DELMON POST LOGO

نهار آخر .. صَلَّوا فَجْرَهُم وارتَقَوا

بقلم: رضي الموسوي

يسجدون بخشوع في محرابهم الجديد، حيث النزوح اليومي لمذحة يُحضّر لها الجيش النازي بقيادة أزاحت هتلر وتبوأت المنصب الأكثر إجراما في التاريخ. توضئوا تيمُّمًا، فلا ماء يشربون، فأنَّى لهم ماءٌ يتوضؤون به. صلّوا فجرا، والفجر لمن صلاّه ولمن آمن بقدسه وأقصاه.

أمعاؤهم الخاوية، شرايينهم الناشفة من الماء، عيونهم الجافة من الدموع، بطونهم الملتصقة بظهورهم، أوجاع جراحاتهم الغائرة من أمة، كانت خير أمة لكنها خذلتهم وتواطأت على قتل أطفالهم ونسائهم ورجالهم..صلّوا وسجدوا السجدة الأخيرة ففتحت لهم أبواب الجنات التي عَرضها السماوات والأرض بعزة وإباء.

**

"اعطوني الأدوات وأنا أنجز المهمة". قالها نتنياهو في الكونغرس الأمريكي فوقف رجالاته يصفقون ويهللون طويلا للسفك القادم. زودوه بالمزيد من أدوات الفتك ليستمر في الإبادة الجماعية والتهجير والتطهير، وباشر من جديد حمَّام الدم، فأغار على مدارس ومستشفيات تغصّ بالجوعى، وعلى خيام النزوح المشيدة للتو. لم ينسَ الاغتيال وهو ينحر الأطفال من الوريد إلى الوريد، فارتكب جريمة اغتيال القائد العسكري المقاوم السيد فؤاد شكر في عدوان على الضاحية الجنوبية لبيروت وتبعه مباشرة باغتيال زعيم حماس السيد إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، مؤكدا أن التصفيق الذي تكرر أكثر من خمسين مرة وقوفًا هو بمثابة الضوء الأخضر المطلق للتوحش وإسالة الدماء. لم يَرَ البيت الأبيض ما يخدش حياءه ليتِّخذ موقفا ولو منافقا حتى، بل أعلن وقوفه بجانب الساديين الذين يتلذذون بتمزيق أجساد الأطفال ويستمتعون بحركة النزوح الجماعية لمليوني غزّي وأكثر، ويقضون وقتا في اغتصاب الأسرى وقتلهم.

**

لم يجد نتنياهو وعصابته من يردعه. استمر في حشو السلاح الذي استلمه مجددا من أميركا وبريطانيا، وعندما سجد المصلون سجدتهم الأخيرة انقضَّت الطائرات الأمريكية عليهم فحوّلتهم إلى أشلاء متناثرة اختلطت، وكانها تتعانق عناقا أخيرا، ليشهد التاريخ أن أُمّة الملياري نسمة وأكثر تقف متفرِّجة على أنهار الدماء المسفوكة في غزة.

كان الدور هذه المرة كانت مدرسة التابعين بحي الدرج في غزة، مسرحا لجريمة نتنياهو وعصابته النازية. كان الرجال يصلون فجرهم، بينما الأطفال يأخذون قسطا من النوم جياع، والنساء يُحضرّن وجبة من فتات خبز يابس وورق أشجار لم يأتِ عليها القصف بعد. أطلقت الطائرات ثلاث قنابل تزن الواحدة أكثر من 2000 رطل فقتلت أكثر من مائة شخص بينهم أطفال ونساء ومئات الجرحى. هذه القنابل الجديدة ذات مفعول عصفي رهيب، تفصل أجزاء الإنسان وأطرافه عن بعضها البعض.

**

في قمة الوجع والألم والغضب يصرخ والد طفلة فُجِع بإستشهادها بغارة النازيين الجدد وهو يحمل نعشها:

"حسبنا الله على العرب قبل الصهاينة..(وهو يشير إلى النعش المرفوع على الأكف) هذه حاملة صواريخ يا نتنياهو؟

حسبي الله.. أمة محمد نائمة..أسفي على أمتك يا محمد..أهذه أمتك يا رسول الله التي تركت أطفال غزة جياع تحت القصف؟!!

أقول لهذا العالم الذي أصبح عالمًا أخرس: هل أنتم تقبلون على أطفالكم هذا الذي يجري على أطفال غزة؟

عن أي صلاة تتحدثون..أين علماء الأمة؟!

هؤلاء يسمعون كلام أسيادهم ولا يطبقون كلام الله..كذابين".

**

لم يكترث البيت الأبيض الأمريكي ولا "بنتاغونه" المتأهب للدفاع عن الكيان، فحشد أساطيله في المنطقة تحت ذات "الكليشة" المعطوبة: "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وذلك تحُّسبا لرد من إيران ومن حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن. هذه الإدارة الموغلة في شراكتها في العدوان أعلنت عن تقديمها هدية إضافية للكيان بعد ارتكابه مجزرة مدرسة التابعين فجر العاشر من أغسطس عبارة عن3.5 مليار دولار، ووضعت أكثر من 14 مليار دولار في برنامج المساعدات المستمرة. استمرأ نتنياهو الكذب، فأدعى ان مقاتلين كانوا في مدرسة التابعين، فصدقته الادارة الامريكية وطلبت المزيد من التفاصيل لترسل مساعدات أكثر.

في هذا الوقت، لا يزال النظام الرسمي العربي غارقا في سباته وكأنه لا يرى ولا يسمع ولا يشم رائحة الموت المنتشرة في قطاع غزة والضفة. نظام يراهن على وساطة أمريكا الشريكة في العدوان، وهي التي لدغته عدة مرات في نفس الجحر. إ فهذا كيان مغطى بالكامل من امريكا والغرب، وهو كيان شيّد دولته على المجازر. ألم يقل رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق مناحيم بيغن مقولته الشهيرة: "لولا مجزرة دير ياسين لما قامت إسرائيل"؟! فإذا لم يكن هذا خذلان وتواطؤ، فماذا يكون؟!  

لم تطلب غزة تحشيد الجيوش العربية وإرسالها لدعم المقاومين، فهي تعرف الرد، لكنها طلبت كسرة خبز وشربة ماء، فجائها الرد بإحكام الحصار وإغلاق المعابر.

لكن، هناك ثلة من المؤمنين الذين دوزنوا بوصلتهم صوب فلسطين..هؤلاء ينبثقون من طين الأرض ويقفون بهاماتهم الباسقات، يحفرون في صخر صلد ليؤكدوا أصالتهم رغم كل المصاعب التي يواجهونها في مختلف العواصم..هؤلاء ساهموا في تأصيل السردية الفلسطينية لتنتشر في الأرجاء.

أما غزة العزة، فهي لا تركع، لا بالصواريخ ولا بالمدافع ولا بالخذلان والخيانات التي تفوح منها الروائح النتنة.