DELMON POST LOGO

"إسرائيل" تتحدى الشرعية الدولية

بقلم : عبد النبي العكري

في فجر الاثنين  23 سبتمبر 2024 وسع الطيران الحربي  "الإسرائيلي" هجماته المدمرة على لبنان  لتشمل كامل الجنوب  اللبناني وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع والهرمل  موقعة خسائر بشريه بالمئات  والجرحى بالألاف من المدنيين ودمارا هائلا في  المباني السكنيه والبنية التحتيه وتهجيرا لمئات الالاف  وهذه الخسائر في تصاعد فلكي مع استمرار  حرب الاباده "الإسرائيلية "هذه . كما استمرت "إسرائيل" في عمليات الاغتيالات لقادة المقاومة ألاسلاميه و حزب الله بقصف ماتعتقده باماكن تواجدهم في أماكن سكنيه مدنيه  مزدحمه بعد ان اقدمت على اغتيال المئات وجرح الالاف في عمليه اختراق وتفجير الالاف من أجهزة البيجرز والوكي توكي الموجودة لدى عشرات الالاف من المواطنين المدنيين في وسط من يحيط بهم  وهي جريمة لاسابق لها في التاريخ . ومع توسع نطاق الحرب الجوية "الإسرائيلية’" فانه يتوقع ان تكون تمهيدا لاجتياح القوات "الإسرائيلية " لجنوب لبنان كما جرى في عدوان 2006.بالطبع فان هذه الحرب العدوانية على لبنان هي امتداد لحرب ألاباده " الإسرائيلية’ " على الشعب الفلسطيني في غزه والضفه الغربيه وباقي فلسطين المحتله المستمره منذ عام تقريبا.

صادف توسيع   حرب الإبادة "الإسرائيلية "  على الشعبين الفلسطيني واللبناني , انعقاد الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة على مستوى زعماء الدول من أجل النهوض بالسلام والتنمية المستدامة والكرامة الإنسانية للأجيال الحالية والمقبلة. لكن قيام "إسرائيل" بتوسعة حربها العدوانية في لبنان  كامتداد لحربها على الشعب الفلسطيني  جعل منها محور اهتمام الجمعية  العامة ومجلس الامن . ومن الواضح ان الكيان الصهيوني  غير مكترث بما يطرحه غالبيه قادة دول العالم  الذين اجتمعوا في  مقر الأمم المتحدة بنيويورك ولاما سيصدر عن الأمم المتحدة من قبل  الجمعية العامة و مجلس الامن  بمن فيهم حلفائها مادام دعمهم العسكري والسياسي والاقتصادي والدبلوماسي مستمرا ومضمونا ,ومنع محاسبتها  من قبل المجتمع الدولي .

إسرائيل " تقوض الشرعيه الدوليه

بعد خمسة أيام من اجتماع القمه للجمعية العامة للأمم المتحدة (من الاثنين 23/9 حتى الجمعة  27/9  ) حيث القى زعماء وممثلي دول العالم كلماتهم حول اهم القضايا العالمية ,فان قضيه الحرب التي تشنها "إسرائيل" ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني  هي في المقدمه حيث غالبه دول العالم تطالب بوقف فوري لهذه الحرب العدوانية والتي تهدد بحرب شامله تمتد الى ايران بل والشرق الأوسط ومشاركه امريكا وحلفائها الى جانب إسرائيل .

في ذات الوقت عقد مجلس الامن جلسه طارئه يوم الأربعاء 25/9 بطلب من أمريكا وفرنسا حيث شارك فيه جميع أعضاء المجلس ال15 دوله الى جانب الدول المعنية وهي لبنان وايران وسوريا وفلسطين و "إسرائيل “ .وباستثناء  "إسرائيل" فقد كان هناك اجماع على ضرورة وقف فوري "للحرب مابين "إسرائيل " وحزب الله  وكذلك حرب "إسرائيل" في غزه. وفي ضوء ذلك صاغت كلا من أمريكا وفرنسا مبادرة لوقف اطلاق النار من قبل "إسرائيل " وحزب الله لمده ثلاثة أسابيع ,يتم خلالها عوده النازحين في كلا البلدين "إسرائيل" ولبنان ,ويتم خلالاها الاتفاق على العودة لترتيبات ماقبل الحرب .وقد صرح المسؤولون  الأميركيون والفرنسيون عن موافقه رئيس الوزراء "الإسرائيلي " بنيامين نتنياهو على المقترح .كما ذكر ان رئيس الوزراء اللبناني ميقاتي  اتفق مع الرئيس الفرنسي ماكرون على  ان يسعى لموافقه حزب الله عله على المقترح عن طريق رئيس مجلس النواب نبيه بري  لكن ميقاتي نفى ذلك .

لكن الذي حدث هو ان حلفاء نتنياهو من اقصى اليمين بن غفير وسيمورفش هددا بالاستقالة من الحكومة وفرط الائتلاف اليميني الحاكم بقياده نتياهو .اذا وافق على وقف لأطلاق النار مع حزب الله و لبنان ..وهكذا سرعان مانفى نتنياهو موافقته على وقف لاطلاق النار مع حزب الله ,واكدعلى مواصله "إسرائيل " حربها الدموية على حزب الله ولبنان ,وفي ذات الوقت التظاهر باسمرار التفاوض .وقد حمل الرئيس ماكرون مسؤوليه رفض المشروع وفشله الى نتنياهو  في حين استمر الاميركيون في المراوغة .

.وكان المشروع الأميركي الفرنسي سبعرض  على مجلس الامن لاصدار قرار يؤكد على وقف لاطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 لسنه 2006 والذي بموجبه أوقف الغزو "الإسرائيلي " وحربه على لبنان وانسحبت القوات "الاسرائيليه " ونشرت القوات الدوليه  في المنطقه الواقعه مابين الحدود اللبنانية "الإسرائيلية" ونهر الليطاني وكذلك انتشار الجيش  اللبناني , واحترام السياده اللبنانية الكاملة فيها, وكذلك انسحاب "إسرائيل " من الأراضي اللبنانية المحتلة سابقا لكن إسرائيل لم تنسحب منها .

اذا هو فصل اخر من تمرد "إسرائيل " على الشرعية الدولية التي تمثلها الأمم المتحدة في المضي بحربها ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني واعتداءات خطيره على سوريا وايران ,والسعي لامتداد الحرب لتشمل ايران وحلفائها وجر أمريكا لهذه الحرب وقد تجر أيضا حلفاء امريكا و"إسرائيل " .هذا السقوط للأمم المتحدة والنظام الدولي هو ما يتجلى في حرب "إسرائيل" الحاليه وبدعم  أمريكا وحلفائها , في ظل عجز و تواطئ عربي رسمي ودولي. فما هو المشهد في  نيويورك حيث تجتمع قمه دوليه استثنائية ؟

انهيار المنظومه الدوليه والانفلات "الإسرائيلي"

في كلمته الافتتاحية للدورة 79 للجمعية العامه للأمم المتحدة اكد الأمين العام أنطونيو جوتيرش " ان افلات الدول من العقاب اصبح ظاهره ولايمكن الدفاع عنه أخلاقيا وسياسيا," وفي اشاره الى حرب "إسرائيل " على غزه ولبنان قال جوتيرش "ان غزه تعيش كابوسا متواصلا  لامثيل له طوال ولايتي ويهدد بالتحول لصراع إقليمي ,كما ان ما يحدث في لبنان هو حافه الهاوية وخطر تحول لبنان الى غزه أخرى".

عبر غالبيه المتحدثين عن قلقهم بشان تأكل دور وفعالية الأمم المتحدة وخصوصا دورها  في صيانه السلم والامن الدوليين والانتهاكات الفاضحة للقانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الإنساني  حول الحرب ,ولقد تناول معظم المتحدثين ومنهم لبنان وفلسطين مجريات حرب الإبادة "الإسرائيلية" ضد فلسطين ولبنان, وتقويضها لسيادة وامن جيرانها .كما طرح البعض  ان ذلك  استمرار للمشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني في فلسطين وجوارها منذ قيام هذا الكيان بدعم من الغرب منذ 1948  وممارستها لسياسه الاستعمار الاستيطاني والإبادة الجماعية والفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني والحروب والاحتلال والضم للأراضي العربية  , مع تحصينها من قبل الغرب بقياده امريكا من المحاسبة والامتثال للقانون الدولي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية بما في ذلك احتلال الأراضي الفلسطينية منذ 1947والعربيه منذ .1967

على امتداد خمسه أيام  تواترت كلمات قاده العالم مجمعه مع استثناءات قليله على  التعبير رفضهم  لهذا الانحدار في الوضع العالمي وتسلط أمريكا وحلفائها وفي مقدمتهم "إسرائيل" على باقي العالم  وابرز تجلياته حرب "إسرائيل" الحاليه المدعومة اميركيا وغربيا. لكن من الواضح ان العالم يفتقد الى قياده بديله وتكتلا واسعا من الدول المؤمنة بنظام دولي عادل  وفي مقدمه مهامه التصدي للمشروع الصهيوني الأميركي الغربي.

وفي ضوء شن "إسرائيل" حربها على لبنان, اكد جوتيرش  في كلمته امام مجلس الامن " لقد انفجرت جهنم في لبنان" .وحث مجلس الامن على دعوة  كلا من "إسرائيل " وحزب الله التراجع عن حافة الهاوية والالتزام بقرار ي مجلس الامن 1559/2004 و1701/2006. واكد على استمرار قوات اليونفل بدورها ودعى الى وقف فوري الاطلاق النار على جبهتي غزه ولبنان .

باستثناء دول التحالف  "الإسرائيلي" الغربي , ادان جميع أعضاء مجلس الامن والمدعوين شن "إسرائيل " لحربها الدموية ضد لبنان واستمرارها في حرب الإبادة في غزه وقد وصف البعض هذه بانها حرب اباده حيث ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ,ومطالبة بوقف فوري  لاطلاق النار ومعالجه التبعات الإنسانية المترتبة عليها, والعمل على استئناف العملية السلميه  وتاكيد السيادة الوطنية اللبنانية وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة.

اما أمريكا وحلفائها فقد عمدوا الى المراوغة حيث اكدوا على  ضرورة وقف لأطلاق النار على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية  ولكن دون اتخاذ ايه إجراءات للضغط على "إسرائيل " لايقاف حربها ,حيث استمر الحشد العسكري الأميركي الغربي في المنطقة  وتدفق الأسلحة على "إسرائيل " والدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي لها.

السفير "الإسرائيلي " سفه المطالبين بوقف الحرب متهما ايران بانها راس الإرهاب  وعدم الاستقرار  في المنطقة  وانها تحرك ادواتها حماس وحزب الله والقوى العميلة في المنطقة" ,مطالبا المجلس بتصنيف حزب الله والحرس الثوري الإيراني كمنظمات ارهابيه. واكد ان "إسرائيل" ستستمر في الدفاع عن نفسها ومواطنيها" وفي خدعة مكشوفه اكد على ضرورة تنفيذ القرار 1701/2006 كاملا دون التزام بوقف الحرب او الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة .كما ادعى ان لا مشكله مابين "إسرائيل" ولبنان لولا تدخل حزب الله في الحرب بدعم  حماس. ومهاجمه "إسرائيل".

من ناحيته فقد عرض وزير خارجية لبنان عبد الله حبيب الحجم الهائل للخسائر البشرية والدمار الكبير الذي يلحق بلبنان والتهجير الواسع  من جراء الحرب "الإسرائيلية " ضد لبنان  .وفند تبرير "إسرائيل "للحرب بأعاده النازحين في شمال فلسطين المحتلة . وطالب حبيب بوقف فوري للعدوان "الإسرائيلي" واحترام كامل لسيادة لبنان وتنفيذ كامل للقرار 1701/2006

المندوب الأميركي حذر من اتساع نطاق الحرب لتشمل دولا أخرى في الشرق الاوسط ودعى لحصر النزاع  وعرض للمقترح الأميركي الفرنسي بوقف الحرب "الإسرائيلية" على الجبهة اللبنانيه باعاده تأكيد المجلس على القرار 1701/ 2005 دون ان يقرن ذلك بإلزاميته على "إسرائيل" والإجراءات المطلوبة لذلك.

اما  وزيره الخارجية الفرنسية فقد اكدت  بان فرنسا دعت لانعقاد مجلس الامن في ضوء "تدهور الأوضاع في لبنان الى وضعيه لا رجوع عنها وامكانيه انتشار النزاع مابين "إسرائيل" وحزب الله  في المنطقة  الى نزاع شامل لاتعرف نتائجه. " .ودعت لوقف الحرب وتنفيذ القرار 1701/2006 ولكنها لم ترفق ذلك بإجراءات ملزمه ل"لإسرائيل" وإجراءات عقابيه في حالة استمرارها في الحرب.

الخلاصة

اذا فمحصله اجتماع الجمعية العامة و مجلس الامن هو الترويج للمبادرة الأميركية الفرنسية وخلق وهم جديد  للدبلوماسية لايقاف الحرب على  لبنان كما جرى طوال عام من مبادرات أميركية غربيه لايقاف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ,ولكن دون اجبار "إسرائيل" للامتثال لقرارات الشرعية الدولية  مع استمرار الغرب بقياده أمريكا في دعمها وشل الشرعية الدولية ,وتمكين "إسرائيل" من خرقها دون عقاب. أي ان "إسرائيل" فوق القانون الدولي . صحيح ان عزلة "إسرائيل" في المجتمع الدولي قد  تعززت ,ولكنها لا تبالي مادام الدعم الأميركي والغربي مضمونا والعجز العربي فاضحا والشلل الدولي واضحا.