DELMON POST LOGO

نهار آخر  .. "وحِّدوا بعضكم"

بقلم: رضي الموسوي

يُسجل للعصابة الصهيونية الفاشية نجاحها في اغتيال واستهداف عناصر رئيسية في قيادة المقاومة الفلسطينية (رئيس حركة حماس الشهيد أسماعيل هنية) والمقاومة اللبنانية (عدوان الضاحية واستهداف قيادات في المقاومة وسقوط شهداء وجرحى)، لا ننسى أن من حرّض وقدّم الدعم التقني واللوجستي والغطاء الديبلوماسي والإعلامي على هذه الاغتيالات هو البيت الأبيض الأمريكي، الذي سارعت إدارته بإعلان وقوفها بجانب الكيان لمواجهة أي رد فعل على هذه الجرائم، وفي نفس الوقت تمارس هذه الإدارة الضحك على بعض قادة المنطقة بادعائها أنها حريصة على الحل الديبلوماسي وعدم الانزلاق إلى حرب شاملة، وتدّعي عدم علمها بعملية اغتيال هنية. إن عملية الاغتيال هذه مدانة ومُستَنكَرة.

العدوان على الضاحية الجنوبية لبيروت هو اعتداء وانتهاك صارخ للسيادة اللبنانية، يضاف للانتهاكات المتكررة في الجنوب والمناطق الأخرى، فكيف إذا كان هذا العدوان على مبان سكنية في قلب الضاحية ومربها الأمني حارة حريك؟. فقد أقدمت الطائرات الحربية بعد ظهر الثلثاء (30 يوليو2024) والمُسيّرات الصهيونية على إطلاق صواريخها على مبنى سكني تحت ذريعة استهداف فؤاد شكر (الحاج محسن)، أحد القادة العسكريين البارزين في حزب الله اللبناني، ولم تمضِ أربع وعشرون ساعة إلا والصواريخ الصهيونية-الأمريكية قد أُطلِقت لتغتال زعيم حركة حماس الشهيد إسماعيل هنية (أبو العبد) وسط العاصمة الإيرانية طهران، في عدوان سافر على السيادة الوطنية لدولة إقليمية كبرى، لتضع الدولة الإيرانية أمام خيار واحد لا ثان له وهو الرد وإعادة الهيبة والاعتبار إلى سيادتها التي انتهكت بُعيد الاحتفال بتنصيب الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، الذي جاء بعد انتخابات استثنائية مبكرة لمنصب الرئيس إثر مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد اللهيان قبل أكثر من شهرين في حادث تحطم مروحيته بعد عودته والوفد المرافق من أذربيجان.

وإذا كان العدوان على الضاحية الجنوبية قد استهدف شخصية لبنانية مقاومة، فإن العدوان وانتهاك السيادة الإيرانية جاء مزدوجًا؛ انتهاك للسيادة الوطنية، واغتيال ضيف استثنائي هو زعيم لحركة حماس، التي تقاتل الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية وتواجه حرب إبادة جماعية يقودها نتنياهو وعصابته وجمهور المستوطنين المتعطشين للدماء. هي، بلا شك، ضربة تسببت في جرح غائر لمحور المقاومة ورأسها إيران، حيث ينتظر جمهور هذا المحور طبيعة الرد من أربع جهات، جماعة أنصار الله في اليمن، ردًّا على عدوان ميناء الحديّدة قبل عشرة أيام، وحزب الله اللبناني ردًّا على عدوان الضاحية، والحشد الشعبي العراقي ردًّا على عملية هجوم قامت بها القوات الأمريكية بطائرات مُسيّرة مواقع للحشد في منطقة جرف النصر بمحافظة بابل جنوب العراق، قتل فيها خمسة أفراد وجرح ستة،  والدولة الإيرانية التي ما كادت تخرج من طي صفحة مقتل رئيسي، حتى باغتتها عملية اغتيال الشهيد إسماعيل هنية.

المسألة الأخرى هي مصدر الصاروخ الذي اغتال هنية، فتسريبات وأحاديث وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تتركز وتؤشر على أن هذا الصاروخ انطلق من إحدى دول المنطقة المحيطة بإيران، وهي كثيرة وأغلبها تحادي وتجاور الدولة الإيرانية، وهذا أمر يزيد من احتمالات تأزيم الوضع ويدفع المنطقة برمّتها إلى حالة توتر حتى تتبين طبيعة الرد وحجمه ومكانه، ليبنى على الشيء مقتضاه. وهذا الشيء لن يكون إلا التصعيد المُسلّم به، والسؤال هو سقف هذا التصعيد.

ثم إن رئيس وزراء الكيان المتهم بالفساد وبقضايا أخرى من شأنها إيصاله للسجن، يستميت في جرجرة المنطقة إلى جحيم الحروب والتدمير الشامل وهدم المعبد على من فيه، في محاولة لتمديد بقائه في السلطة وإبعاد شبح السجن عنه، مستندا على مستوطنين يزدادون فاشية ونازية. إن الإدانة وحدها ليست كافية للجم التوحش الصهيوني المدعوم أمريكيا، بقدر ما هي تحصيل حاصل، والمطلوب الإقدام على إجراءات عملية من شأن تطبيقها إيقاف جرائم الإبادة الجماعية والتهجير والاغتيال.

في هذا العدوان المتعدد الاتجاهات، تجاوز الكيان الصهيوني كل الخطوط الحمراء، والأنظار تشخص الآن إلى كل بلدان المحور، التي سبق لها وأن تعهدت برد فعل يتساوى مع الفعل نفسه، ما يعني التصعيد الشامل ولو تحت عنوان الفعل ورد الفعل.

جرائم الصهاينة، من الإبادة الجماعية للاغتيال والتهجير القسري تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن العلاقة مع الكيان الصهيوني واتفاقات التطبيع، ليست إلا مغامرات كارثية غير محسوبة فوق كونها خيانة للقضية الفلسطينية وللرأي العام في الدول العربية التي طبّعت حكوماتها مع العدو. هؤلاء الناس يرفضون اختراقات الجواسيس الصهاينة لدولهم تحت أي مبررات واهية لا تقنع أحدا. فالصهاينة ينسجون المخططات لتفكيك المجتمعات العربية وإحداث الفرقة بين مكوناتها مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي وفرق متخصصة لضرب إسفين بين هذه المكونات، وعلينا أن ندرك أن توحيد الجهود تجاه تقديم كامل الدعم والإسناد والتضامن مع الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة التي تواجه الاحتلال بكافة الأشكال وبغض النظر عن انتماءاتها الإيدلوجية والفكرية والطائفية والمذهبية.

إن العدو لا يفرق بين كل هذه المكونات عندما تواجهه وتقاطع بضائعه وبضائع داعميه، بل إن هذا الكيان يعتاش على فرقة المجتمعات العربية وخضوع أنظمتها للكيان ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والعربية المتحالفة معها، وليس أمامنا إلا توحيد الصفوف والشروع في الأفعال العملية المقاومة للاحتلال الصهيوني وداعميه.

هذا الكيان الصهيوني الذي ينزع أكثر من أي وقت مضى نحو أسوء أساليب الفاشية والنازية والسادية، لن يتوقف إلا بردع حاسم يعيد له شيء من التوازن. وهذا يحتاج إلى رص الصفوف ومغادرة التمترس خلف الحسابات الذاتية الضيقة، والإنطلاق نحو آفاق العمل الجبهوي المشترك والموحد الذي من شأنه إحداث النقلة النوعية إزاء فعالية المواجهة مع عدو غاشم متوحش لا يعرف الإنسانية ولا قواعد الحرب ولا القانون الدولي. عدو يطمئن لإرتكاب جرائمه بعد أن أمن العقوبة، حيث التغطية الأمريكية والغربية الحليفة حاضرة في كل الأوقات وعلى كل المستويات العسكرية والأمنية والتجسسية والتسليحية والدعم المالي والاقتصادي والديبلوماسي والإعلامي من حيث تبني رواياته المعطوبة الكاذبة وضخها، واستخدام كل وسائل الترغيب والترهيب لتركيع الآخرين الذين لا يسيرون في ركب الجرائم البشعة وسفك الدماء.  

"وحدوا بعضكم".