في ظل أجواء أمنية محتقنة فرضها العدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني الشقيق منذ 7 أكتوبر 2023 (ما يقارب سنة كاملة) ، ورغم الكثير من التحديات السياسية والمخاوف التي تسيطر على البيئة الأردنية الحاضنة لعدد كبير من المواطنين من أصول فلسطينية بإعتبارها الشقيق والبوابة لفلسطين، فقد نجحت الحكومة الأردنية في الامتحان واجتازت الاستحقاق السياسي والديمقراطي بدرجة إمتياز حين سارعت إلى تطوير نظامها الإنتخابي، وأصرّت على إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري في أجواء تسودها الثقة والاطمئنان.
وقد جرت الانتخابات الأردنية النيابية التي تحمل الرقم 20 يوم الثلاثاء 10 سبتمبر 2024 بكل سلاسة، وفق نظام إنتخابي جديد يجمع بين نظام الدائرة الواحدة (انتخابات حزبية) وبين الدوائر المحلية (انتخابات بين القوائم السياسية)، وكانت فرصة لاستكشاف المزاج السياسي على الساحة الأردنية، خاصة مع السماح بعمل 38 حزب سياسي، اتيحت لها اختبار برامجها السياسية والانتخابية على أرض الواقع.
وقد جرت هذه الانتخابات في أجواء تنافسية ايجابية تمتعت بالحرية ودرجة عالية من النزاهة والشفافية أدارتها بإقتدار (الهيئة المستقلة للانتخاب) برئاسة معالي موسى المعايطة وفريقه عالي المهنية، بدءاً من تسجيل الأحزاب والترخيص لها مروراً بوضع النظام الانتخابي، ثم تسجيل المرشحين على الدائرة العامة - الحزبية (686 مرشحاً يمثلون 36 حزباً من أصل 38 حزب معترفاً به، وخاضت الانتخابات من خلال 25 قائمة حزبية) حيث لجأت الأحزاب الصغيرة والحديثة الى التحالفات الإنتخابية لتتمكن من تجاوز العتبة الانتخابية 2.5% من أصوات الناخبين لضمان الدخول والتواجد تحت قبة البرلمان.
فيما سجلت الهيئة المستقلة للانتخاب ما مجموعه 954 مرشحاً ضمن 174 قائمة في الدوائر المحلية (18 دائرة بينها 3 دوائر خصصت للبادية الأردنية بمعدل 3 نواب لكل دائرة، أي أن عدد المرشحين في الانتخابات الأردنية قد تجاوز 1,640مرشحاً تنافسوا على 138 مقداً تمُثل مجلس النواب الأردني في هذه الدورة بعد زيادة قدرها 8 مقاعد عن المجلس السابق، الأمر الذي سيفرض رفع عدد أعضاء مجلس الأعيان من 65 مقداً الى 69 مقعدا، باعتبار أن عدد أعضاء مجلس الاعيان يمثل 50% من عدد أعضاء مجلس النواب حسب القانون الأردني.
وقد بلغت الكتلة الإنتخابية في عموم المملكة الاردنية الهاشمية حوالي5.1 مليون ناخب وناخبة، من أصل سكان الأردن البالغ 11.5مليون نسمة، أي أن 44.3% من المواطنين الأردنيين يحق لهم الإنتخاب، لكن نسبة المشاركة لم تتجاوز 32% ممن يحق لهم المشاركة وهي نسبة متواضعة لكنها جيدة مقارنة مع نسبة الإنتخابات السابقة التي أجريت عام 2020 ولم تتجاوز 29%، ومن المفيد الإشارة إلى نجاح اعتماد نظام الكوتا النسائية التي حددت إمرأة واحدة في كل دائرة انتخابية محلية، وفرضت على الاحزاب المتنافسة في الدائرة العامة ترشيح إمرأة بين كل 3 مرشحين، وشاب عمره أقل من 35 سنة بين كل 5 مرشحين، الأمر الذي يعني حتمية وجود 18 إمرأة لمجلس النواب بعدد الدوائر المحلية على الأقل، لكن الناخبين الأردنيين أوصلوا 27 امرأة لمجلس النواب العشرين وهو ضعف عدد المقاعد النسائية في المجلس السابق بينهن 9 نساء في الدائرة العامة، و 18 إمرأة في الدوائر المحلية وجميعهن على مسار المقاعد المخصصة للنساء "الكوتا النسائية" بما يعني أن النساء سيشغلن حوالي 20% من مقاعد مجلس النواب الأردني.
إن نجاح التجربة الإنتخابية الأردنية الجديدة يفتح الكثير من الأسئلة حول إمكانية تطوير التجربة البرلمانية البحرينية في مسارات مشابهة لما يحدث في الأردن بعيداً عن الهواجس والمخاوف الأمنية، إن على مستوى العمل الحزبي أو النظام الانتخابي الذي يزاوج بين الدائرة الواحدة والدوائر المحلية، وهو ما سنستعرضه في مقالات قادمة، خاصة وأن المملكتين العربيين الأصيلتين تعتمدان الكثير من الأنظمة والقوانين المتماثلة… وللحديث صلة