوز اليمين المتطرف يؤكد تلازم حركه دعم لفلسطين مع مواجهه القوى المنحازه للكيان الصهيوني والتمسك بقيم ومصالح وحقوق الشعب الفرنسي. .
وبالنسبه للرئيس مكارون وحزبه فقد تمسك في برنامجه الانتخابي ومواقف نوابه بسياساته المنحازه للكيان الصهيوني والمعاديه للقضيه الفلسطينيه والتي اتبعت طوال سنوات حكمه لفترتي الرئاسه واتضحت جليا منذ انطلاقه طوفان الاقصى فهو مصر على الاستمرار فيها تحت القياده الاميركيه . ولنتذكر هنا ان السياسه الخارجية والدفاع هي من اختصاصات الرئيس والمتوقع استمرارها حتى لو اضحى رئيس الوزراء جوردان بارديلا عن التجمع الوطني اوانحدارها نحو الاسؤ, حيث يختص رئيس الوزراء بالقضايا الأخرى.
سيترتب على النتائج النهائيه للانتخابات النيابيه في 7 يوليو 2024 تبعات مهمه في مواقف الدوله الفرنسيه من مختلف القضايا الخارجية والداخليه لاسابق لها ومنها الموقف من القضيه الفلسطينه والقضايا العربيه اعتمادا على من سيفوز , التجمع الوطني اليميني المتطرف ام الجبهه الشعبيه اليساريه ومن سينحاز لكل منهما من باقي الأحزاب الأخرى والنواب المرشحون. وبالفعل فان هناك تشققات في حزب ماكارون (النهضه ) وحزب الجمهوريه وانحيازات للقوتين الرئيسيتين المتنافستين , التجمع الوطني اليميني المتطرف والجبهة الشعبيه اليساريه .ان احتمالات الفوز او الخساره النسبيه لاي منهما وارده وتعتمد على الانحيازات خلال هذا الأسبوع الحاسم .