DELMON POST LOGO

الرئيس القادم لإيران.. بين التفويض الشعبي والقيود المؤسسية

مستقبل هذا النظام الدستوري يعتمد على مدى قدرته كسب ثقة الناخبين وابقاء الطبقة السياسية قريبة من مختلف فئات الشعب

بقلم : احمد عبد الأمير

تبدأ صباح اليوم انتخاب الرئيس التاسع للجمهورية الإيرانية منذ انتصار الثورة قبل 45 عاما ، في ظروف اقتصادية وسياسية صعبة بعد وفاة الرئيس رئيسي ووزير خارجيته في تحطم طائرة هيلوكبتر عند الحدود الادربيجانية . فمن هو الرئيس القادم ؟  

عند الحديث عن السياسة في إيران وعند التوقف عند أي استحقاق انتخابي من المهم التوقف عند  التكوين المؤسسي للجمهورية الإسلامية وترتيبات السلطة التي تميز النظام السياسي في إيران. هذه الترتيبات التي جاءت نتيجة متغيرات وتحولات عميقة شهدتها مختلف المؤسسات السياسية الإيرانية منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية قبل ما يزيد عن الأربعين عامًا؛ هذا النظام الجمهوري بمؤسساته الراسخة التي ساعدت على فرض همينة ايران اقليمياً ودعمت صمودها في وجه التحديات الداخلية والخارجية.

ان التغييرات التي طرأت بشكل خاص على مؤسسات الرئاسة والحرس الثوري ومجلس الشورى والجهاز القضائي ومكتب ولاية الفقيه ومؤسسات السياسة الخارجية والاعلام والقوات المسلحة وحالة الاشتباك تارة والتجانس والتفاهم تارة اخرى بين مجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام   ومجلس الخبراء   خلق حالة فريدة جداً من انماط الحكم (المؤسسي) والحزبي الموجه  وواجهة (ديمقراطية) لحكم (ثيوقراطي) يهمين عليه رجال الدين. (اغلب قيادات الثورة الإيرانية من رجال دين وكانوا من داخل الثورة الدائرة الضيقة للمرشد الخميني كان الحظ حليفهم لتبوأ مواقع خاصة ضمن منظومة الحكم الإيراني، ومنهم: علي خامنئي (المرشد الأعلى) ، محمد بهشتي (رئيس وزراء) ، محمد رضا مهدوي كني (رئيس مجلس الخبراء) ، محمد جواد بهنر (رئيس الجمهورية)، محمد خاتمي (رئيس جمهورية)، علي أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس جمهورية، رئيس مجلس الشورى الإسلامي، رئيس مجلس الخبراء، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام) ، أحمد جنتي (رئيس مجلس صيانة الدستور ورئيس مجلس الخبراء) ، مهدي كروبي (رئيس مجلس الشورى الإسلامي – البرلمان).

عندما قامت الثورة الإيرانية سنة 1979 كان عدد سكان ايران لا يتجاوز 37 مليون نسمة، اليوم التحدي الديموغرافي يفرض نفسه مع تعداد سكاني يصل الى 90 مليون نسمة وما يقارب 78% من سكان البلاد دون 45 سنة وهذا التحدي الديموغرافي يفرض واقع على القائمين على الملف الاقتصادي وخاصة على ملفات العمل والتعليم والصحة والبنية التحتية والتموين والترفيه.

يتكون الدستور الحالي لإيران والذي تم اقراره في الاستفتاء الشعبي في ديسمبر 1979 من مقدمة وأربعة عشرة فصلاً، وتم تعديله في استفتاء دستوري في يوليو 1989.  

ان نشوء الجمهورية الإسلامية ليس حادث عابر في التاريخ بل مركز تحول امتدت تبعات هذا النظام الجديد على المنطقة والاقليم وتوازن العلاقات مع الغرب الذي هيمن على هذه المنطقة منذ منتصف القرن التاسع عشر، لقد أدت الثورة الايرانية إلى قطيعة حادّة مع ماضي ايران السياسي الحديث.  

ولإستيعاب النظام السياسي القائم اليوم في إيران علينا أن لا نغفل دور رجال الدين في الحراك السياسي تاريخ ايران الحديث وتحديداً دورهم في ثورات 1890 (ثورة التنباك) ، 1906 (الثورة الدستورية) ، 1951 (حركة مصدق) ، 1979 (الثورة الإيرانية).  

ان للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية ووفقاً لنظام إيران ودستورها يمتلك صلاحيات تمنحه القدرة على الفصل في كل شؤون الدولة، وهو يُشرف على عمل مختلف سلطاتها، حيث تنص المادة (5) من الدستور الإيراني على التالي:

" في زمن غيبة الإمام المهدي ، تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر؛ الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وفقاً للمادة 107."

ويفوض الدستور المرشد الأعلى الاضطلاع بمسؤولية القائد العام للقوات المسلحة وإعلان الحرب، وتعيين وعزل الأفراد التاليين: (وهنا من المهم الإشارة أن في باقي الأنظمة الرئاسية أو النصف رئاسية تحصر هذه الصلاحيات في يد رئيس الدولة أو الرئيس والحكومة في النسخ البرلمانية)

• نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ عدده أعضائه 12 عضواً، وهو الهيئة الأكثر نفوذا في إيران، الموافقة على جميع مشاريع القوانين التي يقرها البرلمان وله سلطة الاعتراض عليها. كما يمكنه منع المرشحين من خوض انتخابات البرلمان والرئاسة ومجلس خبراء القيادة.

• رئيس السلطة القضائية

• رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون

• قائد لقوات الحرس الثوري وفروعه.  

• القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن

• وللمرشد الأعلى أكثر من 2000 ممثل أغلبهم برتبة حجة الإسلام، ينتشرون في كل الوزارات وفي مؤسسات الدولة وفي المراكز الثقافية داخل إيران وخارجها وفي محافظات إيران الثماني والعشرين.

• يقوم القائد بتعيين الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجمع تشخيص مصلحة النظام

• يهمين المرشد الأعلى على القرار الاقتصادي من خلال مؤسسة خاتم الأنبياء التابعة للحرس الثوري، وهيمنة هذه المؤسسة تعتمد على نص (المادة 147) من الدستور. "على الحكومة في زمن السلم أن تستفيد من أفراد الجيش وتجهيزاته الفنية في أعمال الإغاثة والتعليم والإنتاج، وجهاد البناء، مع مراعاة موازين العدالة الإسلامية بشكل كامل وبما لا يضر بالاستعداد العسكري للجيش".

• يقوم المرشد الأعلى بتعيين رئيس مؤسسة العتبة الرضوية المقدسة المدرجة في البورصة الإيرانية.

• تعيين قيادات "مؤسسة المستضعفين" المسؤولة عن ادارة الأصول المصادرة من شاه إيران وأسرته.

• تعيين قيادات "لجنة تنفيذ أمر الإمام" المسؤول عن ادارة الأموال بدون صاحب وتتبعها مؤسسة البركة ومؤسسة "كوف ايران بركة" المطورة لأول لقاح ايراني لمرض الكرونا.

• تعيين "مجلس وضع سياسات أئمة الجمعة"  .

• يهمين المرشد الأعلى على مجلس الأمن القومي الأعلى وتكون قراراته نافذة المفعول بعد تصديق المرشد الأعلى عليها (المادة 176).

• يهمين المرشد الأعلى النظام تشكيل اللجنة المخصصة لتعديل الدستور بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام ويصدر أمراً الى رئيس الجمهورية يوضح التعديلات وتطرح التعديلات في استفتاء عام (المادة 177).

• اعلان السلم والحرب.

• ادارة السياسة النووية.

المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية.. أين تبدأ صلاحيات الثاني؟

• صراع الإصلاحيين والمحافظين: منذ فوز الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بانتخابات رئاسة الجمهورية عام 1997 تغيرت صورة المشهد السياسي، فظهر معسكران محافظ وإصلاحي. ويساند المرشد على خامنئي -بصلاحياته الدستورية الواسعة- المعسكر المحافظ، مما كرس الأزمة السياسية بين قطبي المشهد السياسي (الإصلاحيون والمحافظون) خلال السنوات الماضية.

• ومع أن الإصلاحيين يؤمنون بالإطار النظري لدستور الجمهورية الإسلامية، الذي يعتبر أن الالتزام العملي بمقولة ولاية الفقيه، كما وصفها الإمام الخميني هو معيار أي عمل سياسي، فإن قطاعات واسعة -مثقفين، طلاب، نساء- محسوبة على الإصلاحيين طالبت بمنح مزيد من الصلاحيات الدستورية لمنصب رئاسة الجمهورية، حتى تخف قبضة الولي الفقيه على مقاليد الحكم.

• فالإصلاحيون يرون أن سلطات الولي الفقيه تتجاوز كثيرا تلك السلطات التي كان دستور 1906 يمنحها لشاه إيران، وهم في مطالبتهم بإعادة النظر في ولاية الفقيه يسعون -حسب المراقبين- إلى مراجعة أسس الحكومة في إيران، هل تقوم على أساس تفويض من الشعب الإيراني للحكم باسمه أم على تفويض إلهي باسم الإمام الغائب.

• ويبدو أن هذا الإشكال سيظل محوريا بالنسبة للنظام السياسي في إيران إلى حيث أن ايجاد توازن بين منصب رئيس الجمهورية ومنصب الولي الفقيه مستحيل فعلياً.

• يذهب بعض المتابعين للشأن الإيراني إلى وصف الجهاز التنفيذي الإيراني بكونه حكومة "ذات رأسين" (الولي الفقيه ورئيس الجمهورية) لكن تجب الإشارة إلى أن هنالك فروقا بين المؤسستين. فبينما يتولى الولي الفقيه منصبه مدى الحياة، وينتخبه مجلس الخبراء بالإضافة إلى تمتعه بسلطات مطلقة متفوقا على جميع السلط الأخرى، يُنتخب رئيس الجمهورية الذي له سلطات تنفيذية مقيدة، من الشعب مباشرة لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

• رئيس الجمهورية المنتخب مقيد الصلاحية من قبل مؤسسة المرشد الأعلى ومؤسسة مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) وكذلك مجلس الأمن القومي الأعلى المهمين من عليه من قبل المرشد الأعلى ويلعب هذا المجلس دوراً محورياً في رسم السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية وفقاً توجيها المرشد الأعلى.

وتنص المادة 60 من الدستور على أن رئيس الجمهورية يمارس "السلطة التنفيذية باستثناء الصلاحيات المخصصة للإمام القائد (المرشد الأعلى)". كما تنص المادة 113 على أن "رئيس الجمهورية يرأس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقيادة العليا"، وهو ما يفسر كيف أن رئيس الجمهورية لا يمكنه أن يتبع سياسة خارجية لا تتفق وإرادة المرشد الأعلى للجمهورية، حتى لو كان يتمتع بتأييد شعبي واسع.

• تتفاوت الآراء حول دور رئيس الجمهورية وحكومته في إيران، لا سيما أن النظام السياسي الإيراني تتعدد فيه المؤسسات، ويُعرف بأنه أحد الأنظمة المُعقدة في العالم، وتمر عملية صُنع القرار بمراحل متعددة، مما يخلق تساؤلات حول مدى تأثير الرئيس ودور حكومته.

• يتولى رئيس الجمهورية ترشيح الوزراء ويجب الحصول على الثقة من مجلس الشورى الإسلامي، وعليه ايضاَ توجيه مجلس الوزراء نظرا لعدم وجود منصب رئيس للوزراء، ووضع السياسات الاقتصادية والمالية للبلاد، والإشراف على تنفيذ السياسة الخارجية.

• وعاد إلى الأذهان الملف الصوتي المسرب لوزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، عندما انتقد تدخل ما سماه "الميدان" في "الدبلوماسية"، وأراد بذلك تدخل الحرس الثوري، وتحديدا فيلق القدس الجناح المخصص للفعالية خارج الحدود. وحينها، رد المرشد الأعلى علي خامنئي، مؤكدا أن وزارة الخارجية تنفذ سياسات النظام فقط ولا تقررها.

• إن شخص رئيس الجمهورية تأتي قبل ما لديه من صلاحيات في الدستور الإيراني، وتاريخ الجمهورية الإسلامية يُظهر بوضوح أن أبا الحسن بني صدر أول رئيس بعد ثورة 1979، يختلف كثيرا عن الرئيس الثاني محمد علي رجائي. كما أن الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد يختلف عن سابقه محمد خاتمي في السياسة الخارجية ووزرائها، كما الفرق بين الوزير الأسبق منوشهر متكي، والوزير السابق محمد جواد ظريف، وفق المصدر نفسه.

• أن الرئيس يمكن أن يعزز العلاقات مع الغرب أو الشرق، ويضعف العلاقات مع الجانب الآخر، كما يؤثر اختياره للسفراء ومستواهم في تحديد العلاقات، مؤكدا أن الحكومة والرئيس لديهما مجالات مختلفة للتأثير ومنها الميزانية. وحكومة روحاني تمكنت من إيقاف بعض البرامج التلفزيونية من خلال الضغط، على الرغم من أن التلفزيون لا يتبعها وإنما يتبع المرشد.

• الرئيس السابق حسن روحاني كان يرى أن توجيهات المرشد باتخاذ سياسة "المقاومة الاقتصادية" تعني التعامل مع الغرب، بينما يرى غيره أنها تعني الاكتفاء الذاتي، وعدم التعامل مع الغرب.

• و"المقاومة الاقتصادية" عبارة عن سياسات وجهها المرشد الأعلى إلى الحكومات لتعزيز البنى التحتية، ومواجهة العقوبات ومقاومتها.

الرئيس القادم.. سقف مرتفع ودعم مرتقب من المرشد

• اتوقع أن يمنح النظام الحكومة المقبلة حرية أكثر من السابق في تحركاتها من أجل حلحلة القضايا العالقة، لا سيما في السياسة الخارجية ) والعلاقات مع الإقليم والملف الاقتصادي (أن وزارة الخارجية -في شكلها العالمي- لا تقرر بل تنفذ العقيدة السياسية للأنظمة).

• الانتخابات القادمة قد تذهب الى دور ثاني، والمنافسة فعلياً محصورة بين ثلاثة مرشحين وهم المرشح المحافظ محمد باقر قاليباف (رئيس مجلس الشورى الإسلامي -البرلمان- الحالي) والمرشح المحافظ سعيد جليلي (الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأعلى) والمرشح الوحيد للتيار الإصلاحي مسعود بيزكشيان (وزير الصحة والعلاج السابق).

• من خلال متابعة تكتيات سابقة للتيار المحافظ نجد ان حركة "محسن رضائي" أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد العام السابق للحرس الثوري قد تقرأ بأنها محاولة لتوحيد صفوف التيار المحافظ خلف مرشح واحد.

وهنا اسجل اربع ملاحظات التالية على المشهد الانتخابي:

1. الحرس الثوري: في مرحلة ما بعد المرشد الحالي قد يتحول الحرس الثوري الى صانع الملك وخاصة في ظل تغول في الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن الداخلي، وان حدث هذا التحول فهذا يعني تحول منصب المرشد الأعلى بصلاحياته إلى أداة في يد العسكر ومن جهة أخرى تهميشاً اكثر للرئاسة والبرلمان.

2. المشاركة في الانتخابات: من خلال متابعة للمناظرات والبرامج الانتخابية للمرشحين الستة للإنتخابات الرئاسية، هذه القائمة التي تم اعتمادها من قبل مجلس صيانة الدستور بعد حذف شخصيات وازنة من التيارين المحافظ والاصلاحي تقترب اكثر من الهم الاقتصادي والمعيشي وقد يكون هذا الخطاب الانتخابي محاولة من منظومة الحكم لتشجيع الناخبين للتوجه الى صندوق الاقتراع خاصة في ظل تدني نسبة المشاركة في الاستحقاق الانتخابي لسنة 2021 الى 48% (اعلى نسبة مشاركة كانت في الانتخابات العاشرة سنة 2009 المثيرة للجدل والانتخابات السابعة سنة 1997)  وقد أتت خطبة المرشد الأعلى في مناسبة عيد الغدير بتاريخ 25 يونيو لتؤكد أهمية رفع نسبة المشاركة ودعوة الناخبين للتوجه الى صناديق الاقتراع.

3. المعارضة الداخلية: ان ابرز اشكال المعارضة الداخلية للنظام القائم في ايران محصور في انماط محددة من الاحتجاجات وتكرر المطالبات خاصة من الجيل الشاب بتعزيز المشاركة والتمثيل في في المنظومة السياسية ورفع القيود عن الحريات الفردية.

4. مستقبل النظام الدستوري: مستقبل هذا النظام الدستوري يعتمد على مدى قدرته كسب ثقة الناخبين وابقاء الطبقة السياسية قريبة من مختلف فئات الشعب وايجاد حلول ذات مصداقية لمشاكله وكذلك قدرته على ادماج الأقليات من عرب واذريين وتركمان وبلوش وغيرهم وكذلك قدرته على حماية مصالح ايران الوطنية وليس الطبقة السياسية.