رجب : اتفق مع السلطان قابوس بان ثورة ظفار احدثت نقلة التغيير في عمان
النعال احد أسباب هروبي من صلالة للعمل في الكويت ثم انضمامي للثورة
كتب – محمد الغسرة
في لقاء سريع أجرته " دلمون بوست " مع احد مفجري ثورة ظفار عام 1965 رجب جمعان عبد ربه او ما يدعى "رجب بن قرع " ، تحدث فيه قصة حياته قبل مغادرته صلاله خوفا من السلطان سعيد بن تيمور حتى عودته قبل سنوات الى بلاده .. لندعه يتكلم عن نفسه "
الطفولة والتعليم
كان عمري سبع سنوات او ثمان عندما رأيت الطلبة يذهبون الى مدرسة السعيدية الوحيدة في صلالة وربما في عمان ،،، فذهبت الى المدرسة بهدف الانضمام لها بهدف التعلم ، لكن تم رفضي بقوة بسبب ان المدرسة مخصصة الى عائلة السلطان سعيد بن تيمور ال بوسعيدي والوجهاء والاعيان ، وأبناء الطبقة الحاكم من مسؤولين في الدولة وليس للجميع ، لاسيما انا من افراد الصبغة السمراء في ظفار التي تكون الطبقية اقسى علينا . صعقت من الخبر ، وجميع محاولات ابي فشلت في الانضمام الى المدرسة السعيدية .
من خلال البحث ، علمت بان هناك شخص محلي في صلالة يعلم القراءة والكتابة والدرس ، ومن خلال الوالد رحمه الله انضممت الى المدرسة وكنت اتعلم القراءة والكتابة والحساب والدين فيها.
درست القراءة والكتابة لمدة حوالي ثلاث سنوات واجتزت جميع المقررات المطلوبة، بعدها اتجهت الى العمل لطلب الرزق ، فعملت مساعد بناء ، ومن ثم بناء محترف في صلالة ، وقد ساهم التعليم في اجادتي لمهنتي الذي كنت واحد من بين القلائل ذوي الخبرة في البناء في هذه البلدة الجميلة .
بعد ان ذاع صيتي في المدينة علم ديوان السلطان سعيد بن تيمور بنبأ خبرتي في هذه المهنة كمحترف وباني وبعض البنائين الحرفيين الذين يمتهنون مهنة البناء لديهم مهارات لافتة في الانشاء والبناء،
كما صادف ذلك مع توسعة حصن او مباني سكن للسلطان او حاشيته ، مدنية وعسكرية داخل الديوان السلطاني .
فطلب منا العمل داخل القصر ، قسرا ، عبر السخرة ( وهو العمل مجانا داخل الديوان مقابل اكل ومشرب ومبلغ زهيد ) بحيث تعمل مقابل الاكل والشرب ( وجبة الغذاء فقط ) ، ولكنه قدم لنا ربع ريال عماني يوميا ، مقابل 4 ريال فرنسي نحصل عليه بالقطاع الخاص مع وجبتين فطور وغداء قبل ذلك ،،،
بعد التهديد والوعيد وعدم مخالفة أوامر رجال السلطان تم اجبارنا على العمل داخل القصر وبناء مرافق عسكرية بقرب القصر بصلالة ، هذا البناء قريب من مسكن قابوس السلطان اللاحق للسلطنة وهو نديدي في العمر ( مولدين في نفس السنة ) ، وكان الخيار العمل بالسخرة او السجن ، وكان الخيار الأول بلا شك.
قصة النعال
في يوم ما اثناء انتهاء العمل في القصر ، نسيت نعالي وذهبت للبيت ، ولم افتقده الا العصر بعد العمل ،،، فرجعت لاخذه من القصر الذي اعمل فيه بناءا ،،، لاسيما اني قد حصلت قبل فترة بسيطة على اذن رسمي بشراء سيكل ( دراجة هوائية ) ، واشتريتها من تاجر بانيان في صلالة بقيمة 60 ريال فرنسي بعد ان أسست نفسي كبناء محترف في صلالة.
عندما عدت الى القصر وجدت سعيد بن تيمور نفسه يتفقد البناء بعد رحيلنا عن العمل ، عندها ارتبكت وهربت ، وتمت ملاحقتي من قبل رجالاته،،، كنت ابحث عن النعال فقط ،،،
احترت في امري ، ماذا اعمل ، الشرطة الفداوية يعرفون بيتنا في صلالة ، والخوف من السلطان الشديد مع الجميع ،،، فهممت الهروب الى لا مكان !!! .
واثناء الهيام في صلالة وعلى اسوارها الخارجية ، واذا بوجهي ابن اختي في انتظار جماعة له خارج المدينة ، واذا به ومعه ثلاثة اشخاص بانتظار الرابع الذي ذهب ليمول بيته بالاكل والمال ، بانتظار رحلة الهروب من صلالة الى الخليج بحرا او برا او عبر الجبال والعمل في الخارج... تأخر الرابع فعرض عليا الرحيل معهم للعمل في الخليج .
كانت مغادرة الشخص بدون علم السلطان جريمة ، عقوبتها السجن ، او معاقبة الاهل اذا لم تمسك ، والهروب يعني المخاطرة ، بحر هائج وبرا صحراء قاحلة ، جبل عبورة صعب وقسوة ( لم تكن عقوبة مغادرة صلالة بدون موافقة وحدها ، بل شراء سيكل – دراجة هوائية – تحتاج رخصة ، شراء علبة دهن تحتج رخصة ، المشي في الليل بفانوس او ممنوع الخروج ... الخ من الموانع ).
نعم في تلك اللحظة من الخوف من المجهول والبحث عن العنفوان وخلق الشخصية والاستقلالية الكاملة ، كنت بديل الغائب الرابع في الفريق الراغب الهروب للعمل في الخليج عبر اليمن، وانطلقنا من منطقة تدعى " المغيسيل) عبر البحر الى منطقة المهرة اليمنية، ثم الى المحافظة الشرقية باليمن ثم الى عدن وبعدها الى الكويت .
بالصدفة وربما غير صدفة ، هناك شخص يدعى بن عقرير في منطقة المهرة بمدينة الغيضة اليمينة يصدر جوازات سفر حقيقية ولديه سلطة اصدار جوازات يمنية للمواطنين الذي يقطنون سقطرة ، فلا نعرف انها اصلية ام مزورة !! ، وهناك تشابه بين أهالي ظفار وأهالي جزيرة سقطرة اليمنية.
اصدر لنا الأربعة الهاربين من ظفار / صلالة جوازات بسعر الجواز الواحد 12 ريال فرنسي ، بعدها بشهر من الراحة والاسترخاء والبحث عن مواصلات سافرنا الى عدن ثم الى الامارات ثم الكويت .
ماذا اعمل في الكويت
تعددت الاعمال في الكويت ، كنت اعرف افك الخط ، لدي المام بالكتابة وهي ميزة ميزتني عن اقراني من الظفاريين في الكويت ، لكن ما تفيد امام خريجي المدارس حينها ، فاشتغلت صبي في احد المكاتب ، وكان عمري حينها 16 سنة وربما اكثر ،،، ومحاولة مواصلة دراستي ولكن اعالة نفسي الأهم في ذلك الوقت وكان ذلك عام 1963.
الكويت في عام 1963
كانت الكويت ذلك العام 1963 شعلة نشاط بعد الاستقلال بسنتين وكان اميرها الشيخ عبدالله السالم الصباح وبدء عمل المؤسسات الدستورية للدولة ، كما كانت بداية نشاط العمل الوطني الفلسطيني الذي انطلق لاحقا من الكويت ( حركة فتح ) ، وحراك خليجي قوي ، والحديث عن القومية وحركة القومين العرب، والقضية الفلسطينية ، ولامامة عمان مكتب بل سفارة في الكويت .. لاشك هذا الحراك يخلق نضج سياسي للمتواجدين في تلك الحقبة.
وكما هي عادة كل غريب هو البحث عن بلدياته او من هم من بني جلدته ، فطرأ الى سمعنا جمعية خيرية في الخليج تهتم بابناء ظفار ، في كل عاصمة من عواصم الخليج وهنا انفرجت الاسارير لاسيما ان هذه الجمعية تهتم بقضايا اهل ظفار ، فكانت مهمة الجمعية الأساسية هي ترتيب أوضاع الظفاريين في السكن والعمل والصحة والتعاضد فيما بينهم ونقل الرسائل والاخبار من البلاد .
كانت هذه الجمعية هي النواة الأولى الى جبهة ظفار الوطنية ،،،
انضمامي للجبهة
انضممت الى الجبهة ، وبدأت مرحلة التثقيف وإعطاء أهمية التغيير ، وبدأت بالتدريب العسكري في العراق ، ثم تم نقلي عبر الصحراء الى ظفار وهناك مع زملائي انطلقت الثورة عام 1965 وكنت احد مفجري الثورة . نعم كنت فخورا باني احد الذي اطلقوا شرارة الثورة ،،، الثورة التي أحدثت التغيير في ظفار بل في سلطنة عمان بطريقة او باخرى .
عملت في الجبهة في عدة قطاعات وأماكن قاعدية وقيادية ، اخرها كنت مسؤول مخازن الجبهة الأساسية من سلاح غذاء والات وغيرها ، وكنت من المبادرين في تأسيس مؤسسة زاهر التجارية ( زاهر احد شهداء الثورة ) ، مهمة المؤسسة الأساسي هو التمويل ، وتعمل في قطاع الأسماك وصنع الثلج والتجارة في الملابس في منطقة الملا والغيظة .وتم تحقيق اكتفاء ذاتي واعتماد الجبهة على نفسها في الأوقات الصعبة بسبب هذه المؤسسة التي حققت نجاحا مطلوبا.
العودة الى صلالة
وعندما قررت الجبهة عودة المقاتلين في ظفار الى صلالة، بعد برامج السلطان قابوس الإصلاحي وبعد العفو العام ، وبعد دعم وتوجيه من قوى السلام عدنا للوطن ونحن كنا في الوطن لكن في الضفة الاخرى .
عدت ومع الأسف لم احصل على عمل مناسب لي ( بعض العائدين لم يحصلوا على عمل واخرين حصلوا وترقوا وحققوا الكثير في قيادة البلد ) ،،، ورجعت الى عمل صيد السمك والوضع مستور ماليا الحمد لله .