"سلطة رابعة" أم "سلطة خضرا"
بقلم – خالد جناحي*
استقبلت مائدة الثقافة البحرينية خلال الأسبوعين الأخيرين "وجبتين شهيتين" للغاية لكل محبي الفكر الراقي والمنطق المستنير والهوية العربية الأصيلة غير المخلوطة بالمشروعات الأجنبية، حيث استضاف نادي العروبة الدكتورة خولة مطر في ندوة كانت ذاخرة بالمعلومات القيمة والآراء المستقيمة المصوبة بدقة نحو أهدافها باستخدام أحدث تقنيات "الذكاء الإنساني النبيل"، واستضاف مركز الشيخ إبراهيم الثقافي البحرين الإعلامي المصري المحبوب الودود "محمود سعد" في سهرة ثقافية لم تخلو من العديد من التلميحات المهمة التي أرسلها سعد على طريقة و"كل لبيب بالإشارة يفهم" في محاضرة عنوانها (حرية الإعلام، من الأوّل للأخر).
وبرغم من لطف الإعلامي الكبير محمود سعد وطريقة سرده المسترسلة العذبة وحكاياته التي لا يمل من سماعها، فإن ندوة الدكتورة خولة مطر حازت بشدة على اهتمامي واستأثرت بشغفي طيلة فترة الندوة التي أخرت "سفرتي" خارج البحرين خصيصا لحضورها، د. خولة كعادتها كانت مرتبة الفكر، واضحة الأهداف، حاضرة الذهن، رصينة الكلمة واستطاعت أن تقود الحضور لرؤيتها في هدوء وبمنطق استحقت بفضله أن تصل إلى مكانتها الرفيعة في منظومة الإعلام البحريني والإقليمي والدولي.
وفي الواقع أن المحاضرة تستحق كل الاحترام بما احتوته من أمثلة حية وبراهين عديدة استطاعت من خلالها أن تقودنا الدكتورة خولة لاستنتاجات في غاية الأهمية يأتي على رأسها الأتي توضيحه:
أولاً: أثبت الإعلام الغربي بكل جدارة أنه إعلام غير محايد بالمرة ابتداء من 7 أكتوبر 2023م وسقطت عنه أخر ورقة توت قد اصفرت إصفرارا من كثرة الكذب ليظهر عورته جلية للجميع بلا أدنى خجل أو حياء، إعلام يصر على الكيل بألف مكيال ضد قضية فلسطينية وعربية عادلة ويمنح للصهاينة كل ما يكفل لهم التمادي في الظلم والإجرام، والتبجح بقتل الأبرياء.
لقد أكد الإعلام الغربي أنه "أداة حرب" بكل وضوح والأكثر أنه "أداة للتكسب وجمع المال" على حطام الأخلاق والمباديء الكاذبة والشعارات الزائفة التي تروجها قوى الغرب يوميا بكل تبجح، لقد خلق السابع من أكتوبر حاجة ماسة وصادقة إلى إعادة نظر في العديد من المفاهيم الدولية، والقانون الدولي وحقوق الإنسان والحيادية ومفهوم الإعلام الغربي المستقل الذي طالما تشدقوا به، ومفهوم "الصورة الصادقة" بعد التزوير الذي رأيناه، ونحن فعليا كأمة عربية وشعوب العالم النامي بحاجة الى نظام عالمي جديد، لقد سقطت أكثر من مؤسسة أممية بعد السابع من أكتوبر 2023 ، بما في ذلك مجلس الأمن والأمم المتحدة، ويجب أن تكون هناك مراجعات حقيقية عن تلك المفاهيم والتحولات، لاسيما بعد ان ساهمت تلك المنظمات بدعم من دول بعينها في إسقاط خمس دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، ومع صمت مريب ومشاهدة الدول العربية الكبرى التي لها حدود مع إسرائيل، والأدهى أن الصمت تحول لاحقا إلى دفاع عن مصالح العدو أو منع وصول المساعدات لأهلنا في غزة.
ثانيا: برغم من كل هذه الآفات التي أصابت الإعلام الغربي في "خطابه الخارجي" فإنه لا يزال يمارس دوره الرقابي "الداخلي" بمنتهى الشراسة والحسم ويمارس سلطاته تحت عباءة مصطلح "السلطة الرابعة" بكل قوة ومهنية، أما غالبية الإعلام العربي وللأسف الشديد فقد أصبح على المستويين داخليا وفي تناوله لقضية الإبادة الجماعية في غزة صم بكم لا يفقهون، لا يمارسون أي دور على الإطلاق باستثناء التطبيل والسير في ظلال المصالح وإن كانت بالكذب والتضليل للواقع، لا يمارس هذا الإعلام المنبطح أي "سلطة رابعة" أو خامسة، بل أصبح طبق "سلاطة خضرا" على مائدة صاحب المصلحة أيا كان من هو وبكل أسف.. وسقط دوره وتأثيره الدولي والإقليمي سقوطا مدويا، مثلما سقط دوره محليا في التوعية والتنوير وكشف الحقائق والتماس احتياجات الشعب، ولا أدل على هذا السقوط أكثر من "تجاهل" جميع الصحف البحرينية بلا استثناء واحد ندوة إعلامية ثقافية فكرية متميزة تلقيها شخصية بقيمة الدكتورة خولة مطر، حتى أن خبرا واحدا ولو مقتضبا في أي صحيفة محلية لم ينشر!!
ثالثا وأخيرا: وهو ما يقلقني أنا شخصيا أن بعضا من إعلامنا العربي بات ممولا من "جهات غربية" عليها آلاف من علامات الاستفهام، تحت مسميات الدعم والمشروعات الغربية للتنوير والتثقيف وغيرها من مسميات "زائفة" تصب جميعا في خانة توجيه "الوعي الشعبي العربي" نحو اتجاهات بعينها على رأسها تغيير البوصلة عن عدونا الواضح المعلوم منذ عام 1917 إلى عداوات أخرى بديلة بمسميات ومسببات مختلفة.. هذا الإعلام أصبح متناسيا أن هذه الجهات التي تدعمه هي من تدعم أيضا المذابح في غزة ولا تخجل من دعم أي قضية ضد مصالح الشعوب العربية والإسلامية.
ومع صعود "السوشيال ميديا" ومنصات التواصل وتأثير المواقع الإلكترونية باتت هناك خطورة حقيقية ومشكلة فعلية في "وطنية هذه المواقع" ودورها الحقيقي، خاصة إذا بلغ الأمر بأحدهم أن ينسق مع إحدى السفارات الغربية في بلده ويحصل على الدعم "عيني عينك" في وضح النهار!!