DELMON POST LOGO

اضاءات حول الدولة المدنية في فكر المناضل عبد الرحمن النعيمي

بقلم : احمد عبد الامير

ان الدولة المدنية في فكر القائد عبد الرحمن النعيمي قائمة على مرتكزات رئيسية ومركزية واحد هي تحقيق الديمقراطية في البحرين، ونستطيع تلخيص فكرة الديمقراطية المدنية التي نادى فيها المناضل عبد الرحمن النعيمي وفقاً للمنطلقات التالية:

أولاً : الإلتزام بالتداول السلمي للسلطة، فلا يحتكر حزب السلطة، ويتم الاحتكام في كافة الظروف الى صندوق الاقتراع الحر والنزيه حيث يتم احترام مخرجاته والتسليم بنتائجه.

ان الفيصل الحقيقي هو صندوق الاقتراع يأتي بمن يريد الى السلطة ويخرج منها من يريد، لا يستخدم فريق ارتباطه العقائدي أو قوته العسكرية للبقاء في السلطة. فللجميع حق العمل السياسي السلمي، وليس لأحد احتكار السلطة أو إقصاء الآخر.

ثانياً : احترام حرية الأفراد والمجموعات؛ لا يتغول عليها أحد بسبب معتقده، حتى لو كان في السلطة. فالدولة المدنية هي وحدها القادرة على حماية الفرد ومعتقده، وهي التي بشكلها المدني الديمقراطي تمثل مظلة قانونية تتسع للجميع. وهي أيضاً حامية الآخر، لا مكان فيها للعنصرية ولا متسع فيها للإقصاء.

ثالثاً : بناء المؤسسات، فلا دولة مدنية ديمقراطية من دون بناء المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ناهيك عن ضمان تطور صحافة حرة، لضمان بناء نظام من الفصل والتوازن ومراقبة السلطات بعضها للبعض الآخر، بحيث لا تتغول واحدة على أخرى، ولا تهيمن واحدة منها على عملية صنع القرار.

رابعاً: احترام حقوق الإنسان. ويتضمن هذا المعيار دعم حقوق الفرد الأساسية، والسياسية والثقافية والاقتصادية، بغض النظر عن دينه أو معتقده.

المقال الأول: "العسكر يصادر إرادة الشعب"

"لسنا متفقين مع اطروحات الجبهة الإسلامية ولدينا العديد من الملاحظات على تصريحات قادتها التي لا تبشر إلا بنظام الحزب الواحد على غرار الجبهة الإسلامية في السودان ولكننا نكيل بمكيال واحد، لسنا منافقين، نطالب بالديمقراطية في بلداننا، وعندما نرى بلداً شقيقأً شق تجربة رائدة في التعددية والديمقراطية مكنت القوى الشعبية الإسلامية من الفوز، نقول من الضروري ضبط الأمور وعدم السماح للبلاد أن تسير في "المتاهات القادمة" وأن الانقلاب على الديمقراطية هو أهون الشرين، لقد رفضنا الانقلاب العسكري في السودان الذي خططت له الجبهة الإسلامية السودانية لأنه صادر إرادة الشعب، وأقام حكماً عسكرياً تتستر وراءه الجبهة وقيادتها وبنفس المنطق نرفض الإنقلاب العسكري الذي قاده جنرالات الجيش الجزائري ليعيد حكماً اسوأ من نظام الحزب الواحد"

يناير 1992

هنا يضع المناضل عبدالرحمن النعيمي يده على العلة التي ما فارقت شعوبنا العربية وهي تدخل العسكر في السياسة، هذا التدخل الذي رأى فيه الرمز العربي أبو أمل أحد أهم أسباب التي ساهمت في تآكل مشروع الدولة المدنية الديمقراطية في وطننا العربي. قد تتعدد أوجه هذا التغول الأمني – العسكري وقد يكون تدخل مباشر أو غير مباشر وذلك بتخويف الناس بالقوة الباطشة وتقييد حرياتهم واختطاف قرارهم ووضعها في يد قلة تؤمن بإستخدام القوة الباطشة لتحقيق مرادها والمحافظة على امتيازاتها والدفاع عن مصالحها.

المقال الثاني: "أزمة الكهرباء وتبريرات السلطة"

يختتم كاتب المقال المناضل عبدالرحمن النعيمي بقوله:

"وحتى نصل إلى ذلك الوقت، فإن أزمة الكهرباء، وأزمة الهاتف التي تعيشها السلطة، هذه الأزمة يجب أن يشارك في مناقشة أسبابها وحلولها أوسع القطاعات الشعبية، وهذا يعني بوضوح السلطة مطالبة بإحداث حالة من الانفراج السياسين ليشارك الجميع في حل مشاكل البلاد عبر أجواء ديمقراطية سليمة"

أغسطس 1993

رأى المناضل عبد الرحمن النعيمي (أبو أمل) أن المشاركة السياسية من خلال مؤسسات منتخبة انتخاب حر ومباشر من الشعب وفق قاعدة دستورية مقرة من قبل الشعب الأداة المركزية للإصلاح الشامل وادارة الدولة وفقاً لنموذج تشاركي أساسه الديمقراطية والتعددية وبالتالي إيجاد حلول متوافق عليها لجميع الأزمات الإقتصادية والاجتماعية والسياسة التي تواجه البلاد.    

المقال الثالث: "التطرف والأصولية"

بشكل واضح وبلا مواربة يوجه المناضل عبدالرحمن النعيمي كلامه إلى الحكام:

"لا شك أن تطرف المحكوم هو نتيجة لتطرف الحاكم، الذي بيده مقاليد الأمور، وبحكمته أو تعسفه يدفع المحكومين إلى الطريق السلمي، أو الطريق العنيف فعندما تتصور الأسر الحاكمة أن بقية المواطنين ليسوا إلا رعايا، حاملي جنسية أو بدون، لا يحق لهم المشاركة السياسية، لا يحق لهم استلام الحكم، لا يحق التعبير عن مطالبهم وآرائهم....، ويكمل كاتب المقال "ان هذا العجز، هذا القصور في الرؤية وضيق الأفق هو التطرف، هو قمة العداء للناس، ومن الطبيعي أن يكون لكل فعل رد فعل، مساو له ومضاد  له في الاتجاه!"

ديسمبر 1994

من هذا الاقتباس نتلمس الرؤية الواضحة وتعريف التطرف أولاً بتعريف الطرف القوي في المعادلة وليس الطرف الأضعف الذي يدافع عنه نفسه في مواجهة الاستخدام المفرط للقوة ليس تبريراً للعنف بل تأكيداً على أهمية وجود مشروع اصلاح سياسي يؤسس لنظام مدني تشاركي تعالج فيه مشكلة التطرف، ان وجدت، بشكل مؤسسي وعقلاني بمعالجة الأسباب.

المقال الرابع: "تفعيل الحركة الجماهيرية واستنهاض قطاعات شعبية اساسية"

في هذا المقال المميز للمناضل عبد الرحمن النعيمي يركز فيه على دور الإتحاد النسائي والنقابات لعمالية والحركة الطلابية وفي هذا المقال يلخص الداء والدواء ويطالب الدولة كما يطالب المجتمع وقواه المدنية بالتنسيق وتجديد الخطاب والابتعاد عن الانقسام والتشرذم ومن ناحية الدولة يطالبها برفع القيود وتوفير الدعم وعدم التضييق على الناشطين في هذه المؤسسات المدنية.

هذا المقال المنشور في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 25 مايو 2002م والذي اختتمه بقول:

"نشكو من الصلاحيات... ونخاف الطائفية"

يقول كاتب المقال:

"ووعي الحركة الديمقراطية لهذه الإشكالية، يفرض عليها أن توحد صفوف المرأة، وتدفع بإتجاه العمل المركزي لحشد الطاقات لمواجهة قوى التخلف والتمييز، وتقديم كل أشكال الدعم والمساندة لوحدة الحركة النسائية وتذليل كل الصعوبات امام الجهود التي بذلت لخلق الإتحاد النسائي، وليس خلق المزيد من الجمعيات النسائية، أو اللجان النسائية وتصدير الأزمة الحزبية إلى الحركة النسائية".

وفي نفس المقال عن اتحاد عمال البحرين يقول أبو أمل:

"واذا التقط كل النقابيين الحريصين على تقدم ووحدة الحركة العمالية ووضعوا أيديهم مع بعضهم البعض لاجتياز هذه المرحلة الصعبة، وترجموا كل اطروحاتهم حول الوحدة العمالية والوحدة الوطنية ووحدة الصف الديمقراطي وحول الحق النقابي بالوقوف دون تردد إلى جانب اللجنة العامة لعمال البحرين دون حسابات ضيقة من الربح والخسارة لهذا التيار أو ذلك، فالرابح الأكبر هو الطبقة العاملة، وهو المجتمع المدني، وهي القوى الصاعدة في المجتمع المدني التي تريد الابتعاد عن الطائفية والعرقية وتريد تحقيق التقدم لهذا البلد".

وفي خاتمة المقال عن العمل الطلابي:

"لم تكن المشاركة الطلابية في انتخابات أعضاء مجلس الطلبة في جامعة البحرين والتي جرت يوم الثلاثاء 20 مايو 2002، أفضل من المشاركة في الانتخابات البلدية، ويرى البعض في صلاحية المجلس السبب الأساسي في عزوف الطلاب عن المشاركة، اضافة إلى كون مجلس الطلبة كاللجان العمالية ابن مرحلة قانون أمن الدولة".

الخاتمة:

اطلقت جمعية العمل اوطني الديمقراطي (وعد) في يونيو 2016 وثيقة ((الدولة المدنية الديمقراطية ورؤيتها للمصالحة الوطنية)) وفي هذه الوثيقة التاريخية التي جاءت في مفصل تاريخي تعيش في البلاد تداعيات الحراك الشعبي في 14 فبراير 2011 وتغول المنظومة الأمنية، وقد نصت هذه الوثيقة التاريخية التي تعتبر امتداداً لرؤية المناضل عبد الرحمن النعيمي وترتكز على خمسة مرتكزات رئيسية وهي: المواطنة المتساوية، الديمقراطية، الفصل بين السلطات، حقوق المرأة، والشرعة الدولية لحقوق الإنسان. والتي نصت على:

" التمسك بمفهوم الدولة المدنية الديمقراطية الدستورية القائمة على المواطنة، والفصل بين السلطات، وحماية حقوق المرأة، والتعددية الحزبية سياسياً وتنوع التيارات الفكرية، ورفض كل اشكال التمييز القسري بين المواطنين على أساس قبلي أو ديني أو مذهبي، مشددة بضرورة احترام الحريات الفردية وحماية الشعائر الدينية لمواطنيها، وتكريس مبدأ «الأمن للجميع» وفقا لمبادئ حقوق الإنسان".

ان عبدالرحمن النعيمي هو ابن  حقبة الخمسينات والستينات، هذه الحقبة التي وصفها الدكتور خلدون النقيب بأنها الحقبة المرحلية والفاصلة والمأساوية في التاريخ العربي الحديث، حيث نجحت الجيوش والبيروقراطيات العربية في تحقيق انتصارات كبيرة على حساب المجتمع المدني في المشرق العربي؛ أولا عبر السيطرة العسكرية الكاملة على هياكل السلطة داخل الدولة، وتوظيف القوة المنظمة للدولة وشرعيتها الإدارية والتنظيمية للقضاء على كل التنظيمات السياسية، ثم السيطرة على مصادر القوة الأخرى والمتمثلة في النقابات العمالية والاتحادات المهنية الأخرى؛ ما أدى إلى احتكار بالغ القسوة لكل مصادر القوة والثروة، وتشكيل ترسانة قانونية تخدم مصالحها، لا سيِّما بعد توسيع القطاع العام وتحجيم القطاع الخاص وإلغاء المبادرات الفردية.

لقد شرح المناضل عبدالرحمن النعيمي (رحمه الله) أزمة الدولة العربية وأزمة مشروع الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية الذي لم يرى النور ضمن ثلاثة مستويات متلازمة :

-  مستوى سياسي تبرز فيه السلطة بشكل سلطوي في يد فئة قليلة تحتكرها، وتستنزف موارد البلاد وتشيع فيها الفساد والخوف.

- ومستوى اقتصادي؛ أصبحت فيه الدولة ريعية وتستثمر ثروات الدولة لصالح النظام القائم وتغيب برامج التنمية الحقيقة، ما أدى الى انتشار الفقر والبطالة .

- ومستوى اجتماعي يقوم على تقسيم فئات المجتمع على أساس طائفي وقبلي وإثني، وخلق حاشية موالية للنظام، من رجال اعمال وسياسيين ورجال دين وواجهات عشائرية وقبلية تمارس دور الوسيط بين فئات المجتمع والنظام ، وذلك للسيطرة الحراك المجتمعي وتقييد دور مؤسسات المجتمع المدني والتيارات السياسية في توجهاتها التنافسية.

فأصبحت منظومة السلطة المحتكرة للقوة والثروة هي الدولة، وكما وصفه الدكتور نادر كاظم انه المزيج الجهنمي المخيف من الميول التسلطية والريعية النفطية والعصبيات االقرابية والتوسع الأمني والمخابراتي.