بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
عندما أطلقت حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين معركة طوفانالأقصى 7 أكتوبر 2023، راهن كثيرون على إنكسارها وعدم قدرتها على الإستمراروالصمود أكثر من أيام قلائل، ووصفتها بعض القيادات العربية والعالمية بالحركةالبربرية، معتقدين أن أيامها باتت معدودة تحت وقع الضربات الإرهابية الصهيونيةبالأسلحة الأمريكية الفتاكة، فسارع كثيرون إلى تقديم أوراق إعتمادهم للحركةالصهيونية وراعيها الإرهابي الأول في العالم الولايات المتحدة الأمريكية كي ترضىعنهم.
لكن أمريكا أم الإرهاب، لم تكن لتقبل أوراق الإعتماد تلكبالمستوى الذي قُدمت إليها، بل كانت تطمح إلى انبطاح تام من هذه الأنظمة والدولالعربية والاسلامية الخائفة، وإستسلام مذل وخانع، حتى تُعيد رسم المنطقة بشكل جديدوفق مقاس الكيان الصهيوني فقط، فكل ما هو دونه من دول وأنظمة غير مهم أبداً، مهماكانت درجة ولائها وخنوعها، لذلك استمرت تخطط لاستكمال بناء (دولة إسرائيل الكبرى)التي تسقط فيها الحدود العربية وتُفتح أمام الحركة الصهيونية تعيث فيها فساداً كماتشاء في المكان والزمان الذي تراه مناسباً، وعبثاً حاولت بعض الأنظمة أن تُزخرفأوراق إعتمادها بالصمت والخذلان للمقاومين والصامدين من أبناء فلسطين ولبنان،فشاركت في الحصار ومنعت مظاهر التضامن وحملات الدعم والإسناد بل وحتى التغريدلصالح فلسطين ولبنان.
لكن كل ذلك لم يشفع لهذه الأنظمة أمام الأمريكي المنتشيبالضربات العسكرية التي هدمت البنى التحتية والمستشفيات والجامعات والمدارسوالبيوت على رؤس الاشقاء في قطاع غزة ولبنان، حتى لم يعد لهم مأوى يلجئون إليه تحتالنار والقصف الصهيوني البربري المستهتر بجميع القيم والأعراف الدولية، ومع ذلكواصلت أمريكا الضغط على الدول العربية غير مكترثة بصداقاتها وعلاقاتها مع هذهالدول والإتفاقيات والمواثيق التي وقعتها معها، فالأصل لدى أمريكا هو الحفاظ علىالتفوق العسكري الصهيوني على جميع الأنظمة والدول العربية منفردة أو مجتمعة، وهيلا تقول ذلك سراً بل تجاهر به على رؤس الأشهاد ويصدح به وزرائها ومسؤوليها بكلوقاحة، حتى من داخل الدول العربية التي تستقبلهم وتفرش لهم السجاد الأحمر، وتسمحلهم بإستباحة الأجواء والمياه الإقليمية الخاصة بها متى وكيفما شاءوا، لضمانوتعزيز الأمن الصهيوني.
وإذا كان الخوف والقلق والهواجس قد أثر على الكثير من الأنظمةوالقادة العرب، وزاد من معيار خنوعهم وإستسلامهم للغطرسة الصهيونية إلى الحد الذيجعلهم يقدمون كافة التسهيلات المطلوبة منهم عبر القواعد العسكرية الأمريكية التيلايعلمون عنها شيئا فوق أراضيهم، بما في ذلك فتح أجوائهم للعربدة الصهيونية بمنتهيالحرية، فإن كلمة الميدان على أرض المعركة كان لها رأي آخر، رافضة لغة الإستسلاموالأنصياع للأوامر الأمريكية والهيمنة والعصر الصهيوني، وها هي الأيام واللياليتتصرم وتنقضي وجيش الكيان الإرهابي عاجز عن تحقيق صورة نصر في قطاع غزة المحاصروالمذبوح، ولبنان الجريح المسيج بالقصف والنار والتدمير منذ ما يقارب 400 يوم،فلبنان هذا رغم كل مشاكله وابتلاءاته ساند وآزر غزة هاشم منذ اليوم الثاني لإنطلاقالطوفان 8 أكتوبر 2023، لذلك تعرض للعقاب والحصار والقتل وإغتيال القادة، لكنجبهات المقاومة لاتزال صامدة رغم كل الدعم الأمريكي والأوربي الذي يقدم للكيانبدون حساب.
وعندما تمكن هذا الكيان العنصري من إرتكاب سلسلة من الإغتيالاتالسياسية ضد قادة المقاومة في فلسطين ولبنان بدءاً من الشيخ صالح العروري، مروراًبالقائد فؤاد شُكر ووالقائد إبراهيم عقيل ثم الزعيم الفلسطيني إسماعيل هنية،والزعيم اللبناني السيد حسن نصر الله وصولاً إلى القائد يحي السنوار وإنتهاءًبالسيد هاشم صفي الدين رحمهم الله جميعاً، إنتفخت أوداجه وإزداد غروراً وصلافة،معتقداً بأنه قد إقترب من النصر، فإذا بدماء الشهداء القادة تُفجر ثورة غضبٍ ونارصمودٍ وعزيمة إنتصارٍ لم يكن يتوقعها هو ومن يدعمه أو يخافه، فزادت خيباته وتكرسفشله وتحطمت أسطورة جيشه الذي لا قهر، خاصة وهو يشاهد الصواريخ تنهمر على مدنهومصانعه ومستعمراته المغتصبة التي شيدها على أنقاض المدن الفلسطينية المدمرة وسطذهول مستوطنية حتى سارع العديد منهم الى الهجرة المعاكسة، بعد أن ايقنوا ان الكيانلم يعد آمنا كما إدعى قادته.
لقد آن لحكوماتنا العربية أن تعيد قراءة المشهد السياسيوالعسكري في هذه المعركة البطولية الفاصلة والمصيرية، التي تخوضها المقاومةالعربية والإسلامية، وتعرف بأن الكيانالصهيوني الإرهابي قد مني بخيبة كبيرة وفشلٍ ذريعٍ في تنفيذ أهدافه الاستيطانية،وأنه لن يخرج من هذه المعركة إلا مهزوماً ومدحوراً تحت ضربات وصمود المجاهدين منأجل تحرير فلسطين وحماية لبنان، الأمر الذي يمنحها الفرصة لتحسين موقعها وموقفهاالتفاوضي أمام أمريكا الإرهابية، فلا تقدم لها فروض الطاعة والولاء بعد اليوم، بلتتعامل معها بندية الواثق بالنصر، القادر على إستعادة المبادرة وإعلاء سقف التحدي،وأن تسارع للبحث عن تحالفات دولية بديلة تحترم خصوصيات الدول العربية وحقوقهاالتاريخية التي إنتهكتها الصهيونية العالمية.
إنها اللحظة الحاسمة لاستكشاف مكامن القوة والسؤدد التيتمتلكها دول المنظومة العربية عبر التحالف مع دول المنظومة الإسلامية والحلفاءالموثوقين من مختلف دول وقارات العالم، فأمريكا لم تعد تمتلك كامل أوراق الحل كماكانت تدعي ويصدقها قادة دولنا، وهي وإن إمتلكت بعض هذه الأوراق غير راغبة فيتوظيفها لإقرار أي نوع من السلام المنصف، بل مصممة على نصرة ودعم الكيان الصهيونيبالباطل، فهل تلتقط الدول العربية هذه الفرصة التاريخية التي لن تتكرر فتعيد فتحعلاقاتها مع فصائل المقاومة العربية والإسلامية وتدعمها، وتتعاون معها لبناء جبهةصامدة تتكسر عليها جميع المؤامراتالصهيوأمريكية، هذا السؤال مطروح برسم الأنظمة العربية وقادتها.