نهار آخر .. فجور العدوان الصهيوني والصفعة الإيرانية
بقلم: رضي الموسوي
يجمع الكثير من المحللين بأن الكيان الصهيوني بلغ إجرامه حد الفجور وعدم السيطرة على أفعاله الفاشية وتعطشه لسفك الدم الفلسطيني واللبناني والعربي دون توقف، مجسدا إرهاب الدولة المارقة في أبشع صوره، ما يفرض حق الرد على الصلف الصهيوني المتمادي. حرب الإبادة التي ينفذها الكيان بدعم أمريكي مطلق زادت من شبق رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، بعد أن تأكد له أن الإفلات من العقاب أمر بسيط كشرب نخب على دماء أطفال غزة ونسائها طوال عام من القتل والتطهير العرقي والتشريد، فكان أن وسّع من جرائمه ونفّذ العدوان على لبنان مستخدما ما أسماه في 2006 بـ"عقيدة الضاحية" القائمة على العقاب الجماعي، وبمقتضاها دمّر، حينها، المباني على أهلها.
لكن الكيان كرر فعلته هذه الأيام في بلدات الجنوب والضاحية ووصل إلى مدينتي صور وصيدا واستباح كل المحرّمات بما فيها عمليات الاغتيال لقادة حزب الله وتوّجها باغتيال أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله في كسر لكل الخطوط الحمراء بالنسبة لمحور المقاومة وجمهوره، ووصل عدوانه بيروت واغتال ثلاثة من قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في منطقة الكولا واستهدف مسؤول حركة فتح في لبنان منير المقدح في مخيم برج البراجنة، واستمر في تدمير كل ما يشتهي لسفك الدم، مطمئنًا ومتّكئاً على دعم أمريكي-غربي مطلق. هذا الدعم الذي تسارع بإرسال العتاد العسكري بالمدمرات وحاملات الطائرات وتشغيل جسر جوي بمئات آلاف الأطنان منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى لمواجهة المقاومة الفلسطينية، وضاعفه بعد زيادة جرعة عدوانه على لبنان.
التمادي في العدوان فرض ضرورة إيقاف الجنون الصهيوني، المحمي أميركيا على كل المستويات، بما فيها تفادي رد على جريمة الكيان في طهران. فقد سوّقت واشنطن خدعة برّدت الرأس الإيراني عندما روج البيت الأبيض لصفقة يوقف بموجبها جيش الاحتلال حرب الإبادة على غزة مقابل عدم رد إيران على عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية. وبدلا من تنفيذ واشنطن وعدها بوقف العدوان، أرسلت المزيد من العتاد العسكري للكيان.
خدعة أثارت غضب إيران التي مارست الصبر الاستراتيجي بينما كانت الرؤوس حامية خصوصا بعد العدوان على الضاحية التي قُتل فيها أيضا نائب قائد الحرس الثوري الإيراني إلى جانب نصر الله وعلي كركي مسؤول جبهة الجنوب. وزاد من غضب طهران حجم الهجوم الإعلامي عليها واتهامها بالتخلي عن حلفائها وعدم القدرة على تنفيذ ما وعدت به، بل والتخلي عن "أذرعها" في المنطقة، إضافة إلى تساؤلات المراقبين إزاء ما يجري في رأس الساسة الإيرانيين.
لكن، جاء الأول من أكتوبر يوما طويلا. بدا فجره بتصريحات أمريكية تفيد بأن الهجوم البري الصهيوني على جنوب لبنان سيبدا بعد ساعات قليلة، في محاولة لتضليل المقاتلين في الجنوب. تلقفت وسائل الإعلام هذه التصريحات ومنها بعض وسائل الإعلام العربية التي تتبنّى الموقف الصهيوني بالكامل، ونفخت فيها ورسمت سيناريوهات للهجوم البري وتبرعت بعضها في تفسير هذه الخطوة بأنها نهاية للمقاومة اللبنانية وروجت للهيمنة الصهيونية على المنطقة.
ولأن النشوة معدية فقد امتدت إلى أحد زعماء الأحزاب اللبنانية المتحالفة مع الكيان فدعا حزب الله إلى تسليم سلاحه، وهو أمر لم يدعُ له حتى العدو الصهيوني. كان "خبر" الهجوم البري كمينا للمقاومة هدفه أن تظهر رأسها في الجنوب لتجزّه الطائرات الصهيونية، إلا أن المقاومين فطنوا اللعبة فأوقعوا الصهاينة في كمين مضاد، الأمر الذي اضطر العدو أن يستحضر شريط فيديو عمره خمس سنوات، 2019، انطلى على بعض الفضائيات العربية فراحت تعيد بثه على مدار ساعات. بالتوازي، خصص نتنياهو خطابا للشعب الايراني يحرضه فيه على نظامه السياسي.
في هذا الوقت، كانت سياسة حياكة السجاد الإيراني تُحضّر بصمت لضرب تل أبيب والمدن الصهيونية على امتداد فلسطين المحتلة بصليات صواريخ فاتح-1 الفرط صوتية وغيرها، وقد بلغ عددها أكثر من 250 صاروخا، وذلك بعد وقت قصير من انشغال الصهاينة بعملية فدائية نفذها مقاومان فلسطينيان في شارع يافا في تل أبيب وقَتلا فيها 7 مستوطنين وجرحا عددا آخر، جروح بعضهم خطيرة.
لم تفلح مضادات الصواريخ الصهيونية متعددة الأنواع من باتريوت والقبة الحديدية ومقلاع داوود من صد أغلب الصواريخ الإيرانية التي أعلن الحرس الثوري أنه استهدف مواقع حيوية، منها ثلاث قواعد عسكرية بينها القاعدة العسكرية التي انطلقت منها الطائرات الصهيونية التي أغارت على ستة مبان في الضاحية الجنوبية واغتالت نصر الله ومن معه.
لا شك أن قادة الكيان يفكرون في الرد على الصواريخ الإيرانية، وقد هرعوا إلى جحورهم في الغرف المُحصنة تحت الأرض ليناقشوا الكيفية التي بردون بها على صفعة لم يتوقعوها، في محاولة لإعادة نشوة "النصر" التي اختال بها نتنياهو في شوارع تل أبيب قبيل إطلاق الصواريخ الإيرانية بساعات قليلة.
وقد خرج نتنياهو من مخبئه بعد صمت هدير الصواريخ وصرح بأن "إيران ارتكبت خطأ كبيرا وستدفع الثمن"، وأن "الهجوم الصاروخي على إسرائيل قد فشل"، في محاولة لتكذيب الصور الحية للأهداف المدمرة، وتسويق روايته لإعادة نشوة لم يعد بريقها الزائف يخدع جمهوره. كذبة مارسها قادة الكيان قبل 33 عاما عن صواريخ "سكود" التي أطلقها الجيش العراقي على الكيان في حرب الخليج الثانية عام 1991، حيث ادّعى حينها أنها فشلت في الوصول إلى أهدافها، لكنه بعد ثلاثين سنة اعترف بتحقيقها ما ارادت.
لكن نتنياهو ليس هو من أعلن فشل الصواريخ التي دكت المدن في الكيان، بل أن الخبر جاء من واشنطن وعلى لسان جو بايدن نفسه، في رسالة واضحة للكيان بأن "ينضب" والوقت ليس لتفجير الوضع، فكرر زعيم الليكود ما هو مطلوب منه لتخفيف الوطئ.
الفجور الصهيوني في عدوانه على فلسطين ولبنان بلغ مداه وتجاوزت الدولة المارقة على القانون الدولي كل المحرمات، والأمر يتطلب استنهاض مقدرات الأمة، وهي مسؤولية لا تقع فقط على عاتق الفلسطينيين واللبنانيين، بل هي مسؤولية على كل مكونات الأمة التي تعاني من كبوات وهزال فظيع، وتقع مسؤولية استنهاضها على القوى الحية فيها لإنجاز المهمة التاريخية المطلوبة والمتمثلة في دحر الكيان وإعادة الوهج لفعل حقيقي من شأنه القضاء على الخطر الوجودي الذي يشكله الكيان على كل الدول العربية وليس فقط على فلسطين ولبنان.
ما حدث في الأول من أكتوبر من فجره حتى مسائه قطع الطريق على احتفالات نتنياهو وعصابته الفاشية بالنصر على غزة والضفة ولبنان، على أعتاب مرور عام على طوفان الأقصى الذي حفر في مجرى تاريخ الصراع العربي الصهيوني وزعزع سردية الاحتلال إزاءه وأعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية الأولى وقضية أحرار العالم الذين غصت بهم الجامعات والشوارع في مختلف العواصم العالمية.