بقلم : محمد حسن العرادي - البحرين
في مثل هذا اليوم 2 من نوفمبر أطلق وزير خارجية بريطانيا في العام 1917 وعداً إستعمارياً، بتسهيل قيام وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة التي كانت تحت الانتداب البريطاني آنذاك، وبدل أن تقوم الحكومة البريطانية بحماية الأرض التي تستعمرها، قامت بتسهيل إحتلالها من قبل اليهود الذين سهلت لهم عمليات الهجرة والاستيطان خلال أكثر من 20 سنة من إستعمارها وإدارتها لفلسطين المحتلة، ساهمت فيها بإضعاف الفلسطينيين وتهجيرهم وتدمير وتفكيك مؤسساتهم وقتل طموحاتهم الوطنية، مقابل تشجيع اليهود ودعم تأسيسهم المؤسسات والمليشيات العسكرية الإرهابية وتمكينهم من إحتلال المزيد من الأراضي عبر السماح لهم بالاستيلاء على أغلب الأراضي المسجلة كأراضي دولة.
وهكذا أعطى من لا يملك (بريطانيا) من لا يستحق (اليهود) أرض فلسطين، ووفر لهم الدعم والمساندة والحماية حتى إستكملوا بناء جميع أجهزة الدولة الإرهابية الاستعمارية الموعودة وأعلنوا عن (قيام دولة إسرائيل) في 15 مايو/ إيار 1948 وذلك بناء على المقولة الكاذبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" ، عندها تم تنفيذ الوعد المشئوم الذي أرسله آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا إلى اليهودي الصهيوني اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد وأشار فيه إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
ولا شك في أن بريطانيا كانت تمثل مجموع الدول الإستعمارية الغربية التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الأولى، وكان من نتائج تلك الحرب الكونية، إبرام إتفاقية سايكس بيكو في العام 1916، وهي معاهدة سرية تم توقيعها بين وزيرا خارجية فرنسا والمملكة المتحدة، وصادقت عليها الإمبراطورية الروسية وإيطاليا، وقد تم فيها التفاهم على تقسيم المنطقة بين فرنسا وبريطانيا باعتبارها تركة الدولة العثمانية المهزومة، بعد أن كانت المسيطرة على المنطقة العربية قبل الحرب العالمية الأولى.
لقد أدى مشهد الهزيمة والتفكك والضعف العربي الذي وفر الغطاء الدولي لتقسيم النفوذ في المنطقة العربية، إلى القضاء على اي حلم في قيام دولة عربية موحدة أو قوية في ذلك الوقت، حيث كانت أغلب الحكومات العربية خانعة ذليلة مكسورة، فهل تغير هذا الواقع مع نشوء حركات المقاومة العربية والإسلامية التي إختارت القتال والصمود في وجهة الطغيان والتحالف الغربي الذي أسس الكيان قبل 107 سنوات، رغم ان ذلك التحالف الغربي لايزال هو من يدعم الكيان الصهيوني (اسرائيل) الآن، ويمده بالعتاد والسلاح بل ويشارك معه في العدوان وتدمير فلسطين ولبنان، بعد أن مزق كل من اليمن والسودان ودمر كل من العراق وليبيا وسوريا، وحيد غالبية الدول العربية وكبلها بإتفاقيات عسكرية.
الواضح أن الزمن قد تغير وأن حركات المقاومة العربية والإسلامية الباسلة، قد حلت بديلاً عن الجيوش العربية المهزومة أنذاك، وهكذا فإن إرادة الصهاينة في ابتلاع بقية الدول العربية، وتاسيس ما يعرف بإسرائيل الكبرى، قد فشلت ، أو هي في طريقها للفشل الحتمي، فلقد تعذرت جميع محاولات الصهاينة لإخضاع المقاومين في غزة فلسطين وجنوب لبنان الصامد، وهكذا فإن 2 من نوفمبر هذا العام يحمل في طياته الأمل بالنصر والتحرر من هذا الإستعمار الذي جثم على صدر الأمة العربية طوال العقود السابقة، وأن شعوب الأمة قد أخذت قرارها بيدها ولن تتركة بيد الحكومات المرتهنة للإستعمار العالمي بقيادة أمريكا ، فها نحن نشاهد تغييراً كبيراً في موازين القوى لصالح حركات التحرر الفلسطينية والعربية، ونشهد الضربات القاسية بالصواريخ والمسيرات تنهال على مدن الكيان وقواعده العسكرية، كما لم يحدث من قبل في اية حروب سابقة، رغم كل البطش والجبروت الذي تمارسه الصهيونية المدعومة من أمريكا ودول الغرب ، ومهما إرتفعت أعداد الضحايا من الشهداء والجرحى فإن الفجر يقترب والعالم يتغير، وقد حان الوقت الذي تسقط فيه كافة أحلام الصهاينة ومن يقف معهم، وأن غداً لناظره قريب.