الإستدارة نحو الشرق .. والحوار مع ايران ..
بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
يوشك اتفاق المصالحة الموقع برعاية صينية بين المملكة العربية السعودية الشقيقة وجمهورية إيران الاسلامية الصديقة الذي أبرم في 10 مارس 2023 بالعاصمة بكين، على أن يكمل عامه الثاني وسط تفاؤل حذر، فقد تعرض هذا الاتفاق لاختبارات عسيرة وصعبة جداً، كان أبرزها العدوان الصهيوأمريكي ضد غزة هاشم والجمهورية اللبنانية الذي بدأ يوم السبت 7 أكتوبر 2023 واستمر حتى الآن مدمراً الحجر والبشر وكل ماله علاقة بالحياة.
ثم تعرض هذا الاتفاق للاختبار مرة أخرى عندما تعرضت إيران لاعتداءات صهيونية على سفارتها في دمشق، وفوق أراضيها مباشرة حين قام الإحتلال الصهيوني باغتيال القائد الفلسطيني إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وعندما ردت إيران عسكرياً على العدوان في 13 أبريل 2024 بعملية الوعد الصادق، سعت أمريكا إلى تحريض السعودية ودول الخليج والمنطقة ضد ايران، لكن الاتفاق السعودي الإيراني كان الحاجز والصخرة التي أفشلت المساعي الأمريكية.
ومرة أخرى ضغطت أمريكا من أجل افساح المجال الجوي في السعودية ودول الخليج العربية للسماح للطيران الصهيوني بالمرور لقصف إيران، لكن دول مجلس التعاون العربية بقيادة السعودية أبدت أقصى درجات المسؤولية تجاه شعوب الخليج العربي ولبنان وفلسطين وكافة الدول العربية، لقد نأت بنفسها عن هذه الفتنة ورفضت الانزلاق نحو المصيدة الصهيوأمريكية، وللمرة الثالثة عندما أطلقت إيران عملية الوعد الصادق 2 وقصفت من خلاله القواعد والمطارات العسكرية الصهيونية، بذلت أمريكا الكثير من الجهود والضغوط للزج بالسعودية ودول الخليج للمشاركة في التصدي للرد الإيراني الصاعق الذي وقع في الأول من أكتوبر 2024 لكنها فشلت في مساعيها.
ومجدداً يصمد الاتفاق بحكمة القيادة السعودية التي تمكنت من صد ورد الضغط الأمريكي وإبقاء الخليج بعيداً عن هذه الحرب الصهيونية العدوانية القذرة، بل ان المملكة العربية السعودية أوصلت إلى الكيان المحتل رسائل حاسمة على لسان وزير خارجيتها، بأنها إن لم تكف عن عدوانها الهمجي الذي يمحي البشر والحجر، فسوف تُعيد كل دول الخليج النظر في موضوع التطبيع الهش الذي عقدته بعض الدول، كما أن الوقت حان للنظر في المبادرة السعودية بشأن حل الدولتين.
لقد أثبت هذا الموقف الحاسم أن بلدان المنطقة قادرة على إدارة خلافاتها بهدوء وتسويتها بحكمة تحفظ استقرار وامن المنطقة العربية وشعوبها، تقوم على نزع فتيل المواجهة التي تغذيها المطامح الأمريكية الراغبة إلى اختلاق وافتعال الصدام بين الدول العربية وايران الإسلامية، بغية تحويل الصراع العربي الصهيوني إلى صراع إيراني عربي، لكن الوعي والحكمة في التعامل مع القضايا الإقليمية الملتهبة، بدأ يؤتي ثماره وأبطل مفعول هذه المؤامرات السافرة، بعد أن انكشف الموقف الأمريكي العدائي ضد المصالح العربية والإسلامية من خلال الدعم العسكري المباشر والمشاركة في الإعتداء على غزة في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الجيش الصهيوني منذ أكثر من 400 يوم وإلى الآن.
وهكذا تتضح الصور أكثر فأكثر، فلقد تأكد المؤكد وبات من الضروري التفتيش عن التحالفات الطبيعية بين الدول التاريخية في المنطقة وخاصة على ضفتي الخليج العربي، وليس عن العلاقة والتحالف مع الدولة اللقيطة المصطنعة من قبل الإستعمار المتمثل في أمريكا والغرب، ومع إستمرار النهج العدواني لأمريكا وحلفائها ضد المصالح والحقوق العربية والإسلامية في فلسطين وخاصة الدور الأمريكي الوقح في رفض وقف العدوان وإستمرار القصف الهمجي، فقد آن الأوان لتبحث الدول العربية عن صيانة وحماية مصالحها بالاتجاه شرقاً بأفق ارحب واحكم وأكثر مرونة للبحث عن حل مشاكلها مع إيران بالحوار، والعمل على عقد تحالفات مع الصين وروسيا ومنظومة البريكس التي تشكل أملاً حقيقياً يخلصنا من الهيمنة الأمريكية الصهيونية التي إستمرت في الإعتداء علينا طوال أكثر من 76 عاماً، ابتزتنا خلالها وقامت بسرقة نفطنا وثرواتنا الطبيعية.
وفي هذا السياق يتبين بشكل واضح بأن المملكة العربية السعودية قد اتخذت قراراً بإطلاق تحركات وخطوات إستباقية لتبريد المنطقة وتفعيل التواصل بين ضفتي الخليج العربي، فها هو رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية الفريق أول الركن فياض الرويلي يحط الرحال في طهران على رأس وفد عسكري رفيع المستوى ليجتمع مع رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية الجنرال محمد باقري والمسؤولين الايرانيين في محاولة لتسكين الأوضاع المضطربة وتهدئة الخواطر المتوترة على خلفية العدوان الغاشم الذي تشنه دولة الإحتلال على فلسطين ولبنان، فهل تنجح السعودية في سحب البساط من تحت أقدام أمريكا وتعطل مسار الحروب المستعرة من جديد، بتغليب أصوات ومنطق الحوار للحفاظ على مصالح دول المنطقة ومستقبل شعوبها وليس أحادية المنطق الفج المتجبر للصهاينة ذلك ما ستجيب عنه الأيام القادمة.