DELMON POST LOGO

الموسوي في ندوة جمعية "النهضة" عن سيناريوهات ما بعد العدوان على غزة : كيف لا يشهر الفلسطيني سيفه في وجه حياة قاتلة؟! (1-4)

أكد الكاتب الصحفي والناشط السياسي رضي الموسوي على أن أجهزة الإعلام الصهيونية والعالمية لفقت وأساءت وشوهت سمعة المقاومة الفلسطينية التي قامت بعملية السابع من أكتوبر2023، بترويجها معلومات كاذبة عن المقاومة، لكن جيش الكيان ارتكب ولا يزال يرتكب جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني في غزة فقتل وجرح عشرات آلاف الاطفال والنساء والشيوخ، ليدرك العالم حقيقة هذا الكيان.

وقدم الموسوي ورقة عمل بعنوان "طوفان الأقصى وسيناريوهات ما بعد العدوان على غزة، في الندوة التي نظمتها اللجنة الثقافية بجمعية نهضة فتاة البحرين يوم أمس الثلثاء (25 يونيو2024) ننشرها على أربع حلقات. وبدأ حديثه بالقول:

"بيت على الشاطئ ليس حلما..إننا نعمل على إعداد الأرض للعودة إلى غوش قطيف".

هذا إعلان لشركة "هاري ذهاف" المتخصصة في تطوير المستوطنات الصهيونية على موقعها في فيس بوك منتصف ديسمبر الماضي. و"غوش قطيف" هي مستوطنات قطاع غزة التي انسحبت منها الدولة العبرية في العام 2005، وقد وعدت الشركة المذكورة الصهاينة ببناء مستوطنات متطورة وشاليهات على ساحل غزة.. هكذا يرى الصهاينة اليوم التالي لحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني. وهم يسعون لتحقيق هذا الحلم بشراكة مباشرة وعملية من قبل الولايات المتحدة الامريكية في حرب الابادة، وتقديم كل اسلحة الدمار اللازمة لإبادة غزة وتسويتها بالأرض.

لكن، لا يختلف المحللون والمتابعون بأن ما قبل طوفان الأقصى ليس كما بعده. والكيان الصهيوني هو أكثر من يعي هذه الحقيقة، حيث انكشف الجيش الذي لايقهر وهزم في موقعة السابع من أكتوبر التي أعطت نتائجها مباشرة وبينت قدرة المقاومة على الاختراق وتحُول حلم النصر إلى حقيقة يمكن إنجازها إذا توفرت الظروف الذاتية والموضوعية، وهذا الذي حصل في ذلك اليوم عندما عجزت أجهزة الاستخبارات المدنية والعسكرية وأجهزة الرادارات من إكتشاف أمر التخطيط للطوفان ويوم تنفيذه على حد سواء. وهذا الحجم من الاختراق يفسر ردة الفعل المتوحشة التي أعقبت عملية الطوفان، ليس من قبل الكيان فحسب، بل استنهضت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا، وهي دول تقود المعسكر الرأسمالي الليبرالي المتوحش، قادتها إلى سرعة المشاركة في وقف تداعيات الطوفان على الكيان والمنطقة، فسارعت إلى إرسال جيوشها وتشغيل الطاقة القصوى لأجهزة تجسسها من أقمار صناعية وتلك التي على الأرض ودفعت دول المنطقة ومن بينها الدول العربية إلى إدانة وانتقاد العملية وتصنيفها على أنها عمل "إرهابي وبربري" قامت به حركة حماس والفصائل الفلسطينية التي شاركتها في هجوم ذلك الفجر المجيد، وأمتد الدعم إلى وسائل الإعلام العالمية التي يسيطر عليها رأس المال الداعم للكيان، فراحت تروج أكاذيب وتلفيقات طبختها المخابرات الصهيونية وأدعّت أن المقاومة الفلسطينية قامت بعمليات إغتصاب للنساء وذبح للأطفال واختطاف المدنيين وسحبهم إلى غزة، في محاولة لتلطيخ سمعة المقاومة الاخلاقية وتصويرها بأنها متوحشة وغير إنسانية، حيث تم فبركة الكثير من القصص والتقارير الصحفية والاعلامية من قبل كبريات المؤسسات الاعلامية مثل الـ(سي إن إن) الامريكية والـ(بي بي سي) البريطانية والمؤسسات الدائرة في فلكهما من داعمي الكيان، بما فيها المؤسسات الاعلامية العربية المرتبطة بهذا المحور. ورغم الإعتذار الموارب لبعض هذه المؤسسات، إلا أن مبدأ دعم الاحتلال بقي ثابتا، وقد تجلى قبل أيام عندما فبركت صحيفة (تيليغراف) البريطانية خبر يدعّي أن حزب الله يخزن أسلحة في مطار بيروت الدولي، وهي عملية تحريض وتبرير بائسة وتغطية استبقاية لنية الاحتلال الصهيوني استهداف هذا المطار الذي يعج بالمسافرين هذه الأيام.

بعد أيام على اجتياح قوات الاحتلال قطاع غزة، ارتكب الكيان بتشكيلاته، كل الموبقات والجرائم التي حاول إلصاقها بالمقاومة الفلسطينية زورا، فراح يُنكِّل بالفلسطينيين في حرب إبادة جماعية لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها، فقصف البيوت على ساكنيها ونكل بالاطفال والنساء والشيوخ ومارس عمليات إغتصاب وذبح للنساء والاطفال دون أن يرف لداعميه من العرب والدول الغربية جفنا، فلم يدينوا ما يقترفه من جرائم حرب، حتى بعد إدانته من محكمة العدل الدولية بارتكابه كل هذه البشاعات.

لقد تقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا خطوات نحو الشراكة الفعلية منذ اليوم الأول للعدوان، ووقفت واشنطن ضد أي قرار يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بوقف هذه المذابح، واستخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد القرارات التي تبناها أغلب أعضاءه لوقف المحرقة ضد الشعب الفلسطيني. وحتى القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن في العاشر من يونيو الجاري الذي تقدمت به الولايات المتحدة، لم يجد طريقه للتطبيق لأن الكيان لديه مخططات أخرى تقوم على تهجير فلسطيني غزة إلى سيناء وتسوية مبانيها بالأرض وبناء مستوطنات صهيونية عليها ممولة أمريكيا وغربيا.. وحتى من بعض النظام الرسمي العربي. كما أن في المخطط عملية ترانسفير أخرى تنفذ ببطئ في الضفة الغربية والقدس تقضي بتهجير الشعب الفلسطيني إلى الأردن، وقد تطور هذا المخطط عبر منهجية تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق ومصادرة أراضيهم ومنازلهم ومضاعفة الاستيطان إلى الحدود القصوى. ويكفي أن نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الصهيوني، يمارس تمييزا فاقعا ازاء استهلاك المياه، حيث تفيد مراكز البحث والدراسات أن الكيان الذي يسيطر على مصادر المياه التي يستهلكها الفلسطينيون، يضخها ملوثة، هذا أولا، وثانيا،يحرم المواطن الفلسطيني حتى من الحد الأدنى المقرر عالميا بينما يستهلك الفرد الصهيوني في الكيان 3 أضعاف ما يستهلكه الفلسطيني، وإذا قورنت النسبة مع المستوطنين فأنها تزداد إلى سبعة أضعاف. أما الوضع في قطاع غزة فهو كارثي إلى حد بعيد.. فكيف لا يخرج الفلسطيني على الناس شاهرا سيفه لمواجهة هذه الحياة القاتلة!!

أربع نقاطٍ في ورقة العمل هذه تسلط الضوء على مجريات الأمور في قطاع غزة والمحيط الاقليمي، الأولى عن المعطيات التي تسببت في طوفان الأقصى، والثانية عن المقاومة التي تواجه مخرز الاحتلال، والثالثة عن حال السلطة الفلسطينية، والرابعة عن مخططات الكيان وداعميه وسيناريوهات ما بعد حرب الإبادة على غزة، ومسألة إعادة الإعمار والخطط المقترحة. ولأن الوقت محدد سوف اتطرق بعناوين للنقاط الثلاث الأولى وأُفصّل في النقطة الأخيرة..        

أولا: لماذا طوفان الأقصى؟

يثير بعض المراقبين سؤال جوهري مغمس بالخداع، مفاده لماذا أقدمت حركة حماس والمقاومة الفلسطينة بعملية طوفان الأقصى، ويعرجون على حجم الخسائر البشرية ووالمادية التي اعقبت يوم الطوفان، ويشيرون بأصبع الاتهام الى المقاومة بأنها هي التي تسببت في كل هذا الدمار. لكن، ما حال غزة قبل السابع من أكتوبر؟

منذ أكثر من سبعة عشر عاما، وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية فرض الكيان حصارا محكما على قطاع غزة ما ادى الى تدمير اقتصادها ، وفق صحيفة "لوبس" الفرنسية، حيث يتوجه الوضع الى الاسوأ في كل من غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية حيث يتعرض الفلسطينيون هناك إلى عراقيل وصعوبات وضغوطات يومية بسبب سياسة الاستيطان ومصادرة اراضي ومنازل المواطنين هناك.

بلغ عدد سكان قطاع غزة 2.2 مليون نسمة في نهاية 2022، بينما يصل عددهم الى 3.1 مليون نسمة في الضفة الغربية. ومجتمع غزة هو مجتمع فتي إذ أن عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة يشكلون 70 بالمئة من السكان، والأطفال الذين تقل أعمارهم عن 17 سنة يشكلون 47 بالمئة، حسب منظمة اليونسيف، بينما نسبة الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فما فوق لا تزيد عن 3 بالمئة.

ويشير تقرير الصحيفة إلى أن حجم الاقتصاد الفلسطيني يقل عن نظيره الصهيوني بنحو 24 مرة،  ويعيش على المساعدات، ويبلغ 18 مليار دولار، بينما يصل الناتج المحلي الصهيوني إلى 430 مليار دولار، ويبلغ متوسط دخل الفرد الفلسطيني 3 آلاف دولار في السنة، أي 250 دولار في الشهر، مقابل 45 ألف دولار حجم الدخل السنوي للفرد في الكيان، أي ضعف ما يحصل عليه الفلسطيني بـ15 مرة. وبلغت البطالة في قطاع غزة نفس العام أكثر من 45 بالمئة وبين الشباب تصل نسبتها إلى 60 بالمئة، وفي الضفة الغربية تبلغ البطالة نسبة 13 بالمئة، في حين هي في الكيان عند معدل 4.3 بالمئة. وبلغت نسبة انعدام الأمن الغذائي 67 بالمئة في غزة و23 بالمئة في الضفة الغربية، بينما يتمتع الكيان بوفرة غذائية كبيرة. أدى هذا إلى أن أكثر من نصف سكان قطاع غزة يعانون من الفقر في 2022، وفق صندوق النقد الدولي.

في ظل هذه الظروف القاسية التي يعيشها أبناء القطاع وتضاؤل الأمل في وجود حل للحصار والاحتلال والفقر، واندفاعة التطبيع مع الكيان من قبل بعض الدول العربية وآخرها الاتفاقات الابراهيمية مع أربع دول عربية هي الامارات والبحرين والسودان والمغرب وزيادة الحديث عن التطبيع مع السعودية، جاء طوفان الأقصى لبخلط الأوراق ويحرك المياه الآسنة ويعيد الوهج للقضية الفلسطينية بعد أن كادت أن تطمر تحت أنقاض المباني المدمرة في القطاع المحاصر وفي الضفة الغربية التي تواجه عملية استيطان على قدم وساق واستغلال حالة الهوان العربي وانزياح بعض عناصر النظام الرسمي عن القضية المركزية، إذ تشير الاحصائيات إلى أن حركة الاستيطان في الضفة والقدس قد تضاعفت إلى مستويات خطيرة تنذر بتطهير عرقي، حيث بلغ عدد المستوطنين ما بين 500 ألف مستوطن وفق الارقام الصهيونية إلى أكثر من 800 ألف مستوطن حسب الاحصائيات الفلسطينية، بينما يقوم عتاة المستوطنين بفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الاقصى من خلال الإقتحامات اليومية المتكررة، ومصادرة منازل المقدسيين وحملات التنكيل التي لا تتوقف.

… يتبع