DELMON POST LOGO

على خفيف .. حاجتنا إلى إصلاح الوضع المعيشي

الكاتب

بقلم : علي صالح

لا يختلف اثنان في البحرين على ان الغالبية العظمى من أهل البلد يعانون من غلاء المعيشة ومن تفاقم اوضاعهم الحياتية بالتزامن مع ازدياد البطالة والاستيلاء المتواصل للعمالة الأجنبية على الوظائف والأعمال في سوق العمل والزيادات المضطردة في الأسعار .

يقابل ذلك تهرب حكومي مستمر من وضع النقاط على الحروف بالنسبة لحجم المشكلة وتغليف ذلك بمعالجات شكلية غير مبنية على دراسات وبالتالي معرفة حقيقية بمعانات الناس من عاملين ومتقاعدين وعاطلين وهو ما تأخذ به معظم دول العالم التي تحرص على تخصيص الجزء الأكبر من مواردها للارتفاع بمعيشة ورفاهية شعوبها.

وبعبارة أخرى فان أقصى ما قدمته الحكومة لحل معضلة غلاء المعيشة هي علاوة الغلاء وبعض العلاوات الصغيرة مثل علاوتي الإسكان وتعويضات الضمان الاجتماعي الزهيدة وهي كلها علاوات غير مدروسة تم وضعها بناء على قرارت واراء حكومية خالصة ولم تنتج عن بحوث اقتصادية وواقعية

والدليل على ذلك ان هذه العلاوات التي نجمت عن مطالبات لمجلس النواب توصلت إلى ان تدرج الحكومة في الميزانية العامة مخصص الحماية الاجتماعية بمبلغ سنوي هو 375 مليون دينار وعندما تواصلت الانتقادات بعدم كفايته للموازنة بين كبح ارتفاع الأسعار وتدني الأجور عملت الحكومة على زيادة مبلغ الحماية الاجتماعية إلى 435 مليون دينار

لكن هذه الزيادة كانت مثل ذر الرماد في العيون عندما اضافت الحكومة إلى مخصص الحماية الاجتماعية الجديد مخصصات لاعلاقةلها به مثل :

- مبالغ الدعم لانظمة التقاعد 19 مليون دينار

- ⁠علاوة تحسين مستوى المعيشة للمتقاعدين 132 مليون دينار

- ⁠حصة الحكومة في أنظمة التقاعد 800 ألف دينار

- ⁠حصة الحكومة في نظام التامين ضد التعطل 18مليون دينار

- ⁠علاوة اللحوم بمبلغ 26 مليون و666 ألف دينار سنويا وتصرف لعدد 156 ألف و435 أسرة أي اكثر من عدد الأسر التي تصرف لها علاوة الغلاء والتي تبلغ 116 ألف أسرة تتلقى سنويا مبلغ 128 مليون دينار

وحتى اليوم لم تفصح الحكومة لماذا علاوة اللحوم ولماذا تمنح هذه العلاوة إلى اكثر من الأسر التي تتلقى علاوة الغلاء باربعين الف أسرة وبالتالي هل هذه الأرقام حقيقية أم أنها تهدف إلى تضخيم مبلغ الحماية الاجتماعية ومن ثم إسكات الأصوات المطالبة بزيادته.

هروب الحكومة من التزاماتها في الأخذ بالأسس المتعارف عليها دوليا في الموازنة بين غلاء المعيشة وتدني الأجور وبعد تفاقم شكاوي المواطنين العاملين من تدني الأجور التي يحصلون عليها وضعفها أمام الارتفاع المتزايد للأسعار مارست الحكومة الهروب مرة أخرى بإلقاء مهمة معالجة الفجوة بين الأسعار والأجور على صندوق العمل ( تمكين )

وبدات تمكين - التي تعتمد ميزانيتهاعلى حصتها من ايرادات سوق العمل ، أي من الرسوم التي يدفعها مستوردوا العمالة الأجنبية - بدأت في الإعلان عن دعم اجور البعض من العمالة البحرينية لمدة معينة ثم تترك مصيرهم لأصحاب العمل امًا ان يبقون عليهم في العمل أو يتخلصون منهم ويستبدلونهم بعمالة اجنبية ارخص منهم.

بل ان الحكومة تمادت اكثر من ذلك وظلت تنزف من صندوق التعطل الممول من العمال البحرينيين انفسهم وأخر هذا النزف اقتطاعها مبلغ 200 مليون دينار وتسليمها لتمكين بحجة مساعدتها لتغطية عجزها في تغطية عجزها في دعم اجور العمالة البحرينية دون ان تلتزم هي أو تمكين بإعادة سداد هذا المبلغ لصندوق التعطل.

الحل العلمي والعملي والمتبع من قبل اغلب دول العالم التي تهتم برفع مستوى معيشة شعوبها هو ان تقوم الدولة بتحركين أساسيين أولهما التعرف على ميزانية الأسرة البحرينية بجناحيها الدخل والمصروف ، هذا البحث تهدف منه الدولة التعرف مباشرة وعمليا على معدل دخل الأسرة البحرينية والتعرف في الجانب الآخر على معدل مصروفات هذه الأسرة وعلى الجوانب التي تستحوذ على الجزء الإكبر من هذه المصروفات وبالتالي على حجم الفجوة بين الدخل والمصروف والحاجة لسد هذه الفجوة ان وجدت.

اول بحث لميزانية الأسرة في البحرين اجري في منتصف عام 1974 واستغرق سنة كاملة وشمل جميع مدن وقرى البحرين وقامت به وزارة المالية والاقتصاد الوطني لكن نتائجه لم تنشر ولم يترتب عليها أي تطور .

في الوقت الحاضر تغيرت الأحوال واصبحت وزارة الداخلية مسؤولة عن الحكومة الإلكترونية وعن إحصاءات عدد السكان ، وفي منتصف العام الحالي أعلنت هذه الوزارة ان بحث ميزانية الأسرة في البحرين يجرى منذ عام 1974 كل عشر سنوات وأنها ستجريه هذا العام على عينة من الأسر البحرينية والأجنبية المقيمة في البحرين .

وكما اسلفت فان الحكومة قد تكون اجرت بحث ميزانية الأسرة على مدى الخمسين سنة الماضية ولكن ما فائدة ان يجرى هذا البحث ولاتنشر مايتمخض عنه من نتا ئج أو يؤخذ بها في الإصلاح المعيشي .

ذلك ان الهدف هو معرفة معدل احتياجات الأسرة المعيشية ومن ثم معدل الدخل الإجمالي لهذه الأسرة وهو ما يتطلب بدوره تعديل الأجور أو ما يتعارف عليه بوضع حد ادنى للأجور أو اكثر من حد ادنى موزعة على أغلبية المهن.

ويبدو ان تكتم الحكومة على إعلان ما تتمخض عنه بحوث ميزانية الأسرة يهدف إلى الهروب من إعلان الفجوة بين الدخل والأجور ومن الالتزام بوضع حد ادنى للاجور يكون ملزما للقطاعين العام والخاص.

وللعلم فان الإعلان عن الحد الادنى للأجور كنتيجة لبحث ميزانية الأسرة لايعني الأخذ بهذا الحد الادنى على مدى العشر سنوات التالية إنما يتطلب من وزارة التجارة ان تقوم كل سنة بإجراء بحث آخر يتعلق بقياس أسعار المستهلك تتعرف بموجبه على تطور أسعار السلع الضرورية والكمالية وبالتالي التعرف على حجم تضخم السلع المستوردة والمنتجة محليا.

نتيجة هذا البحث السنوي تنعكس بالضرورة على مستوى الأجور أو الحد الادنى للأجور امًا ان يبقى ثابتا أو يتم رفعه بنفس النسبة التي ارتفعت بها الأسعار

وبالتالي فان إصلاح الوضع المعيشي في البحرين لايتطلب من مجلس النواب ان يطالب الحكومة برفع هذه العلاوة أو إرجاع تلك وإنما يلزمها بوضع معالجة جذرية وشاملة تقوم على اجراء بحث معلن وشفاف لميزانية الأسرة ومن ثم وضع حد ادنى للأجور متابعا بالتعرف دوريا على أسعار المستهلك والتضخم.