الموسوي بورشة التجمع القومي : الرؤية غير قادرة على مواجهة المتطلبات المستقلبية إذا لم تتوافق مع رؤية سياسية وديمقراطية واضحة ومنح المزيد من الصلاحيات للبرلمان
انعقدت صباح امس الأول السبت ورشة البحرين بين رؤيتين 2030-2050 بفندق جولدن تليب بتنظيم من جمعية التجمع القومي الديمقراطي ، بحضور اقتصادي ومهني ومدني وسياسي وبرلماني واهلي قدمت فيه أربعة اوارق من قبل شرف الموسوي ثم زينب الدرازي و حسن الحلواجي نائب رئيس اتحاد نقابات عمال البحرين ومن ثم الدكتور علي فخرو .
الورقة الثانية في الورشة قدمها سيد شرف الموسوي – مستشار الجمعية البحرينية للشفافية وخرج بخلاصة بان العمل على وضع رؤية اقتصادية مستقلة 2050 إذا لم تتوافق مع رؤية سياسية وديمقراطية واضحة يتم من خلالها منح المزيد من الصلاحيات للبرلمان، وإخضاع المؤسسات الحكومية والخاصة للمسائلة والرقابة، ورؤية واضحة للعدالة الإجتماعية المرتبطة بالجوانب السياسية والاقتصادية والتطور التكنلوجي، سيجعل من هذه الرؤية غير قادرة على مواجهة المتطلبات المستقبلية للبحرين ومواكبتها لبرامج التنمية المستدامة، وخاصة مع الثورة العارمة للذكاء الاصطناعي الذي لا يبدو اننا على إستعداد للتعامل معه فيما اذا استمرت الأمور الحالية جامدة كما هي الآن. وإذا لم يكن المجتمع (ممثلا بمنظماته الفاعلة) شريكاً في الإعداد لهذه الرؤية بشكل فعال وفعلي وليس أعلامي فقط، فلن يكون نصيب تحقيق أهداف هذه الرؤية أفضل مما هي عليه رؤية 2030.
موضحا باننا لا نتمكن من تقييم مدى تحقيق رؤية 2030 من تغيير النمودج الاقتصادي لأن هذا الأمر يتطلب تقييم شامل لأداء الاقتصاد على مدى الخمسة عشر سنة الماضية وهذا يتطلب أمكانيات غير متاحة للجمعية في ظل ظروف العمل الحالية والتضييق الذي تتعرض له مؤسسات المجتمع المدني وفي ظل غياب قانون حق الوصول الى المعلومات الذي يمكن ان يساهم في توفير البيانات التي نحتاج لها. ولكننا سوف نتطرق لبعض الأهداف الواردة في الرؤية ومدى تحقيق ذلك في الواقع وخاصة ما يتعلق منها بنشاط وأهداف الجمعية. هذه مقدمة لابد من التطرق لها، كما ان الورقة المقدمة هنا فقط متعلقة بالشفافية.
1- شفافية الميزانية العامة/ الحسابات الختامية.
تعتبر الميزانية العامة من أهم الوثائق التي تنظم العلاقة الاقتصادية في البلد من حيث الإيرادات والمصاريف، كما أنها من أهم القوانين التي يصدرها البرلمان وتعتبر وثيقة تعاقدية بين البرلمان ( ممثلاً للشعب ) والحكومة، التي تتولى تنظيم الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلد والصرف عليها على ضوء هذه الميزانية. ونظراً لأهميتها ينظر لها الباحثين والمهتمين والمؤسسات المالية المحلية والدولية والمحللين الاقتصاديين على إنها مؤشر للتطورات الاقتصادية والمالية وللبرامج التي ستتبعها الحكومة للسنوات القادمة. ولا تنفصل الميزانية عن البرنامج الحكومي الذي تقدمة الحكومة في بداية انعقاد المجلس النيابي، تتطلب شفافية الميزانية العامة أن تكون معلومة لجميع المواطنين، بمعنى أن تنشر الميزانية بعد اعتمادها وحتى قبل أن يقرها البرلمان للجمهور للاطلاع عليها ومناقشتها وأبداء الرأي بشأنها، السؤال هل تتمتع الميزانية العامة في البحرين على مدى السنوات السابقة، هل تتمتع بالشفافية؟ هل يتم نشر البيانات والجداول والسياسات المالية والاقتصادية بشكل واضح للجميع سواء قبل أو بعد اعتمادها من البرلمان؟
النقطة الأخرى يفترض أن تعكس الميزانية، كل الإيرادات وكل النفقات التي تتوقعها الدولة. السؤال هل تحتوي الميزانية العامة على كل الإيرادات بالتفصيل كما يجب وكذلك كل النفقات؟ هل هناك مصاريف لا تدخل ضمن مستند الميزانية العامة التي تعرض على البرلمان.
تنشر وزارة المالية على موقعها الأليكتروني الميزانية العامة والحساب الختامي، يتضمن الكثير من الجداول التفصيلية، ولكن هذه الجداول تحتاج الى كثير من الشرح والتفاصيل لكي يفهمها أصحاب الأختصاص وكذلك المواطن العادي، ونعتقد انها تفتقد لتفاصيل مصاريف أخرى. كما ان مشاركة الجمهور في الاطلاع على الميزانية العامة قبل اعتمادها من مجلس النواب وتصديق جلالة الملك عليها وإصدارها في قانون، تفتقد الى الشفافية حسب المعايير الدولية لشفافية الموازنة العامة التي تعتمدها المنظمات الدولية. من هذه المنظمات الدولية تلك التي تهتم وتراقب الدول فيما اذا تتمتع ميزانية هذه الدول بالشفافية أم لا، ومن هذه المنظمات صندوق النقد الدولي و المنظمة الدولية لشراكة الميزانية وهي منظمة دولية غير ربحية رائدة في العالم تعمل على تعزيز الإدارة الأكثر مسؤولية وفعالية وإنصافًا للمال العام. تعمل على الوصول الى البيانات المالية للدول وتحليلها من أجل الدعوة إلى الإصلاح وبناء مهارات ومعرفة الناس بمبادئ الميزانية العامة حتى يتمكن الجميع من إبداء رأيهم في قرارات الميزانية التي تؤثر على حياتهم وتقييم القرارت التي تتخد والمتعلقة بالميزانية. تأسست هذه المنظمة منذ 25 عامًا. تعد هذه المنظمة مسح لعدد كبير من الدول. في العام 2023 بلغ عدد الدول التي تم مسحها 125 دولة لم يشمل هذا المسح البحرين، وهناك 11 من الدول العربية فقط شملها هذا المسح. وتعتبر الأردن هي أفضل الدول العربية في الأفصاح وشفافية الموازنة العامة حيث حققت 62% على معيار شفافية الموازنة المعتمد لدى هذه المنظمة.
ومن ما تتبناه هذه المنظمة توفير معلومات الميزانية الأساسية حول النفقات والإيرادات والديون والتوقعات الاقتصادية الكلية والأداء غير المالي. ويمكن للحكومات أن تحقق تقدماً سريعاً من خلال جعل العديد من وثائق الميزانية التي تنتجها داخلياً متاحة للعامة. ويسمح ذلك ببناء الشفافية والمشاركة في الأطر القانونية والمبادئ التوجيهية الإدارية باستمرار هذه الممارسات. وتوصي هذه المنظمة الحكومات بتوسيع المساحات المتاحة للناس للمشاركة في إعداد الميزانية العامة لما لها من تأثير مباشر على قدرة الناس على الوصول إلى السلع والخدمات، ويلعب المجتمع المدني دوراً هاماً في جعل معلومات الميزانية متاحة ويمكنه تشكيل تحالفات للمشاركة في عملية إعداد الميزانية لضمان انعكاس احتياجات المجتمع وأولوياته بشكل أفضل.
هناك معايير يعتمدها صندوق النقد الدولي لشفافية الميزانية، ومنها ما يلي:-
1. ينبغي أن تتضمن تقارير المالية العامة عرضاً عاماً لمركز الحكومة المالي والأداء المالي الحكومي على نحو يتسم بالشمول و الدلالة والحداثة والموثوقية.
2. ينبغي أن تتضمن الميزانيات وتنبؤات المالية العامة التي ترتكز عليها بيانات واضحة عن أهداف الحكومة من الميزانية ونواياها بشأن السياسات، وتوقعاتها بشأن تطور المالية العامة.
3. ينبغي موافاة الهيئة التشريعية بتقرير نصف سنوي في الوقت المناسب عن تطورات الميزانية كما يجب نشر تقارير كل ثلاثة أشهر.
4. ينبغي تزويد الجمهور بمعلومات شاملة عن أنشطة المالية العامة السابقة والحالية.
5. ينبغي أن تقوم الحكومات بالإفصاح عن المخاطر المحتملة على المالية العامة، كيفية إدارتها وتحليلها وأن تضمن فعالية التنسيق في صنع القرارات بشأن المالية العامة على مستوى القطاع العام.
6. ينبغي أن يحدد القانون صلاحيات ومسؤوليات السلطتين التنفيذية والتشريعية للحكومة في عملية وضع الميزانية، وينبغي عرض الميزانية ومناقشتها واعتمادها في الوقت المناسب.
7. ينبغي عرض تنبؤات المالية العامة والميزانيات على نحو يسهل تحليل السياسة والمساءلة.
8. ينبغي رصد المخاطر المحددة أمام الموارد العامة بانتظام والإفصاح عنها وإدارتها.
9. ينبغي توفير الاستقلال المؤسسي للجهاز الإحصائي الوطني للتحقق من جودة البيانات المالية.
المصدر: صندوق النقد الدولي - مستجدات مبادرة شفافية المالية العامة.
2- شفافية مشاريع الخصخصة.
وعلى سبيل المثال خصخصة محطة الحد لانتاج للكهرباء وهي المحطة الرئيسية التي تم بيعها على شركات أجنبية بمبلغ مليار و250 مليون دولار منها 738 مليون دولار لاقتناء الأصول الحالية للمحطة. وهذه الشركات هي: «إنترناشيونال باور» البريطانية التي تملك 40 % والشركة البلجيكية «سويز إنترناشيونال» تمتلك نسبة 30%، بينما تملك الحصة الباقية وقدرها 30 في المئة «سوميتومو» الياباني هذا الوضع كما في 2008، حيث لم يتم الافصاح عن الاجراءات التي تمت عند تنفيذ بيع المحطة ولم يتم الإعلان عن التفاصيل والشروط ومدى تأثيرها على العمالة الوطنية. كم كانت نسبة البحرينيين العاملين فيها والمناصب التي يتبوئونها أثناء ملكية الحكومية لها، وما هو الوضع الحالي. وكيفية التصرف في الأموال العائدة من بيع المحطة، كما لم يتضح أن هناك مساهمين من البحرين مثل صندوق التأمينات الاجتماعية وفيما إذا هناك شروط لطرح جزء من رأس المال في البورصة المحلية للمواطنين أو لسماهمين آخرين في رأس المال. كما لا يتم نشر بيانات عن حجم الأرباح التي تحققها هذه الشركات بعد الاستحواد على المحطة للوصول لمعرفة حجم الأموال التي خسرتها الدولة نتيجة هذه الخصخصة. هذه البيانات كان يفترض توفيرها لو كان لدينا قانون حق الوصول الى المعلومات. كما لم يتم نشر شروط عقود إدارة محطات الكهرباء أو شروط التسعير وغيرها ولا نعلم إن عرضت محطة الحد للمزايدة العالمية.
بنظرة على الجدول التالي الذي يبين المساهمين في بناء المحطات الحديثة للكهرباء في البحرين يتضح :-
1. ان محطة الحد مملوكة بالكامل لشركات أجنبية.
2. تمثل انتاجيتها 39% من انتاج الكهرباء.
3. فيما تمثل نسبة ملكية الأجانب من شركات انتاج الكهرباء الأخرى ما يساوي 69% والملكية الخليجية 23%.
4. أمر جيد أن تتم الأستعانة برؤس الأموال الأجنبية كإستثمارات ولكن بنود العقود بين البحرين وبين هذه الشركات غير معلومة، في أمر حيوي جداً ومهم للاقتصاد ولحياة المواطنين، يمكن أن يعطل البلاد بالكامل فيما إذا حدث خخل ما.
أما محطات الكهرباء التي انشأت فيما بعد وكانت بتمويل واستثمارات أجنبية وجزء منها من التمويل المحلي فهي مشاريع استثمارية مستخدمين التكنلوجيا الحديثة التي ساهمت في انخفاض تكلفة الانتاج والنقل وكذلك التوزيع، مما يفترض معه تخفيض التكلفة على المواطنين مقارنة بما كانت تنتجه محطة سترة والرفاع سابقا التي تم ايقافهما وبيع بعظها في المزاد فيما بعد.
توليد الطاقة السنوي لكل محطة. المصدر: الموقع الأليكتروني لهيئة الكهرباء والماء
1) تراجع ترتيب البحرين على مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية منذ الاعلان عن الرؤية حتى العام 2023.. تراجع ترتيب البحرين على مؤشر مدركات الفساد بين عامي 2008 و 2023 حيث كانت في الترتيب 43 في العام 2008 وأصبحنا في الترتيب 76 في العام 2023 مما يؤشر الى أن الحوكمة والشفافية التي تمت الاشارة اليهما في الرؤية لم يتم الاهتمام بهما كما يجب وبالمثل جهود مكافحة الفساد حسبما تتطلبه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي تمثل الحد الأدنى لجهود الدول في هذا المجال، لقد صادقت البحرين على الاتغافية في العام 2010 إلا إن هناك بنود وألتزامات لم توُفي بها البحرين ومن هذه البنود المهمة ما يلي:
1. استكمال المنظومة القانونية التي تتطلبها الاتفاقية وعلى الأخص منها ما يلي:-
اعتماد قانون حق الوصول الى المعلومات.
اصدار قانون لحماية الشهود والمبلغين والنشطاء.
انشاء هيئة/ جهة مستقلة تهتم بشأن مكافحة الفساد.
اعتماد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد يساهم في اعدادها القطاع الخاص ومنظات المجتمع المدني والجمهور والسلطة التشريعية بالإضافة الى الحكومة.
2. منح المساحة اللازمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في جهود نشر ثقافة النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد.
3. خضوع المراكز القيادية في الوظائف الحكومية الى معايير تتناسب ومتطلبات الوظيفة العامة من الشهادات العلمية والخبرة والنزاهة والكفاءة،،،،،الخ.
4. ونرى أن يكون من المبادىء الأساسية لرؤية 2050 " الشفافية ومكافحة الفساد".
5. الأنضمام الى المبادرات الدولية التي تعزز الشفافية والمسائلة ومنها الحكومة المفتوحة و"مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية"، خاصة وان الأيرادات المتأتية من النفط والغاز في البحرين لا زالت تمثل أكثر من 50% من إيرادات الميزانية العامة. (2)
2) دور التعليم في دعم العمالة الوطنية لتصبح الخيار الأمثل.
ورد ضمن رؤية 2030 صفحة 7 النص التالي " وحتى في ظل هذا العدد من فرص العمل التي تصنف بأنها متوسطة إلى مرتفعة الأجور، لا يعتبر المواطن البحريني حتى الآن الاختيار الأمثل للقطاع الخاص، حيث إن نظام التعليم مازال غير قادر على تزويد الشباب بالمهارات والمعارف المناسبة للنجاح في سوق العمل في المملكة".
هذه الفقرة تمثل انتقاد واضح للنظام التعليمي قبل العام 2008 وهذا ما توصل اليه معدي الرؤية التي أعدت في 2008. السئوال هنا، هل لازال نظام التعليم ينتج نفس المخرجات؟ أم تم الإهتمام بمخرجات التعليم لكي تواكب رؤية 2030؟ يقول أحد رجال الأعمال في مقابلة له بشهر مارس 2024 " نحن بحاجة الى تكثيف تدريب البحرينيين وتأهيل الشباب لشغل الوظائف الفنية، ويضيف خريجو جامعة البحرين تكون لغتهم الأنجليزية ركيكة فيصعب توظيفهم في الشركات". اذا كان هذا رأي أحد رجال الأعمال الفاعلين بعد 15 عاماً من تنفيذ الرؤية، هذا يدل على عدم كفاءة مخرجات النظام التعليمي حيث لم يتم تمكين الشباب بالمهارات وأن الوضع الذي كان قبل 2007، لازال مستمراً وتقول به بعض الشركات وبعض رجال الأعمال في القطاع الخاص. هذا ما يؤكد على أن السياسات المتبعة لتحقيق هدف الرؤية بأن يكون البحريني أولاً، لم تقدم الحلول الصحيحة لمعالجة مشكلة البطالة ومخرجات التعليم حلاً نهائيا مستدام. لذلك يوجه القطاع الخاص جهوده لاستقطاب العمالة الأجنبية بغض النظر عن توفر وتكدس العمالة الوطنية المؤهلة التي يمكن لها ببعض التدريب ( والذي يمكن أن توفره تمكين ) أن تتولى المناصب القيادية في هذا الشركات، ليس ذلك فحسب بل إن التركيز على سياسة التدريب المهني الذي أثبت فيه الشباب البحريني كفاءة كفيل بمعالجة البطالة المتزايدة. مع هذه الملاحظات و وضع العمالة الوطنية يوحي بأن رؤية 2030 لم تقدم حلول على مستوى التعليم حتى الآن. هل يؤشر هذا الى فشل النظام التعليمي على مدى 15 عاما في تخريج احتياجات سوق العمل التي دعت له رؤية 2030؟ فبتالي يجب أيجاد الحلول المناسبة.
3) العمالة الوطنية.
أكدت الرؤية على ضرورة تغيير النموذج الاقتصادي المعتمد على العمالة الأجنبية الرخيصة باعتباره نموذجا غير قابل للاستدامة. لكن الاحصاءات تؤكد أن هذا النموذج مازال محرك النمو الأساس في القطاع الخاص حيث أنه خلال الـ 15 عاما الماضية احتفظت العمالة غير البحرينية بنسبتها العالية، 75% من اجمالي العاملين في القطاع الخاص المسجلين في التأمينات، وارتفاع عدد العاملين غير البحرينيين في القطاع الخاص بين عامي 2008 و 2023 بنسبة 28% إلى 459 ألف، بمعدل زيادة سنوية يبلغ 1.66%
يحسب للحكومة نجاحها بخفض عدد موظفيها البحرينيين بحيث تجمّد خلال 15 عاما عند 50,000 موظف مدني، رغم زيادة السكان البحرينيين 33% في الفترة نفسها بعض هذا الخفض جاء لارتفاع الكفاءة والإنتاجية مع تزايد استخدام التكنولوجيا لإنجاز المعاملات الحكومية، مدفوعا بحاجة الحكومة لتقليص نفقاتها بعد تفاقم العجز المالي والبعض الآخر ربما لعوامل متعددة منها توجه عدد متزايد من الطبقة الوسطى للقطاع الخاص للحصول على خدمات تعليمية وصحية أفضل، وتحويل بعض أعمال الحكومة للقطاع الخاص الذي يورد العمالة (outsourcing) لصالح الحكومة عن أعمال التنظيفات والحراس وأشغال الصيانة،،،، الخ التي كانت في السابق تعتبر عمالة حكومية.
عدم قدرة الحكومة على استيعاب مزيد من الموظفين البحرينيين ألقى بالعبء كاملا على قطاع خاص يفضل العمالة غير البحرينية الرخيصة، ولا يملك في كثير من الأحيان بيئة مناسبة للعامل البحريني. لذلك وجدنا أن العمالة البحرينية زادت بمعدل متواضع بلغ 1% سنويا مقارنة مع معدل الزيادة السكانية من البحرينيين البالغ 2.1% سنويا، مما يدل على انخفاض عدد المواطنين المشاركين في سوق العمل نسبة لعددهم من اجمالي المواطنين، وهو مؤشر على تفاقم مشكلة البطالة وإخفاق في تحقيق أحد أهداف الرؤية وهو "رفع نسبة مساهمة المواطنين في قوة العمل".
إن سوق العمل المفتوح على مصراعيها وغياب خطط البحرنة واستمرار نموذج العمل القائم المعتمد على العمالة الأجنبية الرخيصة، الذي كلف الاقتصاد حوالي 895 مليون دولار أمريكي خلال السنتين الماضيتين 2022، 2023. هذه السياسة التي ينتج عنها هذه التكاليف تتعارض جميعها وهدف رفع أجر المواطن وتحقيق قيمة إضافية عالية باستخدام رأس المال والتكنولوجيا والعمالة الماهرة. الفرضية التي تقول إن أرباب العمل سيجعلون البحريني خيارهم الأول في التوظيف دون الحاجة لتدخل الحكومة النشط في سوق العمل أثبتت فشلها وأصبح التمسك بها يهدد الأمن الاقتصادي والمعيشي للمواطن.
وعليه نعتقد أن تضع رؤية 2050 السياسات المناسبة والبرامج التفصيلية لمعالجة هذا الوضع للإنتهاء من مشكلة عدم استقطاب القطاع الخاص للعمالة الوطنية وبما يخدم المواطن والوضع الاقتصادي في البحرين، ومن هذه السياسات ما أتبعته دول مجلس التعاون الخليجي بتحديد وظائف وقطاعات معينة للعمالة الوطنية فقط.
4) الحوكمة.
أحد المبادرات التي تعمل عليها رؤية 2030 "بدل الجهود المتواصلة لتحسين الحوكمة والإدارة الداخلية للشركات". ويتضح إن من أهم الجهود المبدولة في نشر مبدأ الحوكمة هو إصدار ميثاق حوكمة الشركات، وعلى الأخص الشركات العامة منها. حيث أصدرت وزارة الصناعة والتجارة والسياحة بتاريخ 19 مارس 2018 القرار رقم (19) لسنة 2018 ميثاق إدارة وحوكمة الشركات والذي تم نشره في الجريدة الرسمية بعددها رقم (3360) 5 أبريل 2018، والذي سيطبق بشكل إلزامي على الشركات المساهمة بإستثناء الشركات المرخص لها من قبل مصرف البحرين المركزي. السئوال هو لماذا تستثنى البنوك من تطبيق ميثاق الحوكمة؟ وتعتمد على مبادرة طوعية من البنوك الوطنية؟ أليس الأفضل أن يصدر هذا الميثاق بقانون؟ لكي يكون ألزامي على جميع الشركات بما فيها الشركات العائلية والشركات الحكومية. خاصة وأن القطاع المصرفي هو أكبر القطاعات الحيوي في البلاد ومحرك مهم جداً للاقتصاد الوطني والسيطرة على البيئة المالية للبلاد. نعي جيداً ان البنوك بحكم طبيعة عملها وارتباطاتها الدولية تدرج سنويا ضمن تقاريرها المالية والادارية فصل خاص عن حوكمة أعمالها وهذا أمر جيدولكنه طوعي، بالمقابل تعتبر الشركات العائلية والشركات الحكومية، شركات مؤثرة في الاقتصاد الوطني.
من رأينا أن ما يجب التركيز عليه في موضوع الحوكمة في الرؤية القادمة هو، أن يتم اصدار ميثاق الحوكمة على شكل قانون واجب التنفيذ، كما لابد من النظر الى تطبيق مبادئ الحوكمة على جميع الوزارات والجهات الحكومية. ونعتقد أن الانظمام الى المبادرة العالمية للحكومة المفتوحة سيكون اضافة للجهود في تطبيق مبدأ الحوكمة في الحكومة والجهات التابعة لها.
ثانياً: الوضع الاقتصادي وتطور الدين العام.
1) الاستدامة وهي إحدى المبادئ الأساسية الثلاثة التي تستند عليها الرؤية. وأحد الجوانب الهامة في هذا المبدأ هو استدامة التمويل الحكومي. وقد تحدثت الرؤية عن:
تعزيز استدامة التمويل الحكومي بخفض الاعتماد على الإيرادات النفطية.
جعل الحكومة أكثر كفاءة وتقليص حجم الجهاز الحكومي ونفقاته.
إيجاد مصادر إيرادات إضافية وخفض الإنفاق غير الفعال.
تقديم الدعم والإعانات للماء والكهرباء والوقود والطعام للمحتاجين فقط.
تمويل معظم النفقات اليومية من الإيرادات المتكررة غير المعتمدة على النفط حتى تتمكن الحكومة من تجميع إيراداتها النفطية لمصلحة الأجيال القادمة.
2) الدين العام.
وفيما يلي جدول يوضح تطور الدين العام منذ العام 2007 والتوقع لعام 2024م
ويمكن الإشارة هنا الى إصدار مرسوم بقانون في شهر سبتمبر 2024 برفع الدين العام الى 18 مليار دينار أي ما يعادل 47.7 مليار دولار أمريكي.
مع انخفاض أسعار النفط عقب الأزمة المالية العالمية في 2008 بدأت عملية إقتراض متسارعة. سجلت الحكومة في 2009 أول عجز مالي. كانت السوق الدولية مواتية للاقتراض، حيث كان تصنيف البحرين الإئتماني جيد، عندما كان الدين العام عند 1.5 مليار دينار، لذلك كانت أسعار الفائدة منخفضة. التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية والادارية للعام المالي 2021-2022 أظهر ديناً عاماً قدره 19.3 مليار دينار يفوق بكثير الرقم الذي ينشر في الصحافة وهو 15 مليار. في هذا العام يقدر الدين العام ب 23 مليار دينار إذا أخدنا بعين الإعتبار الدين المحلي والدين من البنك المركزي وديون الشركات المملوكة للحكومة إذ يشكل هذا المبلغ أكثر من 130% من الناتج المحلي الإجمالي. مع الأخد بعين الأعتبار مدى الاستدامة المالية وأرقام العجوزات وأرتفاع الدين العام وحجم البطالة، يتضح فيما إذا تمكنت البحرين من تحقيق أهداف رؤية 2030 أم إن هناك حاجة ماسة لإعادة التقييم وأخد التحديات بعين الاعتبار عند اعداد رؤية 2050.
المشكلة ليست فقط في حجم الدين العام، تكمن المشكلة أيضاً في تحمل الأجيال القادمة دين عام مرتفع جداً مقارنة بمقدرة الاقتصاد البحريني في ظل نفاد موارد النفط والغاز بعد عدة سنوات، لذلك لابد من أن تتم دراسة حلول جدرية له لمستقبل البلد. في العام 2015 من ضمن ما طالبة به جمعية الشفافية هو إنشاء هيئة للرقابة على الدين العام بغرض السيطرة عليه، هذا عندما كان الوضع يمكن السيطرة عليه سريعاَ.
ثالثاً: تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
هي عبارة عن مجموعة من 17 هدفًا ومجموعة كبيرة من المقاصد (الأهداف الفرعية) وُضعت من قِبل منظمة الأمم المتحدة، وقد ذُكرت هذه الأهداف في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر2015 وفي 1 كانون يناير 2016، أدرجت أهداف التنمية المستدامة ال 17 في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 أي أن تنفيذها سيستمر خمسة عشر عاماً، وتغطي أهداف التنمية المستدامة مجموعة واسعة من قضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية (الفقر – الجوع – الصحة – التعليم - تغير المناخ - المساواة بين الجنسين – المياه - الصرف الصحي – الطاقة – البيئة - العدالة الاجتماعية). وهذه الأهداف ليست ملزمة قانونا للحكومات لذلك فالدول هي التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن متابعة التقدم المحرز واستعراضه.
في هذه الورقة سيتم المرور سريعاً على بعض الأهداف التي لها علاقة مباشرة بالوضع في البحرين وسيتم التركيز على ما له علاقة مباشرة بالرؤية الاقتصادية 2030.
قدمت البحرين تقريرها الطوعي الأول حول تحقيق أهداف التنمية المستدامة خلال المنتدى السياسي رفيع المستوى في 2018 وقدمت تقريرها الثاني في قمة التنمية المستدامة في 2023. وأكد التقريران أن أهداف التنمية ال 17 غير قابلة للتجزئة. وان تحقيق أي هدف يتطلب وضع خطط تنمويه من قبل الحكومه وربطها بالخطه الوطنيه لحقوق الانسان 2022- 2026.
الهدف الثالث: الصحة الجيده والرفاه.
تتجه البحرين في السنوات القادمة الى تطبيق نظام التامين الصحي على المواطنين، وهذا البرنامج يتطلب رقابة محكمة على القطاع الطبي الخاص وعلى تحويل المنشآت الحكومية حاليا للمشاركة في البرنامج وكيفية التعامل بين القطاع الخاص والقطاع الصحي الحكومي، هذه العلاقة لم تتضح معالمها بعد، حاليا هناك توسع في المنشآت الصحية الخاصة التي تعتمد أو المملوكة لاستثمارات أجنبية التي قد يشوبها استغلال الفرص المالية وتقديم خدمات ليست بالمستوى المطلوب، ومن ناحية أخرى يتوجس المواطن من الدور الذي ستقوم به الحكومة لتوفير الرعاية الصحية الأولية والرعاية المتعلقة بالأطفال وكبار السن والأمراض المستعصية. من جانب آخر يجب النظر بجدية للانعكاس السلبي المتوقع على منتسبي نظام القطاع الصحي الحكومي حالياً من أطباء وممرضين وإداريين، كيف سيتم التعامل مع هؤلاء المواطنين وماهي مستويات الأجور والمنافع الوظيفية الأخرى،،،الخ اذاً هناك عدة جوانب يجب النظر لها، كل هذه الأمور يجب أن تعالجها الخطط المنبثقة من رؤية 2050 وبما يعزز العمالة الوطنية ودعمها وكذلك الحفاظ على مستويات متقدمة من خدمات الرعاية الصحية ليتواكب ذلك مع الهدف الثالث.
الهدف الرابع: التعليم الجيد.
تبين تقارير هيئة جودة التعليم والتدريب ان الكثير من المدارس الحكومية منخفضة الجودة.هناك مؤشرات على تراجع جودة التعليم الرسمي في مختلف المراحل ومدى قدرتة على تاهيل الطلاب لاحتياجات سوق العمل في ضوء ثورة تكنولوجيا المعلومات. هذا التراجع الذي لا يتوافق وأهداف رؤية 2030 أنعكس على توجه كثير من أولياء الأمور للمدارس الخاصة التي أصبحت في أزدياد ملحوظ وبتكاليف عالية جداً قد يصل بعظها الى ما يساوي أو يزيد على تكاليف الدراسة الجامعية في الخارج، بالإضافة الى ارتفاع عدد الجامعات الخاصة والتي بلغ عددها 12 جامعة، مقابل جامعتين حكوميتين إضافة الى جامعة الخليج العربي والجامعة الايرلنديه المتخصصتين في الدراسات الطبية .
الهدف السادس عشر: السلام والعدل والمؤسسات القوية.
والذي يهدف الى، التشجيع على اقامة مجتمعات مسالمة وشاملة للجميع من أجل تحقيق التنمية المستدامة وإتاحة امكانية الوصول الى العدالة، وبناء المؤسسات الفعالة والخاضعة للمسائلة وشاملة للجميع على جميع المستويات.
هنا سوف أقوم بالتركيز على المقاصد الخاصة بموضوع الشفافية ومكافحة الفساد وهي المقاصد التالية:-
1. الحد بقدر كبير من التدفقات غير المشروعة للأموال والأسلحة، وتعزيز واسترداد الأصول المسروقة وإعادتها ومكافحة جميع أشكال الجريمة المنظمة، بحلول عام 2030.
2. الحد بدرجة كبيرة من الفساد والرشوة بجميع أشكالها.
3. إنشاء مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات.
لم يتطرق تقرير البحرين حول تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، بالتفصيل إلى الإلتزام أو تحقيق المقاصد الثلاثة أعلاه والمتعلقة بشكل مباشر بالشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد. وفيما يتعلق بالمؤسسات الفعالة كمجلس النواب، فأنه يفتقد إلى الكثير من الصلاحيات التشريعيه ومثلها من الصلاحيات الرقابية، وكما استعرضنا سابقا تراجع الشفافية والافصاح ويضاف لها تراجع حرية الرأي والتعبير. وفيما يتعلق بالرقابة، بأستثناء ما ينشره ديوان الرقابة الإدارية والمالية في تقريره السنوي الذي يبين قضايا يمكن تصنيفها كقضايا فساد في بعض الجهات التي يقوم بتدقيقها، لا يوجد ما يمكن الاعتماد عليه من تقارير رقابية أخرى، علماً بأن مجلس النواب لا يفعل أدواته الرقابية بالإعتماد على ما يرد في هذا التقرير التي يتم تصنيفها كمخالفات مالية وادارية والقليل منها يتم التعامل معها من قبل النيابة العامة والقضاء.