حين ينتهي العشقُ يموتُ الشجر،حين تموتُ الوردةُ ينتحبُ الغصنُ،وحين تجفُّ القلوبُ تموتُ البيوت
في آخر النهارِ ينتهي الكلامُ، ويذبلُ العنب،
أيها العاشقُ لا تحزن،
هو آخرُ النهار، أولُ الهلالِ، وأولُ النجوم
شعر : فاطمة التيتون
( 101)
في لُججِ الموتِ يضيعُ القارب،
البحرُ الأعمى يتمنى لو يجدُ القارب،
والصيادُ اصطادَ الوهمَ، والوهمُ أعادَ القارب.
(102)
يقينٌ أن الوردةَ لا تفنى في آخر العمر،
وان الشمسَ لا تغيب.
في آخر العمرِ نعلمُ أن الفناءَ حياة، أن الحُلمَ حقيقة.
أن الأنهارَ لنا والأقمار،
ونعلمُ أن الطيورَ تنتظر، والفجرَ ينتظر.
(103)
نقتسمُ الحياةَ ولا نقتسمُ الموت،
تتبرأُ منا الأفراحُ، ولا يتبرأُ الحزن.
نسقي الزهورَ ولا نُسقى، نرجو غيثاً أو نهراً.
نُعطي الحبَّ، نروي الأشجارَ والمدى،
نكتفي بهمسةِ عطرٍ ولو عابرة، بفراشةٍ، بأُقحوانةٍ ولو ضامرة.
(104)
كان صوتُ الليلِ أجمل،
كان نومُ الوردِ مسكوناً ببعضِ النغمات،
كنتُ بين الليلِ والليلِ حنيناً لا يغيب. كان قلبي في الأنين،
بعد أن غادرتْ الليلَ الطيور، والمدى صارَ الخواء،
صرتُ ذكرى، صرتُ صمتاً يابساً،
صرتُ شكاً وانتظاراتٍ وحسرة،
في نشيجِ البحرِ نار، والليالي في متاهاتِ العذاب.
(105)
أخذتك التلالُ، ولم تستجرْ بالدُّجى،
لم ترتلْ أغنيةً، لم تنمْ، لم تستيقظ، أصبحتَ صمتاً أبدياً وخواء.
يا مَنْ ملكتَ ولم تملك، نزهةٌ وانتهت.
على خارطةِ الوقتِ الآن تكتبُ الهوى، تبددُ الخطى.
(106)
الدهرُ صارَ دُموعاً ملطخةً بالدُّجى، والوردُ لم يصل.
عرفنا الأسلاف، ولم تعرفنا،
بين الجدران تلاشينا، وتلاشى الزمن.
ربما كنا في قائمةِ الموتى، أم أننا نسكنُ في الحيِّ؟
أم يسكننا الشكُّ، والوردُ لم يصل.
(107)
في العصرِ، في انتظارٍ،
تعرفُ الشمسُ السرَّ والكتابةَ والحرف،
تدركُ ما فاتَ وما عادَ وما ضاعَ منها.
في العصرِ تنصرفُ الشمسُ للنفسِ، والوردُ يفي بالوعدِ، والياسمينُ يهتدي.
في الصفو، في العصرِ الطيرُ يهمسُ في الجهرِ،
آخرُ النورِ كان وأولهُ، آخرُ الحكاياتِ وأعذبها.
هو العصرُ، وهو باقةُ وعدٍ. يأتي خجولاً، يبثُّ آخرَ المُنى،
آخرَ الابتسامات والايماءات والنظراتِ وأحلى القصص.
(108)
أرى الليلَ يبكي، يتألمُ بين الساعات،
يندمُ، يأسفُ، يعللُ نفسه، في وحدةٍ ينزلقُ،
يكتمُ أسرارَه، في الصمتِ يهوي.
تسرَّبَ منه الضِيا، غابَ عن وجنتيه البدرُ.
فجأة صارَ وحيداً، يتلعثمُ بين حرفٍ وحرف،
في لُججِ الموتِ صار، وفي السديم غاب.
(109)
غصنٌ يأتي يتحرى الوقت، يعرفُ لونَ الشكّ،
وأطوارَ الذكرى، ينبشُ أسرارَ النفس،
يدغدغُ أوتارَ الفجر، ينتظرُ الطير،
يعرفُ سرَّ الثمرة، يعرفُ عشقَ الورقة.
غصنٌ يعانقُ الصِبا، يداعبُ الشمس،
كأنه الكلام، كأنه الشهد، كأنه الربيعُ والهدايا،
يشتهي البساتين، يُصغي للعُمر، يغني قبلَ الفجرِ، يصلي في العصر.
(110)
وحيدٌ لكنّهُ يتأججُ بالحُبِّ،
وهو أقربُ للموتِ، لكنْ ينبضُ بالشوقِ.
في الدُّجى صادفتْهُ الشمسُ، وانزوى خجلاً، لهفةً، وانتظاراً.
كان يدنو من القبر، لكنّه يُصغي للقلب، يترقبُ الدهشة.
(111)
حين ينتهي العشقُ يموتُ الشجر،
حين تموتُ الوردةُ ينتحبُ الغصنُ،
وحين تجفُّ القلوبُ تموتُ البيوت.
(112)
كأن الأماكنَ أشباح، كأن الصمتَ قصص،
وكأنما وجهي ضبابٌ، لا يراني لا أراه،
طابَ يومي، لم يطبْ، وتهاويتُ ولم ....
(113)
القهوة تروي العشق، تتهجّى الوَجد، تتلعثمُ بالحُبِّ،
لم أشتهِ القهوةَ تلك، لم أنتظرْ أن أتذوقها،
خلتُها مُرّةً كالأمس، لم أنتظرْ حُلوَها،
لم أرتشفْ منها، لم أعرفْ، وأخشى أن أعرف،
لا أحنُّ إليها، ولا يحدثني قلبي عنها،
ربما أرتشفُ المُرَّ منها، ربما تأخذُني للضجر، للبكاءٍ في غير الأوان.
(114)
حزنُ (الوفاءِ) حزنُ يغطي المكانَ، يملأ الزمن،
تتهاوى السُّحبُ فيه، والموجُ يفزع.
(115)
أيها العاشقُ في العشقِ توسّلْ، وتعبّد،
كنْ الكون، كنْ الوردَ والندى، كنْ البدءَ والمنتهى،
لا تتعثرْ إنكَ زهرُ الماسِ، لا تغفلْ.
(116)
في الجوعِ تبدأُ أيامُنا، ويكتهلُ العمرُ في الجوع،
نفزعُ منه، نجترهُ، نغرقُ فيه، ويغتالنا،
يلبسُنا، يقطنُ فينا، يراودُنا، يأكلُ منا.
جعنا، وجاعَ الدهرُ، واتفقنا على موتِ الطوى والرضا.
(117)
في آخر النهارِ ينتهي الكلامُ، ويذبلُ العنب،
أيها العاشقُ لا تحزن،
هو آخرُ النهار، أولُ الهلالِ، وأولُ النجوم.