بقلم : عبد النبي العكري
ينتصب في جزيرة ليبرتي المواجهة لميناء نيويورك تمثال الحريه الشهير والذي يستقبل القادمين الى الولايات المتحده من جهة البحر شرقا . والتمثال وهو من النحاس عبارة عن امرأه تماثل الهة الشمس ألرومانية بلباس روماني وعلى راسها تاج يماثل الشمس وتمسك بيدها اليمنى المرتفعة شعلة الحرية وتقبض بيدها اليسرى كتاب مكتوب عليه بالرومانية 4 يوليو 1776 ، وهو تاريخ استقلال الولايات المتحده الأميركية عن بريطانيا وتدوس برجليها على الاغلال المحطمه كرمز لنهاية العبودية. كما انه منقوش في قاعدته مافحواه "تعالو أيها الهاربين من القمع والخوف والظلم الى العالم الجديد حيث الحرية والأمان ".
وقد نصب التمثال في 28 أكتوبر 1886, وهو من تصميم الفرنسي فيردريك بيرتهولد وتنفيذ غوستاف ايفيل وهو هدية من الشعب الفرنسي الى الشعب الأميركي بمناسبة مرور ماءه عام على الاستقلال ونهاية الحرب الاهلية بتحرير العبيد في اميركا في عهد الرئيس لنكولن.
منذ إقامة تمثال الحريه وهو يرمز الى ترحيب اميركا بالمهاجرين من مختلف أنحاء العالم الهاربين من القمع والتمييز والاضطهاد والفقر والباحثين عن الحرية والأمان وفرص التقدم في العالم الجديد.ولذلك عرفت أميركا بانها امة من المهاجرين يجمعهم الحلم الأمريكي بفرص غير محدوده .ولا تزال الولايات المتحدة اكبر بلد مستقبل للمهاجرين ومن يتم منحهم الإقامة الدائمة والجنسية الأميركية وكل من يولد باميركا هو اميركي تلقائيا.
بالطبع فالامر الان ليس بهذه الصبغه الوردية والاحلام الجميله الان وقد تغيرت أمور كثيره . وتظهر نتائج الانتخابات الأخيرة وفوز دونالد ترامب بالرئاسة وعودته السريعه للبيت الابيض وفوز الحزب الجمهوري بالاغلبيه في الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب ,استنادا لبرنامج ترمب اليميني فرصه لمراجعه الحلم الاميركي .
ترمب واستعادة أميركا العظيمه
مثل انتصار دونالد ترمب على كاميلا هاريس وفوزه بالرئاسة باغلبيه ساحقه لاصوات المجمع الانتخابي واصوات الناخبين الاميركيين مفاجأه ومخالفة لتوقعات المختصين وكذلك استطلاعات الرأي العام التي كانت نتائجها متقاربة جدا.ولقد خبر الشعب الأميركي ترمب في فترة رئاسته الأولى خلال 2017-2020 والتي خسر بعدها منافسا جو بايدن واعتبرها كثير من المحللين انها فترة استثنائية لن تتكرر والتحذير من خطورة عودة ترمب على النظام الديمقراطي الأميركي وعهد نذيرا بالاستبداد. لكننا نعرف الان ماحدث, وان ترمب سيكمل مابدأه في رئاسته الأولى ولكن على نطلق أوسع واعمق بكثير في ضؤ مايعتبره تفويضا قويا من الشعب الأميركي لبرنامجه والذي هو جوهر برنامج الحزب الجمهوري بقيادته دون منازع
ولقد عبرت قيادات الحزب الجمهوري وقياده الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ والقيادة المرتقبه بمجلس النواب عن دعمهم وولائهم للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وبدوره فان ترمب عمد الى اختيار الوزراء (سكرتيرين بالتعبير الأميركي) وكذلك كبار مساعديه استنادا الى معاييره حيث يحتاج معظمهم الى موافقة الكونجرس بمجلسيه وهي مضمونه , كما انه ومن خلال أعضاء ادرته سيستبدل من يريد من بين حوالي 3500 موظف فيدرالي .
طرح ترمب الشعار المركزي لحملته الانتخابية "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"و وأميركا أولا" واستنادا اليه صاغ برنامجه في شعارات ومواقف مختزله واهمها ما يتعلق بالهجرة والتوطين وضريبة الدخل والضرائب على الواردات وتحفيز الاعمال للاميركيين واطلاق صناعه الطاقة النفطية وكذلك استرجاع موقع اميركا القيادي في العالم عسكريا وسياسيا واقتصاديا .
ماذا تعني السياسات والتعيينات
خلال حملته الانتخابية عبر دونالد ترمب عن رؤيته للسياسات التي سيتبعها اذا فاز بالرئاسة والتي تعتبر غير اعتيادية في السياسات التي طبعت النظام السياسي الأميركي, وقد جرى إقرار برنامج الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسه والكونجرس في مؤتمر الحزب الجمهوري في وسكنسين في أغسطس 2024 لتثبيت ترشيح دونالد ترمب ونائبه جورج فانس (الإنجيلي) كمرشحين عن الحزب الجمهوري للرئاسه. والملاحظ ان جميع من نافسوا ترامب في الانتخابات التمهيدية للترشح عن الحزب الجمهوري ,قد التحقوا به خلال حملته الانتخابيه لاحقا وايدوا اطروحاته وعبروا عن ذلك في مؤتمر الحزب الجمهوري.
بعد فوز ترمب بالرئاسه في 5 أكتوبر 2024,عمد الى إقامة احتفال بالنصر في مقر اقامته في بالم بيتش بفلوريدا مساء اليوم التالي حيث عرض ابرز مرتكزات برنامج حكمه بأحداث تغييرات جوهريه للسياسات الداخليه والخارجية وبنية الدوله الفدرالية. وفي مقابلات لاحقه هاجم مايعتبره الدوله العميقه وضروره تفكيكها وكذلك البيروقراطية الفدراليه وضروره تقزيمها وتخفيض ضريبة الدخل وتشجيع انتاج واستهلاك النفط والغازوالغاء قيود البيئه والتشدد في الحق في الإجهاض والتحول الجنسي ولامركزية التعليم .وفي السياسة الخارجية فانه سيعمل لتحميل الحلفاء في الناتو والأصدقاء الأعباء المالية لحمايتهم وامنهم والعمل لانهاء الحرب في اوكرنيا بصفقة غامضة وانهاء حرب الشرق الأوسط بتسوية لصالح "إسرائيل" وتصفية القضية الفلسطينية وانهاء محور المقاومة بقياده ايران وإجراءات عقابية ضد الصين وغيرها من القضايا.كما لايخفي ترمب عزمه على إزاحة من يخالفونه والانتقام ممن نازعوه.
في اختياره للوزراء والمسؤؤلين والمساعدين فان ترمب يأخذ بالاغتبار الأول ولاءهم له شخصيا والموافقة دون تحفظ على برنامجه وسياساته . ومن هنا فان عدم كفاءه وقله خبره العديد منهم نتيجة طبيعية .كما ان القاسم المشترك لاختيارات ترمب فهو صهيونيتهم الفاقعه وتاييدهم "لإسرائيل" ولو على حساب المصلحة الأميركية القوميه كما ان شعاره "اميركا أولا"يعني تخليها عن التزاماتها بالشرعية الدولية والقانون الدولي ومصالح الاخرين, كونها الدولة العظمى الأولى في العالم.كما لوحظ ان عددا ممن اختارهم ينتمون الى طبقته من كبار الأغنياء ومن مولوا حملته الانتخابية.
تعتبر الهجره من اهم مافي برنامج ترمب الداخلي وقد وعد بالقيام بأكبر عملية ترحيل في تاريخ امريكا .اما الوزيرين المختصين مباشره بشؤؤنها فهما وزير الداخليه ومدير الهجره . اختار ترمب كريستي ناؤؤمي ,حاكم ولاية داكوتا الجنوبية كوزيرة للداخلية وهي من اهم داعمي ترمب .كما اختارترمب توم هومان مدير الجمارك السابق كمسؤؤل مطلق الصلاحية للهجرة .والمعروف عنه تاييده للترحيل الجماعي بما في ذلك ترحيل العائلات بأكملها بمن فيهم الحاملين للجنسية الاميركيه من أبناء المهاجرين غير الشرعيين او ممن يجري تسويه أوضاع اقامتهم .
اختار ترمب منافسه السابق في سباق الترشح واشد متقديه والذي تحول الى داعم متحمس, ماركو روبيو وزيرا للخارجيه وهو من الصقور ومؤيد متحمس "لإسرائيل " ولانهاء حرب أوكرانيا ومناهض متشدد للصين وايران .
وفي تأكيد لمقولة "اميركا أولا" فقد اسند وكالة حماية البيئه الى لي زيلدن الذي اكد على دعم انتاج اميركا مصادر الطاقة من النفط والغاز لانعاش الاقتصاد الأميركي وإلغاء القيود للاعتبارات البيئية .
كافأ ترمب ايلسي ستيفك عضوه لجنه التعليم بمجلس النواب التي استجوبت رؤساء ابرز الجامعات الأميركية التي شهدت احتجاجات واسعه وتسببت في اقالتهم كسفيرة له في الأمم المتحده وهي من غلاه المؤيدين لقمع الاحتجاجات الطلابية ودعم "إسرائيل".
وكافأ ترمب مديره حملته الانتخابيه التي اوصلته للفوز سوزي ويليز مسؤؤله اداره البيت الأبيض وما يعنيه من تنظيم اعمال الرئيس عن قرب.
اما روبرت كينيدي الابن والذي انشق من الحزب الديمقراطي وخاض انتخابات الرئاسة مستقلا , وفي نهايتها اعلن تاييده لدونالد ترمب وحث أنصاره بالتصويت لترمب ,فقد كافأه بتعيينه وزيرا للصحه ,رغم انه ممن انكروا وباء كوفيد ويفتقد للكفاءة.
وجاء تعيين ترمب لاحد مناصريه النائب بات جيتز .والمتهم بالتحرش والتجارة الجنسيه بالأطفال حيث خضع لتحقيقات وزاره العدل لسنتين , لمنصب الادعاء العام المسؤؤل الأول لانفاذ القانون .لتحدث هزة مدوية,ولكن ترمب يتوقع منه الغاء القضايا المرفوعه ضده في المحاكم وملاحقة خصومه.
ولتحجيم الاداره الفيدرالية فقد عهد الى كل من البليونير ايلون ماسك والمليونير فيفك رنمسواري , منافسه السابق في الترشح والملتحق به ,باداره جديدة هي دائره تقييم الكفاءه الحكومية لاقتراح الغاء ماتراه من مؤسسات ووظائف فدراليه,ويرى ترمب ضرورة لالغاء وزاره التربية.مثلا.كما ان ماسك سيحقق لشركاته للفضاء والسيارات الكهربائيه مكاسب خيالية من أموال الدولة .
لكن المفاجأة الأكبر هي اختيار ترمب بيت هاجس لوزارة الدفاع وهي اهم واخطر وزاره . بيت هاجس هذا انجيلي متعصب وبالتالي صهيوني عقائدي مؤمن بوجود "اسرئيل" الكبرى واقامه الهيكل على انقاض المسجد الأقصى يسبق قيام المسيح مجددا. بيت هاجس ضابط سابق شارك في الحرب في العراق وأفغانستان وما رافقها من جرائم ثم التحق بفوكس نيوز واستضاف ترمب عدة مرات ثم تطوع في حملته الانتخابية وكافأه ترمب باختياره وزيرا للدفاع .
اختار ترمب جون راتكليف وهو مدير سابق للامن الوطني خلال ولايه ترمب الأولى كمدير لوكاله المخابرات المركزيه وقد سبق ان فبرك اتهامات ضد هيلاري كلنتون منافسة ترمب.
ومن اغرب التعيينات اختيار ترمب لستيفىن ويتكوف المليونير والمشتغل في العقارات ومن اكبر الممولين لحملة ترمب ممثله للشرق الأوسط في مؤشر لسياسه حلب الا صدقاء الخليجيين.
وبشكل استثنائي اختار ترمب الضابط السابق في القوات الخاصه مابك هوكابي وهو انجيلي مؤيد متشدد "لإسرائيل" سفيرا له في للكيان الصهيوني كمؤشر خطير لدعم حروبها العدوانية.
كما اختار ترمب مايك والز السناتور عن فلوريدا والضابط السابق للقوات الخاصه كمستشار للامن القومي وهو مركزحساس ومقرر السياسة الأمنية ويؤيد بحماس مواقف ترمب تجاهها
وبالنسبة للسياسة الحمائيه في مواجهة الصين ولاتحاد الأوربي وغيره فقد اختار لوزارة التجاره لندا ماكمهون المتحمسة لذلك .
واناط ترمب مسؤؤلية الملف الإيراني وتبعات محور المقاومة بنائبه جورج فانس الإنجيلي المتحمس والذي خدم في القوات الأميركية في العراق.لكن الغريب هو ان اول اتصال بين الطرفين تم في لقاء سفير ايران في الأمم المتحدة وايلون ماسك.
مرحلة خطرة لاميركا والعالم
ماعرضناه بعض من برنامج وسياسات ترمب وادارته المرتقبه وكذلك اهم تعييناته لادارته ومساعدية وهي تثير المخاطر لاميركا والعالم في ظل سيطرة ترمب والحزب الجمهوري على الرئاسة والسلظه التشريعية وضمان المحكمة الفدرالية العليا ,وهيمنة أمريكا على المعسكر الغربي في ظل نظام عالمي يفتقد الى محور مجابه للتحالف الغربي.لكن السياسات المتطرفة واللاعقلانية والاستبدادية ستقود الى تفجر الصراعات في اميركا ذاتها وتعمق الخلافات في المعسكر الغربي ,مع صعود دول أخرى مثل الصين وتشكل تحالفات مثل بريكس.انها بالتأكيد مرحلة جديده.