DELMON POST LOGO

نهار آخر .. خديعة البيان الثلاثي وتوابعه

بقلم: رضي الموسوي

لم يعد مهما أن يأتي وزير الخارجية الامريكي، انتوني بلينكن، إلى المنطقة، فقد أنجزت المهمة بمنح الكيان الصهيوني 3.5 مليار دولار مكافأة له على مجزرة "مدرسة التابعين"، والحقتها بالموافقة على بيعه أسلحة قيمتها 20 مليار دولار يتم دفعها من جيوب دافعي الضرائب الأمريكيينن وربما من دول عربية من تحت الطاولة، ليستمر في عدوانه وإبادته الجماعية ضد شعب فلسطين في غزة والضفة الغربية.

عدم أهمية مجيء بلينكن للمنطقة تكمن في أنه كممثل للدبلوماسية الامريكية، لا يعلو كعبه على البنتاغون وعسكر امريكا الذين وجدوا في مجازر غزة فرصة للعودة بقوة للمنطقة فأرسلوا اساطيلهم قبل موفودييهم وممثليهم لمناقشة البيان الثلاثي الصادر عن امريكا ومصر وقطر بخصوص وقف اطلاق النار في غزة. هذا البيان فاحت روائحه منذ ساعة إصداره، بأن هدفه إيقاع المقاومة الفلسطينية في فخ يقوّض صمودها ويمسح عن يد واشنطن وإدارتها آثار الدماء المسفوكة في شوارع غزة والضفة الغربية وفي الجبهات المساندة في لبنان واليمن والعراق والساحات العربية التي لا تزال بعض منها تصدح بالحناجر المتحدية الحصار المفروض عليها، إذ لا تتوقف السوشال ميديا، المسيطر عليها من قبل رجالات المال الكبار في العالم، عن خنقها وحصارها في المناطق التي تصدح بها.

هذا البيان أرادت منه واشنطن خلط اوراق رد محور المقاومة على العدوان الصهيوني على ميناء الحديدة باليمن وإغتيال القائد العسكري الكبير في حزب الله بالضاحية الجنوبية لبيروت وإغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران. دفعت ادارة الرئيس جو بايدن بهذا البيان، وطلب من الوسطاء، مصر وقطر التوقيع عليه، ووجه بتبنيه من قبل الاتحاد الاوروبي وبعض دول الغرب وأراد أن يجر المقاومة الفلسطينية لتعلن موافقتها على اجتماع اليوم الخميس غير المعروفة نتائجه، وترك الأمر للكيان كي يُفصّل الشروط التي يرتأيها، ليكسب في المفاوضات ما لم يتمكن منه في حرب الإبادة. لكن المقاومة كانت فطنة لهذا الفخ، فأعلنت عدم مشاركتها في مفاوضات الدوحة إلا بعد إعلان نتنياهو الموافقة على البيان الذي وافق عليه مجلس الامن في مايو الماضي وعدم العودة للمربع الأول بشروط صهيونية إضافية.

في ذات السياق، أرادت الإدارة الامريكية لجم الرد الذي يُحضّره محور المقاومة ضد الكيان، فسرّب وروج لإنباء تفيد بان هذا المحور قد يوافق على عدم الرد مقابل وقف إطلاق النار، رغم أن المحور قد اعلن قراره بالفصل بين مسار الرد وبين مسار التوصل لإتفاق على وقف اطلاق النار في غزة. بالتوازي ضخت ادارة بايدن وقادت عملية اللعب على الكلمات وسعت لتلفيق أكاذيب ونشرها للرأي العام العالمي، تدريجيا. بدأت بطلب الرد المحدد على الاغتيالات، ثم حذرت من انزلاق المنطقة لحرب شاملة، ثم الطلب من إيران عدم "الهجوم على إسرائيل"، في محاولة لتقويض حق طهران والمقاومة من الرد على الجرائم الصهيونية التي كفلها القانون الدولي.

بلغت الأمور أوجها بتضاعف المجازر في غزة وتمددها إلى الضفة الغربية وزيادة إيقاع مصادرة أراضي القدس وتهويدها وانتهاكات المستوطنين للمسجد الأقصى، واستمرار الكيان في توجيه الإهانات لكل العرب والمسلمين، دون أي إعتبار لكل الاتفاقيات التطبيعية المذلة، بدءا من "كامب ديفيد" مرورا بـ"أوسلو" و"وادي عربة"، وصولا للاتفاقات "الإبراهيمية" ومحاولات الكيان والإدارات الأمريكية التمدد لمنابع النفط الكبرى. لم يترك الكيان فرصة لتوجيه الإهانات والتنمر وإهانة النظام الرسمي العربي إلا وارتكبها ضد المنظومة العاجزة الغارقة في تخاذلها وتواطئها مع هذه الجرائم، في الوقت الذي تحرم فيه الجماهير العربية من التعبير الحقيقي عن موقفها المناصر لشعب فلسطين ومقاومته، عبر تنظيم الاعتصامات والمظاهرات في العواصم ومختلف المناطق وعبر السماح له بتقديم الدعم المادي اللازم لمواجهة الجوع والمرض في قطاع غزة، ما يعتبر خذلانا لا يمكن القبول به بينما يتم سحق عظام أهل فلسطين بدبابات العدو.

لم تنخدع المقاومة الفلسطينية بالبيان الثلاثي الذي خاطه بايدن بمعية نتنياهو، وكذلك فعلت جبهات إسناد المقاومة التي تضع يدها على الزناد ولا تتردد عن نصرة فلسطين وشعبها. ولم تنطلي خدعة البيان على الرأي العام العربي والعالمي الذي يعرف ماهية العدو ومدى توحشه وفاشيته. لكن إدارة بايدن وضعت فخا آخرا للوسطاء ليصطفوا بجانب البيت الأبيض في فرض البيان على المقاومة الفلسطينية بعد أن أفرغه نتنياهو من جوهره بالشروط الجديدة التي أعلنها، ومنها السيطرة الصهيونية على المعابر ومراقبتها، وعدم السماح للنازحين بالعودة مباشرة إلى مناطقهم، وبقاء الاحتلال في حدود غزة.. هذه وغيرها من شروط قذفها الاحتلال الصهيوني في وجه "الوسطاء"، وأرادت واشنطن توريط الوسطاء للقيام بعمليات ضغط كبيرة على المقاومة بينما تفعل المجازر فعلتها في غزة.

البيان الثلاثي تحول إلى خدعة استخدمها بايدن ونتنياهو وظيفته تقطيع الوقت لمزيد من المجازر..فماذا سيفعل الوسطاء والنظام الرسمي العربي؟

حسنا فعلت المقاومة الفلسطينية بإتخاذها قرار عدم إرسال وفد لمفاوضات البيان الثلاثي المشبوه. فهدف واشنطن وتل أبيب الافراج عن الاسرى الصهاينة، ومن ثم استمرار المذبحة، أما وقف العدوان فهو ليس في قائمة النازيين الجدد.