DELMON POST LOGO

القضية الفلسطينة في ضوء الانتخابات البريطانية

بقلم : عبد النبي العكري

جريت يوم الخميس 4 يوليو 2024 الانتخابات العامه  المبكره  لمجلس العموم البريطاني والذي يبلغ عدد أعضائه 650 نائبا .ورغم انه كان من المتوقع ان يفوز حزب العمال باغلبيه مريحه الا ان النتائج كانت مذهله ولاسابق لها سؤاء باكتساح حزب العمال المعارض للانتخابات و الهزيمه المدويه لحزب المحافظين الحاكم .ومع نهايه عمليه فرز أوراق الاقتراع , فقد كانت النتائج  المتمثله في عدد النواب الفائرين عن  كل حزب كما يلي 1-العمال (412) 2- المحافظين (121) 3- الاحرار الديمقرتاطيين (71) 4-حزب الاستقلال الاسكتلندي (9) 5- شين فين (7) 6- المستقلون (6) 7- الاتحاديون (5) 8- الاصلاح (6) 9- حزب الخضر (4)  وتتوزع باقي المقاعد على أحزاب صغيره .

بالطبع فان انتصار حزب العمال الباهر بقياده كير ستراموند والخساره المدويه لحزب المحافظين بقياده ريشي سوناك  قد تم تاكيدها في كلمتي كلا منهما بعد اعلان النتائج الرسميه بنهايه يوم الاقتراع ثم تاكيها ودلالاتها في خطاب وداع ريشي سوناك امام مقر رئيس الوزرا في 10 داوننج ستريت وخطاب انتقال ستراموند لمقر رئيس الحكومه ذاته يوم الجمعه 5-7-2024

بعدها وحسب التقاليد  المرعيه فقد ذهب كلا منهما على انفراد الى قصر بكنجهام حيث مقر الملك شارلز الثالث, حيث قدم سوناك استقالته وبعده مثل ستراموند امام الملك ليكلف بتاليف الحكومه كونه يملك الاغلبيه في البرلمان .

في خطابه الوداعي اقر سوناك بهزيمه المحافظين وانتصار العمال متحملا مسؤؤليه ذلك ومعتذرا لجميع أعضاء  حزب المحافظين ومرشحي الحزب الذين خسروا وجميع من عملوا في الحكومه  من وزراء ومسؤؤلين وخصوصا من عملوا في مقر رئيس الوزراء ودعى الى مراجعه شامله لحزب المحافظين وسياساته وانه فهم رساله الناخبين.

اما كير ستراموند الذي وصل الى مقر رئيس الوزراء مع زوجته  فقد كان في انتظاره حشدا كبيرا من مسؤؤلي وأعضاء وانصار حزب العمال المبتهجين وحرص هو وزوجنه على عناق ومصافحه العديدين منهم في بادره  ملفته . وفي خطابه امام المقر شكر ستراموند جميع من اسهم في هذا النصر التاريخي  ومن صوت لمرشحي الحزب ومن لم يصوت له ,واكد على ان هذا الانتصار يؤكد على رغبه البريطانيين في التغيير الشامل وان العمل لذلك قد بدا اليوم ودعى الجميع للتعاون مع حكومته لانجاز التغيير الصعب بالعمل المثابر مؤكدا ان الخدمه في مؤسسات الدوله هي مهمه وليست وظيفه كما اكد ان مهام حكومته تسترشد بمصلحه الشعب البريطاني أولا وحزب العمال ثانيا

دلالات الانتخابات لقضيه فلسطين

تعتبر قياده سترامر لحزب العمال والتغييرات الهائله  التي احدثها فيه ظاهره استثنائيه . كير ستارمر دخل حزب العمال متاخرا جدا في حياته المهنيه والسياسيه. لقد كان قبلها ومنذ 1987 محاميا مشهورا  ومتخصصا في القضايا الجنائيه وحقوق الانسان حتى عام 2002 .بعدها تم تعيينه بامر ملكي مستشارا للملكه  ثم  مستشارا لحقوق الانسان لشرطه ايرلندا الشماليه . وفي الفتره من 2008 حتى 2013مديرا للادعاء العام والتحقيق في قضايا فساد النواب وانتهاك حريات الصخافه .و الاغتيالات السياسيه ومن هنا جاء اهتمامه بالسياسه .وتقديرا لانجازاته فقد منحته الملكه  وسام فارس ولقب  سير في 2014 .

في عام 2015 ترشح لعضويه مجلس العموم عن  حزب العمال الذي انضم اليه وكان في المعارضه وشق طريقه بسرعه في صفوف الحزب تحت قياده اليساري جيرمي كوربن الذي اختاره وزير داخليه في حكومه الظل . انتخب لزعامه الحزب في مؤتمره في سبتمبر 2020 بعد استقاله جيمي كوربن اليساري والداعم لقضيه فلسطين  اثر هزيمه حزب العمال القاسيه في انتحابات 2109 اثر خروج بريطانيا من الاتخاد الأوربي.

احدث كير سترامر تغييرات كبيره في توجهات الحزب وبنيته القياديه   منذ مؤتمر الحزب في سبتمبر 2021 بعيدا عما كان عليه في ظل كوربن من توجه يساري و بدعم القضيه الفلسطينيه وانهاء الاحتلال "الإسرائيلي" واقامه الدوله الفلسطينه .اعاد سترامر مواقف حزب العمال الى ماكانت عليه في عهد بلير بالتكيد على شرعيه "إسرائيل" و والعلاقات الراسخه مابين بريطانيا و"اسرائيل " ومكافخه مايدعى  بمعاداه الساميه أي معارضه الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين في اوساط حزب العمال  والمحتمع البريطاني .وقد كشف سترامر متفاخرا من ان زوجته يهوديه متدينه وتربي أولادها على ذلك وان العائله تراعي التقاليد اليهوديه .

.من هنا فقد جرى تغيير شامل في برنامج الحزب وأولوياته  لصالح إسرائيل والحركه الصهيونيه ودعم بريطانيا بل وتحالفها مع "إسرائيل".وترتب على ذلك تغييرات كبيره في قيادات حزب العمال بابعاد مؤيدي خط كوربن اليساري  واستبدالهم بمؤيدي سترامر وخطه الجديد ,وتبعا لذلك جرى تحديد مرشحي حزب العمال للانتخابات التي جرت في  4 يوليو 2024 .وقد ترتب على طوفان الأقصى مواقف منحازه جدا لحزب العمال بقياده سترامر الى جانب "إسرائيل " وحرب الاباده  ضد شعب فلسطين ,  حيث تطابق موقفه  مع موقف الحكومه وحزب  المحافظين .بل ان سترامر وصف حماس و المقاومه الفلسطينه  بالإرهاب وايد مايعتبره " حق  إسرائيل في الدفاع عن نفسها" بما في ذلك حرب الاباده والحصار "الإسرائيلي" القاتل لقطاع غزه ومعارضه الوقف الفوري لاطلاق النار وتبادل الرهائن . وكذلك الامر لموقفه المعادي للحرك الاحتجاجي الجماهيري المناصر للقضيه الفلسطينه والمعارض لموقف الحكومه البريطانيه وحزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض والذي اصبح حاكما وحركه المقاطعه  (بي دي اس ) ووصف كل ذلك بمعاداه الساميه المزعومه ,لكن الجديد في هذا الحراك كما انعكس في هذه الانتخابات هو مايلي:

1-ترتب على طوفان الأقصى وما رافقه من حركه احتجاجيه في العديد من بلدان الغرب , ان مثلت بريطانيا ساحه مهمه لعده اعتبارات ومنها الدور التاريخي لبريطانيا في اغتصاب فلسطين وقيام الكيان الصهيوني على ارض فلسطين المحتله في ظل الحكم البريطاني  .كذلك الدور البريطاني في مشاركه ودعم هذا الكيان الغاصب حتى الان حيث بريطانيا الشريك الثاني بعد أمريكا للكيان الصهيوني في حرب الاباده , وفي ذات الوقت سياسه القمع لهذه الحركه الاحتجاجيه وشيطنتها واتهامها بالتطرف الإسلامي  ومعاداه الساميه  وغيره وفي ذات الوقت الدفاع عن "إسرائيل" تحت شعار حقها في الدفاع عن النفس ووصم المقاومه الفلسطينيه بالإرهاب

2- خلال الأشهر التسعه من الحركه الجماهيريه المؤيده لفلسطين ,تنامى في أوساط المحتمع البريطاني وعي لخطوره سياسه النخبه  السياسية  المعادي لفلسطين والمناصر "لاسرائيل" وحرب الاباده وخصوصا في حزب العمال , حيث تصاعدت الاحتجاجات ضد سياسه ومواقف قيادته بزعامه سترامر وانحراف الحزب بعد ازاحه زعيمه المناضل جيرمي كوربن وخطه بل اقالته من الحزب وحذفه من لائحه ترشيح الحزب للنيابه . كما تمثل في استقالات عدد مهم من قيادات وكوادر الحزب من الحزب وخصوصا في أوساط المجتمعات الاسلاميه والعربيه والتقدميه من أوساط الحزب اومناصريه وتحول وضعيه عدد من المنتخبين عن الحزب في المؤسسات الرسميه الى مستقلين.

3- مع الدعوه للانتخابات العامه قبل شهر فقد عمدت قياده حزب العمال بزعامه سترامر الى غربله مرشحي الحزب في دوائر الانتخابات ال 650 دائره فاستبعدت العديدين ممن يعارضون سياسه الحزب الرسميه ويدعمون القضيه الفلسطينيه.وهنا فقد حدث تطور مهم وهو ترشح هؤلاء ومنهم ذوي انتماءات فلسطينية واسلاميه وعربيه وتقدميه كمستقلين  وفي مواجهه مرشحي حزب العمال والاخرين .وقد ترتب على ذلك فوز 6 منهم ابرزهم جيرمي كوربن  الزعيم السابق لحزب العمال ومناصر القضيه الفلسطينيه .ورغم خساره قطب دعم فلسطين السياسي المخضرم جورج جالاواي والذي فاز باغلبيه ساحقه في الانتخابات الفرعيه في فبراير الماضي, فانه خاض الانتخابات ضمن قائمه حزبه الجديد (حزب الشغيله ) وفي مقدمه أهدافه نصره فلسطين ومعاداه الصهيونيه وكيانها ومعارضه السياسه البريطانيه, حكومه ومحافظين وعمال .

4- لقد انبثق من الحراك الجماهيري حركه سياسيه لها ممثلوها في البرلمان البريطاني ستشكل كتله برلمانيه كصوت لجماهير واسعه للشعب البريطاني في دعم الحق الفلسطيني والحق الإنساني وقضايا الشعوب ومعارض لسياسات الدوله العميقه والنخبه الحاكمه في السياسات الداخليه للراسماليه الليبرايه والسياسه الخارجيه للامبرياليه المتوحشه بقياده امريكا والكيان الصهيوني العنصري والاستعمار الاستيطاني في فلسطين.

5-لاتقتصر الاهميه السياسيه على البرلمانيين المستقلين السته ولكن كون العديدون من المنتمين لهذا التيار قد خاضوا الانتخابات وكانوا قريبين من النصر وحال دون ذلك عده عوامل ومنها قصر مده وجودهم على الساجة السياسيه وافتقادهم للموارد الماديه وتكالب الأحزاب الأخرى وخصوصا حزبي العمال والمحافظين ضدهم وكذلك تحالف الدوله العميقه والحركه الصهيونيه.

6- لقد اشار بعض زعماء حزب العمال ومنهم وزير الخارجيه ديفد لامي  لهذه الظاهره الاحتجاجيه والتمرد في صفوف ومؤسسات وكوادر حزب العمال من قبل هذا التيار رغم الفرحه الكبرى لانتصار حزب العمال التاريخي . كما ان ذلك القلق موجود أيضا في أوساط النخبه الحاكمه وقيادات أحزاب أخرى . وسيتكرس هذا الخط الفاصل مابين النخبه السياسيه المسيطره على مجمل حياه البريطانيين والخط المقاوم لذلك وان كان صغيرا الان لكنه يمكن ان ينموا مع تزايد ازمه النظام الحاكم ومعسكر الراسماليه المتوحشه من ناحيه ,وصمود المقاومه الفلسطينيه كطليعه لمقاومه تحالف الصهيونية العنصريه  والراسماليه المتوحشه ومرتكزها الاستيطاني في فلسطين المحتله . وتمثل بريطانيا ساحه مهمه في هذا الصراع.

هذا الصراع لن يقتصر على بريطانيا بل سيشمل العديد من البلدان الغربيه وسيتخذ عده اشكال سياسيه بما فيها الحياه لحزبيه والتنافس السياسي والانتخابي .