لوجه الله رجل وإعلام و”غرفة”
بقلم : اسامة مهران
يبدو أننا سنكون أمام مرحلة جديدة من تاريخ غرفة التجارة والصناعة، مرحلة مفعمة بمفترق طرق سببه التعاطي الإعلامي غير المحترف مع قضايا القطاع الخاص، بل ومع النواقص المشتتة والتي تؤرق مخادع التجار.
الحكمة كانت طوال نحو 80 عامًا هي ما يتميز به الخطاب الإعلامي لأعرق غرفة تجارة وصناعة بمنطقة الخليج، كان هذا الخطاب محترفًا بما فيه الكفاية عندما كان يترأس لجنة العلاقات العامة والإعلام بالغرفة منذ ثمانينيات القرن الماضي تاجر شاب كفؤ خبير له قدرات خاصة في التعبير عن شئون وشجون الشارع التجاري.
الرجل كان وزير العمل والشئون الاجتماعية ووزير الدولة الأسبق السيد عبدالنبي عبدالله الشعلة، خلال تلك الفترة كان السيد الشعلة شعلة نشاط، وكانت غرفة التجارة والصناعة تتحدث رغم ثقلها في ذلك الوقت عن “الثقل” الذي ضاع، وعن الدور الذي لم تعد تلعبه، كانت الحرية منضبطة ومسئولة وقديرة، وكان الإعلام محترف ويضم مجموعة من الصحافيين البحرينيين الأكفاء، هم الزملاء: خليل يوسف رضي، وعبدالهادي مرهون، وغيرهم من الشباب البحريني الذي يستطيع أن يتحدث بكل طلاقة عن أنشطة الغرفة، عن انتخاباتها، وعن ذلك المرفق الديمقراطي الحيوي، كانت غرفة التجارة تُدار إعلاميًا من خلال ماكينة دوراة بعلاقات شديدة المرونة بين مجلس إدارة بقامات لا تُنسى، ولجان فرعية على أعلى درجة من المهنية والتخصص، ثم بإدارة واعية تعرف مسئولياتها بدقة، وتتحمل هذه المسئوليات بكل شجاعة واقتدار، ولدرجة أن أعلى سلطة في الدولة كانت تتابع كل شاردة وواردة تخرج إلى الصحافة وتتعلق بهذه الغرفة العريقة.
في ذلك الوقت كانت الأخبار التي يأتي إلينا بها السيد الشعلة بوصفه أحد رواد التنوير والإفصاح الذي يعتمد بكل صراحة على التعبير عن الشارع التجاري والمجتمع المدني بشكل كبير، كان لا يمر اجتماع لمجلس الإدارة إلا ويخرج لنا بتفاصيل هذا الاجتماع، ومن خلال مؤتمر صحافي أشبه بالمؤتمرات الصحافية العالمية، كان شجاعًا في تقبل أسئلة الصحافيين أيًا كانت هذه الأسئلة، لم يكن متواريًا خلف الأسوار يتحدث بلهجة الخائف من تصريح، أو المتوتر من إعلان خبر، كان واثقًا من نفسه ومن غرفته، ومن رجاله الذين يعملون من أمامه ومن خلفه.
ومضت السنوات متسارعة، كل مسئول يذهب في طريق، البعض وافته المنية، والبعض الآخر من روادنا التجار أحال نفسه إلى التقاعد حتى يفسح المجال لجيل جديد يستطيع أن يكمل المسيرة، ويواصل المشوار.
رغم ذلك الاستغناء من الرواد، ورغم الوضع الذي وصلت إليه غرفة التجارة والصناعة في تلك “الزمانات”، إلا أن دوام الحال من المحال، وأن الرجال لا يتكررون، والقامات لا يتم توارثها بمرور الزمن، أصبحت الصحافة والتصريحات عبارة عن بيانات متخفية خلف جدران شديدة التواري خلف الأحداث، كانت الغرفة تمضي بخطى متسارعة أمام هذه الأحداث، وكانت قادرة على التعاطي والتعاون مع مفرداتها وآلياتها، وكان القطاع الخاص قديرًا وقادرًا على النفاذ إلى القرار الحكومي ومؤثرًا فيه ومتشاركًا معه، وكانت عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي هي مسئولية القطاعين العام والخاص تمضي بمشاركة إيجابية وتفاهم خلاق بين الجانبين.
وها نحن اليوم على بُعد أكثر من ثلاثين عامًا من هذا الوضع الشامخ لأعرق غرفة تجارة في منطقة الخليج، نعود للسؤال المتكرر: هل نحن كما كُنّا، أم أننا لم نعد مثلما كُنّا؟