بقلم :عبد النبي العكري
مع اقتراب حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني من اكمال السنه في 7 كتوبر 2024,وفي أطول الحروب الصهيونية ضد الامه العربية, فان العدو الصهيوني ماض في استراتيجيته بالعمل لكسر اراده المقاومة الفلسطينية واللبنانية وردع حلفائها في ايران وسوريه والعراق واليمن . وفي ذات الوقت تخويف الأخرين بمصير مماثل والعمل على اخضاع الدول العربية وجوارها في تحالف مشين مع الغرب بقيادة أمريكا .لقد تجاوزت الحرب الصهيونية فلسطين لتشمل حتى الان لبنان وايران واليمن وسوريا وقد تمتد الى بلدان أخرى .
خلافا لحروب "إسرائيل" الخاطفة ,فان امتداد الحرب "الإسرائيلية" وتوسعها طرح مجددا المشروع الصهيوني "الإسرائيلي "في المنطقة العربية وجوارها ومدى تطابقه مع المشروع الأميركي الغربي للمنطقة العربية وجوارها او ما يطلق عليه الشرق الأوسط الكبير .
العقيدة الصهيونية والاستراتيجية "الإسرائيلية"
يلاحظ انه بموازاة العمليات العسكرية "الإسرائيلية " فقد رافقتها عمليه ترويج للفكر الصهيوني الاستيطاني التوسعي استنادا الى التوراة والتلمود .يلاحظ في الخطاب الموجه من قبل القادة "الإسرائيليين " والصهاينة وحاخاماتهم وأكاديميهم والمستوطنين والمواطنون العاديين ,استنادهم الى ما جاء في التوراة والتلمود وما تفرع منها من تنظيرات لحاخامات ومفكري الحركة الصهيونية. و من المهم معرفه ان جيش الدفاع الإسرائيلي هو جيش عقائدي يهودي صهيوني يقاتل لتحقيق الحلم الصهيوني لإقامه دوله "إسرائيل" الكبرى من الفرات الى النيل كما يرمز لذلك علم "إسرائيل". وللجيش "الإسرائيلي " حاخام اكبر وفي كل تشكيلة عسكريه هناك حاخام لتعبئة افراد التشكيلة العسكرية بالتعاليم اليهودية المتطرفة.
يقوم صلب العقيدة اليهودية المتطرفة على ان "اليهود شعب الله المختار" من دون بقية العالم . ولذى فان طبيعتهم ساميه في حين ان طبيعة باقي البشر متدنية .وحسب ما جاء في التوراة المفبركة وليس صحف النبي موسى والنبي لبراهيم فان "الإسرائيليين " قد اقاموا دولتهم في عصر الملك سليمان قبل ثلاثة الاف سنه. وانهم خاضوا حروبا ضد اعدائهم حينها والذين يطلقون عليهم العماليق ( الكنعانيين) .وحسب عقيدتهم المستمدة من التوراة فانه يتوجب اباده خصومهم حينها العماليق (الفلسطينيين والعرب الان )حيث يتوجب قتل الرجال والأطفال وحتى الأجنة ببقر بطون امهاتهم وسبي النساء وهوما مارسوه في حروبهم ضد الفلسطينيين والعرب من 1947 حتى الان . وهكذا فان "الإسرائيليين "الصهاينة ,يقاتلون لاستعادة دوله "إسرائيل" كما يتخيلوا انها كانت في زمن الملك سليمان أي من النيل الى الفرت ومن انطاكيه الى المدينة المنورة .وقد كرر نتنياهو ذلك في خطابه امام الأمم المتحدة الأخير مستشهدا بالتوراة وانجيل صمويل القديم ان "دوله إسرائيل " باقية الى الابد ووصف الوجود العربي والكنعاني في فلسطين بانهم غزاة وطارئين . بالطبع هذا كلام كاذب لكن خطورته تكمن في طرحه امام الأمم المتحدة القائمة على تمثيل الشعوب وليس الغائها كما تفعل "إسرائيل" مع الشعب الفلسطيني.
في اليوم الأول لطوفان الأقصى وبعد الضربة المؤلمة للمقاومة الفلسطينية للكيان الصهيوني في 7 أكتوبر 2023,عقد وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال يوفي جالانت مؤتمرا صحفيا اعلن فيه حصارا شاملا على قطاع غزة "من اليوم وطالعا لن يصل الى قطاع غزه طعام او ماء او دواء اوكهرباء . انهم حيوانات بشرية". هذا هو جوهر العقيدة الصهيونية "لإسرائيل" ,أي اعتبار خصومهم ومن يقاوم مشروعهم الاستيطاني التوسعي حيوانات لا تستحق الحياه او الرحمة .بل ان بعضهم يعتبرونهم ادنى من الحيوانات على حد تعبير البرفسور كيدار في مقابلة مشهوره مع الجزيرة .واذ كان قتل الرجال باعتبارهم مقاتلين ,فان قتل الأطفال يبرر باعتبار هؤلاء الأطفال سيكبرون ويصبحون مقاتلين حسب ما قاله احد الحاخامات. أما المبرر "الإسرائيلي" لقتل المدنيين دون تمييز فهو لانهم يحتضنون المقاتلين كما انهم مصدر تطوع المقاتلين .
من هنا فان مراجعة سجل "الإسرائيليين “ منذ حربهم لاغتصاب فلسطين في 1947 وحتى اليوم وعبر حروبهم على الفلسطينيين والعرب ومناصري العرب, فانهم لم يترددوا في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تطبيقا لهذا المعتقد .كما يتجلى ذلك في ممارسة ابشع الجرائم بحق الاسرى والمعتقلين
.وفي الحرب الأخيرة قام "الإسرائيليون " باعتقال ما يزيد عن عشرة الاف من الفلسطينيين اضافه لخمسه الاف سابقين في سجونهم ومعسكراتهم ويمارسون ضدهم ابشع صنوف العذيب مما أدى الى استشهاد المئات ويشمل ذلك اغتصاب النساء والرجال وهو موثق من قبل "الإسرائيليين " انفسهم.
لكن الملفت للانتباه ان قيادات دينيه وسياسيه "إسرائيلية" بررت التعذيب والاغتصاب باعتبار ذلك جائز لحماية أرواح يهودية .كما يتم انتزاع أعضاء بشرية من الاسرى والشهداء. وحتى الان لم يتم محاكمه أي "إسرائيلي" مارس الاغتيال والقتل خارج القانون او الاشتباك او ممارسه التعذيب فهي عقيدة وممارسة "إسرائيلية" بامتياز.
اما الوجه الاخر لهذه العقيدة فهي ما يعرف بارض "إسرائيل" التاريخية وهي تضم الى جانب فلسطين المحتلة , وبلدان وأجزاء من بلدان عربيه, حيث لاحدود رسمية "لدوله إسرائيل" وهي مصممه على احتلالها تبعا لإستراتيجيه على مراحل حسب ما تسفر عنه حروبها المتواترة.
خلال حرب الإبادة هذه قاد رئيس الوزراء نتنياهو والحاخام الأكبر للسفارديم يتسحاق بن يوسف وحاخام الجيش "الإسرائيلي" الجنرال ايال كريم وتبعهم نخب وقيادات المجتمع "الإسرائيلي" واليهودي الصهيوني حول العالم , السياسية والدينية والأكاديمية والمجتمعية وغيرها ,في الترويج لسمو "إسرائيل" و"الإسرائيليين " وبالتالي استثنائهم مما تعارفت عليه البشرية من قيم ومفاهيم وقواعد وقوانين انسائية .بل ودعمهم بكل الوسائل لتحقيق رؤيتهم ولو تطلب الامر الإبادة الجماعية .
كذلك الايمان بحق اليهود في العالم بغض النظر عن جنسياتهم و قومياتهم واصولهم في أقامه "دولة إسرائيل" واستيطانها ومواطنتها ,على حساب مواطنيها الأصليين الفلسطينيين وبدون حدود وقابلة للتوسع لاستيعاب المزيد من اليهود المهاجرين ,خلافا للقانون الدولي بحق الشعوب القائمة في أقامه دولها على ترابها الوطني ضمن حدود معترف بها دوليا بموجب حق تقرير المصير ومنها الشعب الفلسطيني.
وهناك من غير اليهود من يؤمن بالصهيونية مثل الرئيس الأميركي بايدن ومثل اتباع الكنيسة الانجيلية وغيرهم من اتباع ديانات وقوميات أخرى ,ومن هنا التحاق المرتزقة المتطوعين من مختلف البلدان للقتال ضمن صفوف الجيش "الإسرائيلي" بمن فيهم عرب من فلسطين. .وبالمقابل فان من يعارض العقيدة الصهيونية وحروب "إسرائيل" واستراتيجيتها التوسعية الاستيطانية ويناصر الحق الفلسطيني والعربي .فانه يوصم بمعادات السامية ,بل ان معاداة الصهيونية كايدلوجية عنصرية متطرفة يعتبر معاداة للسامية قانونيا وممارسة. وبالمقابل فان من يناصر الحق الفلسطيني والعربي يعتبر إرهابيا وخطرا على المجتمع في عدد من الدول الغربية؟.
الشرق الأوسط الجديد برؤية “إسرائيلية "
تمثلت المرحلة الأولى من المشروع الصهيوني بإقامه "دولة إسرائيل" على كامل فلسطين وضم بعض الأراضي العربية اللبنانية والسورية اثر حرب 1967 .اما المرحلة الثانية فجاءت بعد توقيع اتفاقيات التطبيع والاستسلام الفعلي للمشروع الصهيوني مع كل من مصر والأردن ومنظمه التحرير الفلسطيني. هذا المشروع الذي نظر له وفصله رئيس "إسرائيل " الأسبق ومن ابرز قادتها التاريخيين شيمون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد والذي سيقام على تزاوج التكنولوجيا "الإسرائيلية " ورأس المال الخليجي وعمالة بلدان الشرق الأوسط وبدعم غربي لإقامة شرق أوسط جديد ومزدهر اقتصاديا ومستقر سياسيا .وقد أضاف له العديد من السياسيين والمفكرين "الإسرائيليين" والغربيين ومنهم كونداليسا رايس ,مستشاره ووزيره خارجيه أمريكا السابقة ما يعرف "بالفوضى الخلاقة "لخلق شرق أوسط جديد.
يعتبر بنيامين نتنياهو أطول رؤساء الوزراء بقاءا في الحكم واكثرهم صهيونيه ويمينيه .وقد عبر عن رؤيته لطبيعة ودور إسرائيل في المنطقة العربية وجوارها او مايعرف بالشرق الأوسط من خلال كتبه واشهرها "مكان بين الأمم" وبالطبع استراتيجيات وسياسات حزب الليكود الذي يقوده والحكومات المتعاقبة التي يرأسها منذ 2009 وتصريحاته. ويشارك نتنياهو في هذه الرؤية الجسم الأكبر من "الإسرائيليين" ونخبهم الحزبية والسياسية والفكرية المتعاظمة بدعمها للتوسع والهيمنة "الإسرائيلية "
من اهم مرتكزات رؤية نتنياهو هو يهودية دولة "أسرائيل" أي التطهير العرقي الكامل لكل الفلسطينيين بتهجيرهم خارج فلسطين وتحويل ما تبقى منهم الى مقيمين بدرجة دونية جدا في خدمة اليهود .اضافة لذلك فانه لا حدود لتوسع "إسرائيل" في محيطها العربي ,حسب ما تسفر عنه الحروب "الإسرائيلية " واخرها الحرب الحالية اثر طوفان الأقصى .
وكما جاء في كلمة نتنياهو في الأمم المتحدة في 28 سبتمبر 2024 في خضم هذه الحرب " فانه يجري تشكيل شرق أوسط جديد". واستعرض نتنياهو الإنجازات على هذا الطريق ومنها اتفاقيات التطبيع الاولى واتفاقيات التطبيع اللاحقة بموجب اتفاق ابراهام وتوسعها , وتعزز محور "الخير" بقيادة "إسرائيل" وبمشاركه أميركية وغربيه وتراجع محور "الشر"(محور المقاومة) بقيادة ايران..
وفي الوقت الذي كان فيه نتنياهو يعرض اطروحاته وإنجازات "إسرائيل " كانت الطائرات العسكرية "الإسرائيلية" تدك الضاحية الجنوبية لبيروت وتغتال الشهيد السيد حسن نصر الله ,الأمين العام لحزب الله ورفاقه . ضمن حرب ابادة لا سابق لها في الحروب المعاصرة كامتداد لحرب الإبادة في فلسطين وخصوصا غزه واغتيالات لقيادات المقاومة ومناصريها وهجمات في بلدان محور المقاومة مثل ايران وسوريا واليمن.
تقوم استراتيجيه الشرق الأوسط الجديد "الإسرائيلية" المتقاطعة مع المشروع الأميركي الغربي للشرق الأوسط ,على ان تكون "إسرائيل" القوه الإقليمية العظمى والشريكة للغرب, في السيطرة على الوطن العربي وجواره اقتصاديا وسياسيا مع تفوقها العسكري .
ولقد وصل الوضع المتردي العربي والإسلامي ان تعرض 57 دوله عربية وإسلامية خلال قمة الأمم المتحدة الحالية على "إسرائيل" استعدادهم للاعتراف " بإسرائيل" وإقامة علاقات شاملة معها مقابل قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود1967. لكن "إسرائيل " رفضت ذلك لأنها تعتبر كل فلسطين ملك "لإسرائيل" . وهي مستمرة في توسيع الحرب لتشمل ايران وتجر أمريكا والغرب الى جانبها.
بالطبع فان نجاح هذا المشروع ليس قدرا , لكنه يتطلب تحولا جذريا في النظام الدولي ويبدأ بتحول جذري في مواقف الدول العربية تبدا بإلغاء التطبيع وتفعيل المقاطعة ضد "إسرائيل" ودعم المقاومة فعلا وفك التبعية لأمريكا والغرب.
ان الانتصارات الي تباهى بها نتنياهو وعلى أساسها طرح مشروع الشرق الأوسط الجديد بقيادة "إسرائيلية ",قد تعرض لهزه قوية بتصدي المقاومة اللبنانية للقوات "الإسرائيلية " المتقدمة لاحتلال جنوب لبنان والضربة الجوية الإيرانية الناجحة "لإسرائيل" ردا على عمليات الاغتيال بحق قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية الى جانب قيادات إيرانية في ايران ودول مجور المقاومة. لكن ذلك لا يعني تخلي "إسرائيل " وامريكا والغرب عن مشروعهم ,لكن المطلوب المواجهة ضد المشروع وعدم الاستسلام له وكانه قدر محتوم.