فرض ضريبة متوقع على الشركات التي يزيد ربحها السنوي عن 1.3 مليون دولار في البحرين بينما الامارات مليون دولار
بقلم : الدكتور حسن العالي
يقصد بالسياسة المالية تحديد الدولة لمصادر دخلها وأوجه الصرف لهذا الدخل اي بإيضاح أكثر من أين يأتي الدخل وأي المصادر أهم وأين يصرف (الإنفاق الحكومي) وأي القنوات للصرف أهم. ويتم ذلك من اجل تحقيق الدولة لأهدافها الاقتصادية والاجتماعية وإنجاح سياستها الاقتصادية المتبعة.
وعند النظر لمصادر الدخل فأنها تتنوع من دولة إلى أخرى وتختلف أهميتها النسبية أيضاً من دولة إلى أخرى حيث بعض الدول تعتمد بشكل كبير على دخلها من الضرائب ولذلك تشكل الضرائب أهمية بالنسبة لها بينما دول كدولنا الخليجية يشكل البترول بالنسبة لها أهمية اكبر لأنه مصدر دخلها الأكبر .
ومثلما تستطيع الحكومة التأثير على الاقتصاد الوطني وإدارته باستخدام السياسة النقدية والتي يعتبر معدل الفائدة والخصم ومعدل الاحتياطي أدواتها، فأنها أيضاً تستخدم أدوات السياسة المالية من ضمن السياسة الاقتصادية العامة. وأدوات السياسة المالية هي الضرائب والإنفاق العام والدين العام أو الفائض .
والضرائب المقصود بها هنا كافة أنواع الضرائب مثل ضريبة الدخل وضرائب الشركات والضرائب الغير مباشرة مثل ضريبة المبيعات وضريبة القيمة المضافة وكذلك الرسوم الجمركية التي تفرض على السلع والخدمات سواء ما كان منها محلياً او خارجياً عند استيراده ، بحيث تفرض الدولة ضريبة او رسم معين لتحقيق هدف معين يخدم السياسة الاقتصادية للدولة مثل حماية صناعة وطنية مثلاً او إعادة توزيع الدخل القومي الحقيقي او ان الدولة ترغب في التأثير على وارداتها من السلع المستوردة بما يخدم سياستها الاقتصادية العامة.
كيف تحقق الدولة العدالة الضريبية
اولا: ثار جدل من القدم إن فرض الضرائب بصورة تحقق العدالة يجب أن يتزامن معه وجود نظام ديمقراطي يتيح المجال لدافعي الضرائب محاسبة ومراقبة الحكومة عندما تقوم بإنفاق أموالهم، كذلك أن يكونوا شركاء في اتخاذ قرارات أوجه صرف هذه الأموال من خلال ممثليهم في البرلمان لكي يضمنوا العدالة الضريبية.
ثانيا: لا يمكن تحقيق العدالة الضريبية في اقتصاد واقع تحت سيطرة سياسات ليبرالية لا تحقق العدالة الاجتماعية ولا تولي اهمية للإنسان بقدر ما تركز على المنافسة والربحية. العدالة ضريبية هي جزء من منظومة متكاملة لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
ثالثا: تتحقق العدالة الضريبية تتحقق في جانب موارد التحصيل:
لم تعد أهداف السياسة المالية في الأنظمة المالية الحديثة مجرد الحصول على المداخيل بصورة محايدة لتغطية النفقات وبمعزل عن مراعاة ظروف المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل أصبحت تهدف إلى ترتيب تأثيرات مقصودة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، ومن بين هذه التأثيرات إعادة توزيع الدخل وتقليص الفوارق بين الطبقات. وفيما يلي بعض الطرق لعلاج التفاوت في توزيع الثروة وتحقيق نوع من العدالة الضريبية عند فرض الضرائب :
- فرض ضرائب مناسبة على السلع الكمالية التي يكثر استعمالها من قبل أصحاب الدخول المرتفعة وتخفيف أو إعفاء السلع الأساسية التي يستهلكها الفقراء بقدر الإمكان؛
- فرض ضرائب تصاعدية على الدخل على الشركات والأفراد وفقا لحجم الارباح والدخل، فهذه الطريقة هي الشائعة عالميا.
- تجنب الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة التي تشمل الجميع دون استثناء
- منح الإعفاءات الضريبية لأصحاب الدخول المتواضعة (الحد الأدنى للمعيشة) ولمن يعول عددا كبيرا من الأفراد؛
- استحداث الضرائب المفروضة على التركات مع مراعاة بعض الظروف مثل مقدار التركة ودرجة القرابة بين الوارث والموروث وعدد الورثة؛
- إصلاح هيكل توزيع الثروات في المجتمع عبر فرض ضرائب استثنائية على أصحاب الثروات الكبيرة والأراضي الموقوفة بهدف الحصول على موارد إضافية لتمويل بعض أوجه العجز على المستوى التنموي و المساهمة بذلك في تحقيق التماسك الاجتماعي؛
رابعا: العدالة الضريبية في جانب اوجه الصرف والإنفاق
يمكن ان يكون للضريبة تأثير ايجابي على الاقتصاد والتنمية البشرية، ويمكن ان يكون لها تأثير سلبي وذلك اعتمادا على اوجه صرف ايراداتها
إذا كانت ستصرف على تسديد الديون او النفقات الجارية كالرواتب فلن يكون لها تأثير ايجابي بل قد يكون سلبي
لذلك يتوجب
- توجيه قسم من عائدات الضريبية لتقديم الخدمات العامة من قبل الحكومة التي ينتفع منها الجميع، كرفع جودة التعليم والخدمات الصحية والإسكان...الخ، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي من خلال منح الإعانات للعاطلين والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة، حيث غالبا ما تصرف هذه الاعانات من الضرائب؛
- أن يتم توسيع أوجه الصرف على البنية التحتية والمدارس والصحة ليشمل كافة مناطق البلاد ولاسيما المناطق الفقيرة والنائية والتركيز على تطوير هذه المناطق
- أن يتم التركيز في أوجه الصرف على تشجيع وتحفيز الأنشطة المولدة للوظائف للمواطنين وتقليل نسب البطالة
- أن يتم تخصيص جزء من إيرادات الضرائب للإنفاق على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب المهن الحرة ورواد الأعمال كونهم يمثلون الفئات الأوسع في الاقتصاد.
الضريبة على الشركات
كانت اغلب التوقعات تشير بالفعل إلى أن فرض ضريبة القيمة المضافة ما هو إلا البداية في توجه مستقبلي سيفرخ المزيد من الضرائب في البحرين، وهو ما نعيشه اليوم بالفعل.
وعلاوة على إقرار النواب مؤخرا فرض رسوم على تحويلات العمالة الاجنبية، ناقشوا مع الحكومة موضوع فرض ضريبة بنسبة ٥٪ على الشركات التي يزيد ربحها السنوي عن ٥٠٠ الف دينار ، وردت وزارة المالية عليهم بانها سوف تتقدم بمشروع قانون حول ضريبة الدخل على الشركات خلال الربع الاول من هذا العام.
لذلك، فهناك توجه واضح لفرض ضريبة الدخل على الشركات ربما ابتداء من مطلع العام المقبل.
وابتداء يتوجب القول ان التوجه لفرض ضريبة على الشركات هو توجه محمود، بل ومطلوب وجميع دول العالم تقريبا تطبقه بما فيه الدول الخليجية.
ان نسبة ال ٥٪ المقترحة هي نسبة قليلة بالمقارنة مع النسب العالمية، ولكن صغر حجم السوق المحلي قد يبرر انخفاض النسبة.
ان الحد الادنى لفرض الضريبة وهو ٥٠٠ الف دينار اي نحو مليون و٣٠٠ الف دولار هو مرتفع جدا. في الإمارات الحد الادنى لأرباح الشركات التي تستثنى من فرض الضريبة هو ١٠٠ الف دولار. لذلك في مقترح النواب في حال الاخذ به من قبل الحكومة سوف يؤدي إلى استثناء اكثر من ٩٠٪ من الشركات من فرض الضريبة ويحصرها في البنوك والمؤسسات المالية والشركات الكبيرة وعدد من الشركات المتوسطة. وهذا ايضا توجه لا بأس فيه بحصر الضريبة على الشركات الكبيرة ولكن اعتقد يجب تقليل الحد الادنى لكي يشمل شريحه اوسع من الشركات خاصة اننا نتحدث عن نسبة استقطاع متدنية.
نتفق ايضا مع الرأي القائل ان الضريبة على دخل الشركات هي اكثر عدالة من فرض رسوم عليها، لنها سوف تفرض في حال وجود ارباح بينما الرسوم تفرض سواء هناك ارباح او خسائر. لذلك قد يفرض فرض الضرائب على الشركات اعادة النظر في الرسوم المفروضة عليها.
في المقابل، فأننا نتوقع ان يوجه فرض الضريبة على الشركات عددا من التحديات
اولا: إن القاعدة الأعرض (اكثر من ٩٠٪) من المنشآت والشركات العاملة في البحرين هي منشآت متناهية الصغر وصغيرة وهي تعتمد على العمالة الاجنبية المنخفضة التكلفة
وهذا يثير عدة مشاكل منها ضعف وعدم استقرار القاعدة الربحية لهذه الشركات حتى في حال فرضية بلوغ ارباحها مستوى يخضع للضريبة ، كذلك عدم امتلاك هذه الشركات حسابات مالية نظامية لاحتساب الضريبة، خاصة بالنسبة للشركات الفردية حيث تختلط اموال المالك مع اموال الشركة.
ثانيا فرض ضريبة على الشركات قد يدفعها للحد من زيادة الرواتب والبنود الأخرى الموجهة للموظفين.
ثالثا او يدفعها لتحميل المستهلك النهائي الارتفاع في التكاليف
رابعا: قد يؤدي فرض الضرائب على الشركات إلى اللجوء للأنشطة الخدمية اكثر من الإنتاجية كون الاولى سريعة المردود وتحقق عوائد اعلى.
ما نود أن نحذر منه هنا هو الخشية أن تقوم الحكومة بفرض سلسلة من الضرائب بصورة مبتسرة وكل على حدة لكي تتجنب الالتزام بربط فرض هذه الضرائب بتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية محددة كما شرحنا سابقا، وإنما يظل التركيز فقط على دورها في تنويع الإيرادات الحكومية وسد العجز المالي، وهذا سوف يمثل توجه خطير يجب التنبه له.