بقلم: رضي الموسوي
هنا مجدل شمس،
هنا البلدة العروبية (الدرزية) التي لا تباع ولا تشترى في سوق النخاسين،
هنا سلطان الأطرش (الدرزي) القائد العام للثورة السورية الكبرى، الذي رفض عرض الاستعمار الفرنسي بمنحه دويلة درزية، فقرر التمرد وتوحيد الوطن السوري الكبير بكل مكوناته، فأعلن الثورة في مثل هذه الايام من عام 1925، ودعا الشعب السوري للثورة على الانتداب الفرنسي. قال الأطرش في خطاب الثورة: "أيها العرب السوريون تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي، تذكروا أن يد الله مع الجماعة، وأن إرادة الشعب من إرادة الله، وان الأمم المتمدنة الناهضة لن تنالها يد البغي"، لتندلع الثورة في الأقاليم السورية واحدًا تلو الآخر. لم ينظر السوريون إلى مذهب الأطرش الدرزي، بل إلى دعوته الموحدة لقتال الفرنسيين الذين بغوا في البلاد. ودعا شعبه إلى حمل السلاح "بعدما سلب الأجنبي حقوقكم واستعبد بلادكم ونقض عهودكم".
هنا جبل العرب. هنا الموحدون الدروز الذين أرسل سلطان الأطرش منهم حامية للدفاع عن عروبة فلسطين وسقط منهم شهداء على أرضها، ولم ينسهم أهلها، بل شيدوا لهم نصبا تذكاريا في رام الله. الجولان الذي لا يعرف غير عروبته، وهو الذي قرر الاحتلال ضمه في نهاية 1981 تحت يافطة "فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان"، تمهيدا للإعلان الصريح عن ضمها وفق هندسة القضم وتوسع الاحتلال الاستيطاني، الذي تبرز مؤشراته فاقعة في قرار الكنيست قبل أيام برفض حل الدولتين واعتبار كل فلسطين التاريخية للكيان، ومعها هضبة الجولان ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
هنا الجولان الذي اعترف تاجر أحمق، عليه سوابق جنائية كثيرة، وأصبح رئيس أكبر دولة في العالم، هو دونالد ترامب، وأقر للكيان في مارس 2019، بشرعية احتلال أرض سورية، رغم أن دولته وافقت على قراري مجلس الأمن الدولي رقم 497 و242 وهما قراران مناقضان لفعلة ترامب.
هنا الدروز العرب، الموحدون، وليس عروبة المستعربين المفككين للأمة، الذين انخرطوا في جوقة العصابة الفاشية التي يقودها نتنياهو وبن غفير وسيموترش.
هنا العنفوان الأصيل غير الملطخ بدماء الأطفال والنساء والشيوخ.
هنا مجدل شمس، التي هي جزء من الجولان العربي السوري المحتل، لم يترك أهلها ثغرة لقادة الكيان كي ينفذوا منها للمتاجرة بدماء أطفالهم الذين قتلهم صاروخ صهيوني اعتراضي أُطلق من القبة الحديدية المصابة بالتيه فلم تعد تفرق بين الطير وبين الطائرة المُسيّرة وهدهد المقاومة.
هنا مجدل شمس، التي وجهت لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو صفعة لم يتوقعها، بوأد الفتنة التي حاكها، وبرفضها سفك الدم العربي وتنفيذ عدوانا باسمها على لبنان. موقف يعبر عن أصالة أهل هذه البلدة الصامدة التي رفض أهلها فرض الهوية الصهيونية منذ قرابة خمسين عاما كما رفضوا التجنيد في جيش الاحتلال فحازت على سخط وانتقام الفاشية الصهيونية ورموزها..ومجتمع المستوطنين المتوحش المتعطش للدم العربي أينما وجد.
**
في ثمانينات القرن الماضي، صدحت أغنية للفنان السوري (الدرزي) ابن الجولان، سميح شقير، الذي كتب كلماتها ولحنها وجاب بها المحافظات السورية، فانتشرت في كل المحافظات، وكان يعاد تشغيلها في أسواق دمشق وشوارعها مثل الصالحية والحمراء والمرجة والحميدية، حتى أضحت أنشودة وطنية يرددها الجميع، سوريون ومقيمون عرب أجبرتهم الظروف على العيش هناك، ومنهم البحرينيون.
تقول بعض مقاطع الأغنية:
"يا الجولان ويلي ما تهونِ علينا
ردادينك من إيد المحتل انطرينا
ولا بد الشمل يلتم
مرخّصين فداكِ الدم
وسامعينك يا ما أطول ليلك وانت تنادي علينا"
*
مجدل شمس وياعزتنا
وأخبارك ياما هزتنا
يلي ما رضيتي الهوية إلا..عربية سورية
حرة..حرة ما ترضى الهوانا".
**
في لحظة الفعل والموقف، تبرز المعادن أصالتها. فكان موقف الموحدين الدروز في الجولان ولبنان وسوريا واضحاً وقاطعًا؛ رفض العدوان على لبنان ومقاومته، الذي يهدد به نتنياهو وبن غفير وسيموترش، باعتبارهم رؤوس الفاشية والأبارتهايد في الكيان المحتل. تم طرد سيموترش ونتنياهو من مجدل شمس، فغادراها بهتافات أهلها الذين وصموهما بالفاشية والقتلة.
هذه هي الجولان المحتلة بعد أكثر من 57 عاما من الاحتلال. لم يتمكن خلالها الاحتلال من القضاء على روح المقاومة المشتعلة منذ الثورة العربية الكبرى بقيادة سلطان الأطرش ضد الاستعمار الفرنسي، وبعده الاحتلال الاستيطاني الصهيوني منذ نكسة حزيران سنة 1967.
أما التهديدات الصهيونية ضد لبنان والتي سارعت الإدارة الأمريكية بتأييدها وشرعنتها وتبني سردية الاحتلال لها دون تحقيق، فهي لن تكون نزهة كما يظن العدو، رغم قدرات سلاحه الجوي الفتاك وبوارجه الحربية المدعومة أمريكيا بشكل مباشر. أليست البوارج البحرية الامريكية هي التي اطلقت، في ثمانينات القرن الماضي قذائفها التي تزن الواحدة منها الألف كيلو على منطقة سوق الغرب ودير القمر ودير قانون النهر، إثر انتفاضة الضاحية والجبل ضد اتفاقية 17 أيار/مايو التطبيعية مع الكيان. إن للبنان رب يحميه، ومقاومة تذيق العدو مرارة حماقاته وفاشيته.
انتصرت مجدل شمس لإنتمائها العروبي الذي تمسّكت به في الملمات الصعاب منذ وطأت الأقدام الهمجية أرضها الطاهرة، وقطعت الطريق على من أراد إشعال فتنة طائفية ومذهبية تأتي على الأخضر واليابس.