DELMON POST LOGO

دروعنا وأحزمة أمننا ونمونا الاقتصادي

بقلم :عبدالنبي الشعلة

قلنا في الوقفة السابقة إن العالم بأسره يعاني اليوم من واقع اقتصادي صعب، ولا يمكن لنا أن نشذ كثيرًا عن هذا الواقع، إلا أننا نُعتبر أحسن حالا وأوفر حظًا من غيرنا، وقد تمكنا في البحرين، وفي ظروف صعبة، خلال العام الماضي وهذا العام من تحقيق الكثير من المنجزات الاقتصادية التي يحق لنا أن نعتز ونفخر بها.

مع ذلك، فإننا مازلنا في حاجة إلى الإسراع في الخطى مع التحلي والتسلح بالثقة والتفاؤل والإيجابية في تصدينا للتحديات التي تواجهنا، وفي سعينا لتحقيق أهدافنا وتطلعاتنا الاقتصادية.

وكما يقول المثل الخليجي إن “الجدر ما يركب إلا على ثلاثة مناصب”، أي لا يمكن لقدر الطبخ أن يستقر على النار، إلا إذا وضع على ثلاثة أحجار أو قواعد، كذلك الحال بالنسبة للاقتصاد في أي مجتمع من المجتمعات أو أي دولة من الدول، لا يمكن له أن يستقر وينمو إلا إذا وضع على ثلاث قواعد أو ركائز أساسية؛ وهي الثقة والتفاؤل والإيجابية، ونحن في البحرين لدينا الكثير الكثير مما يكفينا من عناصر وأسباب تعزيز ثقتنا وتفاؤلنا وإيجابيتنا؛ نكتفي في هذه الوقفة بالإشارة إلى بعض من هذه العناصر؛ منها موقعنا الاستراتيجي الذي يضعنا في قلب أكبر بحيرة وأكبر مخزون لأهم مصادر الطاقة في العالم؛ مع أن نصيبنا من إنتاجه أصبح الأقل في المنطقة، كما أننا محصنون ومحاطون بأربعة دروع أو قلاع اقتصادية قوية منيعة؛ أربعة اقتصادات تعد من بين أكثر الاقتصادات نموًا وتوسعًا في العالم؛ وهي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ودولة الكويت؛ أشقاء تربطنا بهم وشائج متينة من المودة والقربى، وأواصر راسخة من وحدة المعتقد والتاريخ والمصير المشترك إضافة إلى الجوار أو الالتصاق الجغرافي، وكلها عناصر وحقائق توفر لنا الفرصة، وتفرض علينا وعليهم ضرورة التنسيق والتعاون والعمل على تعميق وتحقيق أهدافنا، وحماية مصالحنا المشتركة والركوب معًا في قاطرة التقدم والازدهار، ويبقى علينا في البحرين أن نسخر هذه العوامل والمعطيات والاستفادة منها في سعينا الدؤوب نحو تنمية وتطوير اقتصادنا وتحقيق أهداف تنميتنا المستدامة.

إن قوة وصلابة القلاع الاقتصادية التي ذكرناها حقيقة لا يمكن لأي كان أن ينكرها، كما أن قوة دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة تنعكس في أوجه ومجالات عدة؛ منها ارتفاع إجمالي ناتجها المحلي إلى تريليوني دولار في العام الماضي، إن هذه القيمة هي بدورها انعكاس للأداء الاقتصادي القوي لهذه الدول مدعومة بارتفاع أسعار النفط وزيادة النشاط الاقتصادي غير النفطي، بالإضافة إلى ذلك، يتوقع أن تسهم استراتيجيات النمو الأخضر والاستثمار في التكنولوجيا المستدامة في تعزيز الاقتصاد الخليجي بشكل أكبر في المستقبل، مع توقعات بأن يصل الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس إلى ما يقارب 6 تريليون دولار بحلول العام 2050 إذا استمرت السياسات الحالية، وإلى أكثر من 13 تريليون دولار إذا تم تنفيذ استراتيجيات النمو الأخضر بشكل فعال، والنمو الأخضر هو نموذج للتنمية الاقتصادية يسعى إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، ويتمحور النمو الأخضر حول تحقيق التنمية المستدامة من خلال تعزيز الكفاءة في استخدام الموارد الطبيعية وتقليل التلوث والانبعاثات الضارة، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.

إن دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة أصبحت اليوم تتربع، مع مجموعة صغيرة من الدول المتقدمة، على قائمة أغنى الدول على مستوى العالم من حيث نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، كما صارت هذه الدول تشكل اليوم قوة اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها؛ ومن بين أوجه هذه القوة أيضًا هو حجم أصول صناديقها الاستثمارية السيادية التي بلغت أكثر من 4 تريليون و770 مليار دولار، وبهذا الحجم فإن هذه الدول صارت اليوم أكبر مستثمر في العالم، وتأكيدًا لذلك فإن التقرير الذي أصدره مؤخرًا “معهد صندوق الثروة السيادية” في الولايات المتحدة الأميركية عن النصف الأول من هذا العام أظهر أن استثمارات صناديق الاستثمار السيادية للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر شكلت أكثر من نصف الاستثمارات العالمية التي قامت بها كل الصناديق السيادية في العالم؛ هذه الصناديق الثلاثة مجتمعة استثمرت خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام فقط أكثر من 52 مليار دولار في مشروعات وشركات داخل دولها وخارجها.

من ناحية أخرى، فإن هذه الدول الثلاث من منظومة دول مجلس التعاون أصبحت ضمن الاقتصادات الأقوى تنافسية في العالم متجاوزة أهم وأكبر الاقتصادات التي كانت تحتل الصدارة في هذا المجال ولعقود طويلة. فحسب “مؤشر القوة التنافسية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية” بسويسرا، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة احتلت المرتبة السابعة عالميًا في القوة التنافسية والمرتبة الثانية عالميًا في الأداء الاقتصادي بعد الولايات المتحدة الأميركية مباشرة، وإن دولة قطر احتلت المرتبة 11 تنافسيًا والرابعة في الأداء الاقتصادي بين دول العالم، كما احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة 16 تنافسيًا متخطية ومتفوقة على الكثير من الاقتصادات المتقدمة مثل كندا وألمانيا وبريطانيا، مع التوضيح بأن مؤشر القوة التنافسية المذكور يرتب الدول بناءً على 164 مؤشرا تشمل جوانب اقتصادية واجتماعية وإدارية.

إضافة إلى ذلك، فإن تقريرالبنك الدولي الأخير عن أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الخليج يؤكد أنه من المتوقع أن ينتعش النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي ليصل إلى 2.8 % و4.7 % في العامين 2024 و2025 على التوالي، ويقول التقرير ذاته وبالحرف الواحد أن الآفاق الإقليمية “تبعث على التفاؤل، ومن المتوقع أن يحدث انتعاش، والسبب في ذلك ليس التعافي المتوقع في إنتاج النفط فحسب، لاسيما أن منظمة أوبك  تقوم حاليًا بتحرير حصص الإنتاج تدريجيًا في النصف الثاني من العام 2024، ولكن أيضًا الزخم القوي للاقتصاد غير النفطي، الذي من المتوقع أن يواصل التوسع بوتيرة قوية على المدى المتوسط. وفي هذا الشأن نجد أن التزام دول مجلس التعاون الخليجي بتنويع اقتصاداتها يسلط الضوء على نهجها الإستراتيجي لتعزيز القدرة على الصمود وتحقيق التنمية المستدامة خلال فترة تموج بالتقلبات الاقتصادية على مستوى العالم”.

وبعد، فإن ما نود التوصل إليه في هذه الوقفة هو أن علينا أن نكون في غاية التفاؤل والإيجابية، ونحن نسعى لتحقيق أهدافنا وطموحاتنا، وأن تكون ثقتنا في حكمة وحنكة قيادتنا وفي قدراتنا وإمكاناتنا راسخة ثابتة تعززها كل تلك المعطيات والظروف والأوضاع المواتية التي ذكرناها والتي نحن في غمارها، والتي تهيئ لنا بدورها فرص التفاعل معها والمساهمة فيها والاستفادة منها. إننا نتمتع بحب وتقدير واحترام أشقائنا في دول مجلس التعاون، ولدينا مقدرة وخبرة وتجارب سابقة وناجحة في استقطاب الاستثمارات الخليجية وفي إطلاق وتأسيس واحتضان الشركات والبنوك والمشروعات المشتركة معهم، ويمكننا الآن أن نعيد ونستنهض تجاربنا وخبراتنا ونجدد ونكثف جهودنا ونبادر بإطلاق أفكار، ومشروعات جديدة تستوعب وتستقطب الاستثمارات الخليجية وغيرها، معتمدين في ذلك على رؤية وتوجيهات قيادتنا وكفاءة وإخلاص كوادرنا الفنية والإدارية، وعلى الله التوفيق.