بقلم: رضي الموسوي
نخجل أمام هذا الدم المتدفق في جنوب لبنان وضاحية بيروت وفي غزة والضفة الغربية، بينما أمة الـ400 مليون نسمة تعاني من حالة السبات العميق، بتفرج أنظمتها الرسمية على حمامات الدم وتواطئها كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا. فهذا النظام عاجز عن إيصال قطرة ماء لطفل يموت عطشا في قطاع غزة المحاصر من كل الجهات. وعاجز حتى عن استدعاء سفير من الكيان ليسأله عن حالته الصحية، فكيف له أن يسحبه ويطرد سفراء الكيان من الدول المطبعة؟!
هو الدرك الأسفل قد بلغه النظام الرسمي العربي والذي يبدو أن لا قاع له في ظل انهيار مقوماته، ليس فقط كتكتل في شكل جامعة عربية تم وضعها في غرفة الانعاش منذ عدة عقود ولا يسمع بها أحد، بل أيضا على الصعيد الوطني، حيث تعاني المجتمعات العربية من ضنك العيش فقرا وبطالة وتعليم وتطبيب متدني المستويات بسبب غياب السياسات الرشيدة وتفشي الفساد والمحسوبية وتراجع هوامش الديمقراطية حتى أضحت العديد من دول هذه المنظومة فاشلة أو في طريقها لهذا التصنيف المزري. لذلك فأن العدو الصهيوني يستأسد على غزة والضفة وجبهات الاسناد وخصوصا في لبنان، وقد وضع في بطنه "بطيخ صيفي"، لإطمئنانه أن نظاما عربيا لن يقدم على فعل حقيقي لإيقاف المذابح.
وفي هذا السياق يأتي ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب اللبناني في الأيام القليلة الماضية من مجازر مكتملة الأركان، ارتكبت بحق المواطنين اللبنانيين، بينهم أطفال ونساء، في مبان بمنطقة مكتظة بحجة استهداف مقاومين بين آلاف الناس، وهي جريمة حرب موصوفة، تأتي بعد يومين من مجزرتي "البيجر" واللاسلكي الإرهابيتين، التي راح ضحيتهما الآلاف بين شهيد وجريح وتم استهداف المستشفيات والأسواق والبيوت والشوارع، ما يؤكد طبيعة العدو الفاشية الاستئصالية الاقتلاعية. جرائم، هي في نفس الوقت امتداد لحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الغاصب في قطاع غزة والضفة الغربية وعموم فلسطين منذ قرابة عام عندما تفجر طوفان الأقصى وأسقط الردع الصهيوني وتفوقه، ويؤكد مجددا أن الصراع وجودي مع عدو غاشم، ساقط أخلاقيا وقِيميا، تتشارك في جرائمه ومجازره الإدارات الأمريكية المتعاقبة وبريطانيا التي تتحمل مسؤولية تاريخية وأدبية وأخلاقية بزرع هذا الكيان في وطننا العربي الكبير قبل أكثر من مائة عام في شكل وعد مشؤوم تحول إلى غدّة سرطانية لابد من استئصالها.
هل هي صدفة أن يُزمّن العدو مذابحه في الضاحية الجنوبية مع الذكرى السنوية لمجزرة صبرا وشاتيلا قبل إثنين وأربعين عاما، والتي راح ضحيتها آلاف الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين بعد خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية من بيروت في صيف 1982؟!
إن فاشية الاحتلال وتوحشه تعكس حجم الألم والفشل في تحقيق اهدافه المتمثلة في القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة وفرض التطهير العرقي عبر المجازر الوحشية واحتلال القطاع تنفيذا لقانون الدولة القومية الذي يهدف إلى عملية ترانسفير كبرى بحق الشعب الفلسطيني وتحويل فلسطين إلى دولة صهيونية خالصة.
مع تمكّنهم من اغتيال القائد الكبير في المقاومة اللبنانية الحاج إبراهيم عقيل وثلّة من رفاقه في الضاحية الجنوبية، تكون الجبهة اللبنانية أمام احتمالات مفتوحة على التصعيد الذي تفرضه طبيعة الصراع؛ فالضربة التي وجهت لحزب الله كبيرة ومؤلمة، وفق قول قيادته، لكن الصراع مع العدو لا يتوقف عند حجم الخسائر التكتيكية التي حصلت، بل في البعد الاستراتيجي للمعركة الطويلة الأمد التي تتعمق أكثر ضد هذا العدو الذي رغم تفوقه التقني والسيبراني، إلا أن الإرادة والصبر الفولاذي عند أهل غزة ومقاومتهم وعند أهل الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية، ستوصل قادة الكيان إلى جدار مسدود هم يسيرون إليه في الوقت الراهن.
هذه التطورات قادت القوى الشعبية في الوطن العربي إلى إدانة الجرائم الصهيونية الجديدة في الضاحية الجنوبية، ومنها المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني التي تمثل روح منظمات المجتمع المدني البحريني بما فيها الجمعيات السياسية عندما أصدرت بيانا أدانت فيه جرائم الصهاينة وعدوانهم على المواطنين المدنيين في الأيام الماضية. كما انتفض الشعب الأردني الشقيق ونظم مسيرات غاضبة ضد جرائم الاحتلال ومآزرته للشعب اللبناني والمقاومة. فالشعوب العربية متيقنة أن هذا كيان يأفل نجمه كما تأفل نجوم الامبراطوريات عبر التاريخ. وكلما توحش تضعضعت أركانه. ولأنه كيان وظيفي فقد تحول من مهمته الوظيفية حماية المصالح الغربية الاستعمارية، إلى عالة عليها.
كل التضامن والدعم اللامحدود إلى لبنان وشعبه ومقاومته في وجه المجازر والغطرسة الصهيونية وعدوانها.
الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى.