بقلم – خالد جناحي*
"ماكلارين" ليس كما يعتقد البعض فريق سيارات فقط، وإنما في الأساس هي شركة لصناعة السيارات الرياضية المتطورة، ومجموعة ماكلارين "ماكلارين جروب" تمتلك عدة شركات تابعة وشقيقة لكن أهمها على الإطلاق "ماكلارين أوتوموتيف" المتخصصة في صناعة سيارات السرعة الفارهة والمتطورة، و"ماكلارين ريسنج ليمتد" التي تملك "فريق ماكلارين لسباقات السرعة" وتمتلك فيها الشركة الأم "ماكلارين جروب" نسبة 70% وحساباتها تدرج في المجموعة كشركة "شقيقة" وليست "تابعة".
وتأسست ماكلارين بشراكة بين بروس ماكلارين ورون دينيس عام 1963 ، ويعد اسم المجموعة من بين الأسماء الأكثر شهرة في رياضة السيارات البريطانية، وخلال نصف قرن من التنافس في الفورمولا 1، فازت ببطولة الصانعين ثماني مرات، في حين كان من بين سائقيها أساطير ونجوم في هذا السباق أمثال ميكا هاكينن، لويس هاميلتون، آلان بروست وآيرتون سينا.
وتشتهر بطرازاتها المستوحاة من سيارات فورمولا-1 ولكنها مخصصة للطرق العادية.. واستطاعت ماكلارين على مدار تاريخها أن تنتج العشرات من السيارات الخارقة التي تجوب العالم سواء بإنتاجها الخالص، أو بالتعاون مع شركاء آخرين لعل أبرزهم فورد الأمريكية ومرسيدس بنز الألمانية.
أما صندوق الثروة السيادي "ممتلكات" فكما هو معروف لجميع البحرينيين قد تأسست بموجب مرسوم ملكي في عام 2006 وتملك حكومة المملكة جميع أسهمها، وتشمل محفظتها الحالية استثمارات في قطاعات متنوعة مثل مجموعة ألياستر، ألومنيوم البحرين (ألبا)، شركة البحرين للاستثمار العقاري (إدامة)، شركة البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية (بتلكو)، مجموعة انفيروجن، مجموعة فاي للطيران، جالف كرايو، مجموعة ماكلارين، بنك البحرين الوطني، ومجموعة بريمو.
ويشير معهد صناديق الثروة السيادية إلى أن صندوق ممتلكات يمتلك أصولاً بقرابة 18.3 مليار دولار تحت إدارته حتى أكتوبر تشرين الأول 2023.
ولكن لماذا أقدمت "ممتلكات" على الاستثمار في هذه الشركة تحديدا ؟ ولماذا ترغب حاليا في التخارج حسب ما تناقلت الصحف الاجنبية ؟
في صيف 2007 تم الإعلان عن الصفقة الأولى حيث استحوذت "ممتلكات" على نصف حصة كلا من رون دينيس رئيس فريق ماكلارين والمستثمر السعودي السوري الأصل منصور أكرم عجة رحمه الله ، بنسبة 15% لكل منهما.. وأوضحت تقارير صحافية في حينها أن هذا البيع أحبط عرضا قدمه فريق "ديملر مرسيدس" الألماني الذي يمتلك 40% من ماكلارين لشراء الفريق البريطاني ككل.
ومن بعد 2007 بدأت حصة ممتلكات في تزايد مستمر حتى بلغت حصة أغلبية في الشركة بنسبة 80% تقريبا كما أعلن في 20 ديسمبر الماضي 2023، وأخيرا تم الإعلان عن استحواذ ممتلكات على نسبة 100% من "ماكلارين" في خطوة كانت متوقعة من أغلب المحللين الاقتصاديين، لتعزيز فرص شراكاتها المستقبلية وتمكينها من المواصلة أو بيعها والتخارج منها كليا أو جزئيا.
تأثيرات جائحة كورونا
أثبت الوباء أنه يمثل المشكلة الأكبر لمستقبل الشركة، وعلى الرغم من أن شركة ماكلارين حققت هوامش ربح عالية للغاية على كل سيارة أنتجتها خلال فترة ما قبل كورونا، إلا أن أرقام إنتاجها المنخفضة كان لها تأثير مبالغ فيه على النتيجة النهائية، لذلك عندما ضرب فيروس كوفيد، لم يكونوا في وضع جيد للتعامل معه، مما أفسد خططهم بشكل كبير.
أدت عمليات الإغلاق أثناء الجائحة إلى إصابة سلاسل التوريد بالشلل، مما ترك شركة ماكلارين تعاني من نقص رقائق الكمبيوتر التي تتحكم في كل شيء من مكيفات الهواء إلى الوسائد الهوائية، وانخفضت أحجام المبيعات من 4662 سيارة في 2019 إلى 1659 في 2020.
وفي الوقت نفسه، كان الإطلاق المتوقع على نطاق واسع لأول سيارة هجينة من شركة ماكلارين "أرتورا" يعاني من التأخير، وعندما وصلت السيارة إلى السوق في عام 2022، اضطرت شركة ماكلارين إلى إجراء سلسلة من عمليات الاستدعاء بعد انقطاع كبير في سلسلة التوريد للمكونات الحيوية، وهو ما أصاب السيارة ببعض الخلل التقني.
جفاف السيولة
وبالفعل تأثرت الشركة بشدة بتبعات جائحة "كورونا" التي بطأت عمليات التطوير والإنتاج، ولم يكن لدى ماكلارين المرونة الكافية للتعامل مع نقص السيولة الشديد، لذلك دعت "أصدقاءها الأثرياء في البحرين" حسب بعض الصحف العالمية، حيث قادت "ممتلكات" حملة لجمع مساهمات بقيمة 300 مليون جنيه إسترليني من المساهمين في عام 2020.
لكن الشركة كانت لا تزال بحاجة إلى المزيد، فتم ضخ مليار جنيه إسترليني أخرى في عام 2021، بتمويل جزئي من خلال بيع وإعادة استئجار مقرها الرئيسي في ووكينغ.
مرة أخرى، بدأت الأموال في الجفاف، وفي عام 2022، جمعت مبلغًا إضافيًا قدره 225 مليون جنيه إسترليني من المستثمرين، جاء بعضها من بيع مجموعة سيارات ماكلارين التراثية، والتي تضمنت سيارات يقودها أيرتون سينا، وآلان بروست، ونيكي لاودا، وميكا هاكينين، وكذلك تلك التي منحت لويس هاميلتون أولى بطولاته العالمية، وكانت قيمتها نحو 35 مليون جنيه إسترليني.
وفي كل مرة كان "جفاف السيولة" ساهمت ممتلكات بنصيب الأسد في رواية عطش "ماكلارين"، ومنذ بداية العام الماضي، كثفوا جهودهم لضخ مبلغ إضافي قدره 480 مليون جنيه إسترليني للحفاظ على استمرارية الأعمال.
وفي غضون سنوات قليلة، تمكنت ممتلكات وزملاؤها من المساهمين من جمع مبلغ يقارب 1.5 مليار جنيه إسترليني.
ويبقى السؤال كيف الخروج من "تراك ماكلارين" وهل كان السباق رابحا أم لا ؟؟
.. يتبع