DELMON POST LOGO

الأردن يجتاز الامتحان- 3

بقلم محمد حسن العرادي - البحرين

منذ عودتي من الأردن 12 سبتمبر بعد رحلة واكبنا فيها الانتخابات الاردنية، وعدد من الأسئلة تلح عليّ حول مدى الاستفادة التي نستطيع تحقيقها في البحرين من نتائج تلك الانتخابات التي جرت في أجواء شفافة ونزيهة الى درجة كبيرة، وأحسب ان من أهم الدروس التي نستطيع اقتباسها هو تعزيز الثقة بين المواطنين ومن يمثلهم من الاحزاب والتيارات الاسلامية، وانعكاس ذلك على تشكيلة مجلس النواب الأردني، التي جاءت تمثل طيفا واسعاً من التوجهات السياسية المنصهرة في اطار نسيج مجلس النواب.

لقد نجحت أحزاب وتيارات سياسية في الوصول الى قبة البرلمان وأخفقت اخرى، لكن الجميع متفق ومقتنع بأن قانون الانتخاب الذي أُجريت بموجبة الانتخابات العشرون لمجلس النواب الأردني كانت منصفة ومرضية، الأمرالذي دفع القيادات السياسية لعدد من الأحزاب التي لم تجتاز العتبة الانتخابية بإعادة حساباتها من جديد، والبحث عن أجوبة للأسئلة التي باتت على لسان انصار هذه الاحزاب عن أسباب الإخفاق الانتخابي.

لقد تنافست في هذه الانتخابات 25 قائمة انتخابية حزبية وخاصة على القائمة العامة (الحزبية) التي حددت عتبتها الانتخابية بنسبة 2.5 من أصوات الناخبين في هذه الدائرة التي ينتج عنها 41 مقعداً يشكلون 30 % في هذه الدورة ترتفع الى 50% في الدورة القادمة، و65% في الدورة الثالثة من مجموع أعضاء مجلس النواب البالغة 138 مقعداً، الأمر الذي سيسمح للحزب الفائز بترؤس الحكومة وتشكيلها، وهو ما يعزز التحول إلى نظام الملكية الدستورية.

وإذا كان 15 حزباً إردنياً قد تمكن من تثبيت قواعده وإختبار برامجه وجماهيرته بنجاح، فإن هناك أكثر من 20 حزباً (ضمن 10 قوائم حزبية إنتخابية) لم يتمكن ممثلوهم من الفوز في هذا السباق الانتخابي، الأمر الذي يفرض عليهم البحث عن خيارات بديلة منها الاندماج أو التحالف أو توسيع دائرة المحازبين والمناصرين، وربما تعديل آلياتهم التنظيمية والحزبية من أجل إصلاح ومعالجة أسباب الاخفاق الانتخابي.

ولا شك أن هذه التجربة ستقود المجتمع الأردني نحو المزيد من الاستقرار والعمل المؤسساتي عبر استخدام الوسائل السلمية في عرض وتقديم الأفكار والبرامج وتنافسها على اكتساب المؤيدين والمناصرين، الأمر الذي سيساهم في المزيد من ترسيخ الأمن في البلاد، وحمايتها من الفتنة والتخريب والعبث الذي تدفع به القوى الظلامية الحاقدة المعتادة على نشر الكراهية والفرقة بين الفئات والمكونات المجتمعية.

ولا شك أن هذه التجربة تستحق الدراسة من قبل القوى الفاعلة في المجتمع البحريني بما في ذلك الجهات الرسمية والتيارات السياسية من مختلف الإتجاهات الفكرية والانتماءات الحزبية، فكلما توفرت الفرصة للتنافس على البناء والتنظيم السياسي وإقناع الجمهور بصحة البرامج الحزبية الاقتصادية والتنظيمية،كلما امكن لها أن تحقق نجاحات باهرة تعزز من دورها وحضورها في المجتمع، ودون شك فإن ذلك سوف ينعكس توافقات إيجابية على الحياة النيابية والتطور الديمقراطي في البحرين.

إنها دعوة صادقة لإعادة النظر في أهمية تفعيل الحياة السياسية في البحرين من خلال السماح بتشكيل أحزاب (أو جمعيات) سياسية تعمل بشكل علني برامجي وتساهم في تعزيز الحياة الديمقراطية المرتكزة على إنتخابات نيابية تنافسية تدعم النظام الملكي الحاكم وتعزز توجهاته نحو الملكية الدستورية على غرار الممالك الدستورية العريقة في العالم، مستفيدة من تجربة المملكة الأردنية الهاشمية التي توصلت الى مصالحة حقيقية مع التيارات السياسية المعارضة (اسلامية، يسارية، قومية) وفتحت لها أبواب العمل العلني المنظم المنضبط تحت سقف الدستور والقانون، وللحديث صلة.