DELMON POST LOGO

في ندوة جمعية "النهضة" عن سيناريوهات ما بعد العدوان على غزة..الموسوي: عين المقاومة الفلسطينية تواجه مخرز الاحتلال الصهيوني (2-4)

- اعتقد الكيان أن اجتياح غزة نزهة تنتهي في أيام لكن صمود المقاومة والبيئة الحاضنة ، حال دون تحقيق الكيان مآربه

- حَشَد الكيان 500 ألف شخص، في خطوة تعكس حالة الفزع من نتائج الطوفان واستعدادا لليوم التالي

- سلاح الإرادة الذي تمتلكه المقاومة الفلسطينية أثبت فعاليته في ميدان القتال في الأشهر التسعة الماضية

- تعاني السلطة الفلسطينية المنبثقة من اتفاق أوسلو، من ضعف شديد لتفردها وتنسيقها مع الاحتلال

أكد الكاتب الصحفي والناشط السياسي رضي الموسوي على أن أجهزة الإعلام الصهيونية والعالمية لفقت وأساءت وشوهت سمعة المقاومة الفلسطينية التي قامت بعملية السابع من أكتوبر2023، بترويجها معلومات كاذبة عن المقاومة، لكن جيش الكيان ارتكب ولا يزال يرتكب جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني في غزة فقتل وجرح عشرات آلاف الاطفال والنساء والشيوخ، ليدرك العالم حقيقة هذا الكيان.

وقدم الموسوي ورقة عمل بعنوان "طوفان الأقصى وسيناريوهات ما بعد العدوان على غزة، في الندوة التي نظمتها اللجنة الثقافية بجمعية نهضة فتاة البحرين يوم أمس الثلثاء (25 يونيو2024)..وهنا الحلقة الثانية، التي تتحدث عن المقاومة التي تواجه مخرز الإحتلال، وحال السلطة الفلسطينية التي تعاني من تآكل وضعف شديدين:

ثانيا: عين المقاومة تواجه مخرز الاحتلال

لا يختلف إثنان على أن الكيان الصهيوني يتمتع بإمكانيات كبيرة وضخمة جدا وهو قادر على إلحاق الدمار الشامل في قطاع غزّة وقتل أبنائها وتدمير البنى التحتية، واستهداف قادة المقاومة وكوادرها وعائلاتهم وتسوية منازلهم بالارض، وهو الأمر الذي ترتكبه قوات الاحتلال في الوقت الراهن بشراكة امريكية غربية فاضحة في محاولة لإستعادة هيبة "الجيش الذي لا يقهر" واعادة الاعتبار والمعنويات للضباط والجنود وأجهزة الجيش المختلفة.

لقد اعتقد الكيان وقيادته الفاشية أن اجتياح غزة نزهة يمكن أن تنتهي في أيام معدودة، لكن صمود المقاومة ووقوف البيئة الحاضنة معها، حال دون تحقيق الكيان مآربه وأهدافه، المعلنة منها والخفية. فقد كان رئيس وزراء الكيان يؤكد في كل تصريحاته أن الهدف هو تحرير الرهائن والقضاء على حركة حماس وحلفاؤها والسيطرة على قطاع غزة ورفض أي سلطة تحكمها بما فيها السلطة الفلسطينية التي تنسق معه أمنيا في الضفة الغربية.

ترسانة الكيان: يمتلك الجيش الصهيوني كل هذه القدرات وأكثر. يبلغ عدد جنود جيش الاحتلال 180 ألف شخص، تشكل النساء فيه نسبة 15 بالمئة، ويصل عدده بالاحتياطي الى قرابة 3 ملايين شخص، وقد تم استدعاء أكثر من 300 ألف شخص بعد طوفان الأقصى، وتشير معلومات أخرى أن الكيان حَشَد نحو 500 ألف شخص، في خطوة غير مسبوقة تعكس حالة الفزع من نتائج الطوفان واستعدادا لليوم التالي من حرب الإبادة لتنفيذ المخططات المرسومة في دوائر الكيان. ويعتبر سلاح الجو العمود الفقري للعدوان والقوة الرئيسية للجيش الصهيوني ويضم 34000 عسكري بالاضافة إلى 54000 عسكري احتياطي. يتكون سلاح الجو من طائرات امريكية الصنع فضلا عن مروحيات وطائرات نفاثة فرنسية وايطالية والمانية. يمتلك جيش الكيان 748 طائرة موزعة على مختلف القطاعات والمهام القتالية والهجومية والشحن العسكري والاستطلاع والمهمات الخاصة وناقلات الجند والمروحيات، منها 175 طائرة من طراز أف 16 مختلفة النوعيات و58 طائرة من طراز أف15، و18 طائرة الشبح أف35. أما الاسطول البري فيمتلك جيش الاحتلال أكثر من 56 ألف مدرعة، 2200 دبابة، 650 مدفعية ذاتية الدفع، 300 مدفعية ميدانية، 300 قاذفة صواريخ متحركة. ويتكون الاسطول البحري من 5 غواصات، 7 طرادات، 45 سفينة حربية، 5 موانئ ومحطات. كما يمتلك برنامجا نوويا عسكريا شديد السرية، والمعلومات التي تسربت تفيد بأنه يمتلك 90 رأسا نوويا، ويحوز على اليورانيوم والبلوتونيوم تسمح بتصنيع 100 قنبلة نووية، وتقدر بعض المصادر ان الكيان يمتلك نحو 400 رأس نووي، ولا يَسمَح بالتفتيش الدولي على منشآته النووية، ولكن لا أحد يسائله من القوى الدولية أو المنظمات المتخصصة في الطاقة الذرية لذلك يتصرف فوق كل القوانين.

يعتبر جيش الكيان واحدا من أقوى الجيوش في العالم، وتفتح له مخازن السلاح الامريكية في أغلب الاحيان، حتى صار يطلق عليه الولاية الامريكية الـ51 بسبب المعاملة الخاصة التي تلبي احتياجاته من القاذفات والعتاد العسكري.

ترسانة المقاومة: وإذا كان جيش الاحتلال يمتلك هذا الحجم الضخم من العتاد الذي لا تملكه المقاومة الفلسطينية، فأن هذه المقاومة تتمتع بقدرات تسليحية متواضعة جدا مقارنة بترسانة الاحتلال، حيث فعل الحصار فعلته وفرض اعتماد المقاومة على قدراتها وامكانياتها الذاتية الشحيحة في عملية تصنيع وتطوير اسلحتها المتواضعة أصلا. وتعتمد حماس وفصائل المقاومة على الصواريخ بشكل رئيسي بالاضافة للسلاح الفردي الخفيف وبعض المسيرات، وتفتقد الى الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات. ومن بعض الصواريخ التي أعلنت عنها المقاومة واستخدمتها في حروبها: صاروخ القسام، وصاروخ القدس وصواريخ غراد وصاروخ سِجيل وقذائف الهاون وصاروخ إم-75 وإس إتش 85، والفجر100 البالغ مداه 100 كيلومتر، وإم302 ومداه 200 كيلو وعياش250 ورجوم ومسيرات انقضاضية وصاروخ مُتبّر1 أرض جو.

وبنت حركة حماس والمقاومة شبكة انفاق تحت قطاع غزة تقدر اطوالها بأكثر من 500 كيلومتر. وتشير الكثير من المعلومات أن الخبرة والمعرفة التقنية في تصنيع الصواريخ والعتاد التي تمتلكها إيران وحزب الله قد تم نقل جزءا منها إلى القطاع، فضلا عن تمرير بعض الصواريخ والاسلحة عبر الانفاق. ويقدر الخبراء والمراقبون تعداد مقاتلي حركة حماس يتراوح ما بين 30 ألف إلى 40 ألف مقاتل، إضافة إلى مقاتلي حركة الجهاد، نحو 20 ألف مقاتل، والجبهة الشعبية  والفصائل المقاتلة الأخرى. تتمتع المقاومة بقيادة صلبة تبتكر الوسائل والتكتيكات التي آلمت العدو في الكثير من المواقع التي خاضت فيها معارك ضارية، وهي قيادة مصممة على استمرار الصمود في وجه العدوان وحرب الإبادة رغم تساقط عشرات آلاف الشهداء والجرحى والنازحين وتدمير أكثر من ثلثي المباني وجل البنى التحتية من مدارس ومستشفيات وطرقات ومحطات كهرباء ومياه.

لكن الأهم من كل ذلك سلاح الإرادة الذي تمتلكه المقاومة الفلسطينية الذي أثبت فعاليته في ميدان القتال خلال الأشهر التسعة الماضية، معززا ببيئة حاضنة صامدة وصابرة ومحتسبة ومتمسكة بأرضها ومصرة على ألا تتكرر النكبة مرة أخرى كما حدثت في العام 1948.

ثالثا: حال السلطة الفلسطينية وواقع الإنقسام

تعاني السلطة الفلسطينية التي انبثقت من اتفاق أوسلو الذي تم توقيعه في سبتمبر1993، من تآكل وضعف شديد بعد أكثر من 31 عاما على الإتفاق الذي تسبب في شرخٍ عمودي في صفوف الشعب الفلسطيني، وجُرحٍ لم يندمل حتى الوقت الراهن. كان إتفاق أوسلو فخا نصبته الإدارة الامريكية والكيان الصهيوني لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وخدعة إنطلت عليها بعد أن توهمت، هذه القيادة، أن دولة تنتظرها في نهاية المطاف. وتعيش اليوم السلطة الفلسطينية في وضع لا يحسد عليه بعد أن فرض الكيان عليها التنسيق الأمني وتحويل الشرطة الفلسطينية إلى شرطي حراسة للإحتلال، وعدم قدرتها على منع مستوطن من مهاجمة مواطن فلسطيني في شوارع الضفة الغربية والقدس، ولا تستطيع حتى استلام رواتبها بعد أن قرر الاحتلال منع أموال المقاصة والمساعدات التي تأتي من الإتحاد الأوربي، وبدلا من الدفاع عن الشعب وخدمته، تحولت الشرطة الفلسطينية إلى عالة أكثر مما هي حامية للمواطن.

وإثر طوفان الأقصى خرجت تصريحات منفلتة من عقالها وكأنها تريد انتهاز الفرصة فراحت تُحمِل حركة حماس والمقاومة مسؤولية ما يجري من إبادة جماعية لأهل غزة، وكأن ما يحدث في الضفة الغربية ليس تطهيرا عرقيا وفصلا عنصري وعملية ترانسفير تسير بمنهاج صهيوني واضح!!

ونزولا عند ضغوطات الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، أجرى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تغيير وزاريا عيّن بموجبه مستشاره لسنوات طويلة محمد مصطفى رئيسا للوزراء وكلفه بتشكيل الحكومة منتصف مارس الماضي، والتي  تشكلت من 23 وزيرا، ووافق عليها رئيس السلطة نهاية مارس واطلق عليها حكومة تكنوقراط. هذه الخطوة جاءت دون توافق مع القوى السياسية الفلسطينية وخصوصا حركة حماس التي نددت وفصائل أخرى بتعيين محمود عباس مقربا منه رئيسا للوزراء. وقالت حماس "إن تعيين حكومة بدون توافق وطني هو خطوة فارغة بالتأكيد من المضمون وتعمق الإنقسام الفلسطيني"، كما أصدرت قوى رئيسية في الساحة الفلسطينية وهي حماس وحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، بيانا رفضت الخطوة، وقالت فيه أن "السلطة الفلسطينية تصر على مواصلة سياسة التفرد، والضرب عرض الحائط، بكل المساعي الوطنية للم الشمل الفلسطيني، والتوحد في مواجهة العدوان على شعبنا، فإننا نعبر عن رفضنا لاستمرار هذا النهج الذي ألحق ولا زال يلحق الأذى بشعبنا وقضيتنا الوطنية". سبق لرئيس السلطة وأن اتخذ قرارا بحل المجلس التشريعي في العام 2018 بعد تفاقم الخلاف بين السلطة وبين حركة حماس. وقد ورثت الحكومة الجديدة أزمات مالية وديون مقدارها 7 مليارات دولار منها 745 مليون دولار لموظفي القطاع العام الذين لم يتسلموا رواتبهم كاملة منذ أكثر من عامين. لقد كانت تلك فرصة لرئيس السلطة أن يعالج مسألة الخلاف بمزيد من التشاور والتنسيق، خصوصا بعد أن تركزت سلطات المجلس التشريعي في يده إضافة للسلطات التنفيذية الأخرى، لكنه لم يفعل فزاد الخلاف الداخلي وكأنه صب الزيت على النار في وقت الحرب والإبادة الجماعية، بل أصدرت حركة فتح بيانا شنت فيه هجوما على "حماس" واتهمتها بالتسبب في "وقوع نكبة يعيشها الشعب الفلسطيني، وخصوصا في قطاع غزة".