بقلم : د. حسن العالي
كما هو واضح من عنوان المقالة، فأننا لسنا بصدد تقييم رؤية البحرين 2030، ولكن بنفس الوقت يمكن القول إن الملاحظات التي سوف أتولى طرحها هنا هي مستقاة من تجربة البحرين مع تنفيذ رؤية 2030. والهدف من طرح هذه الملاحظات هي استجابة لدعوة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر بالبدء بإجراءات مشاورات حول صياغة رؤية البحرين الاقتصادية 2050. كما أن الغرض منها أيضا الدعوة لبدء حوار مجتمعي يساهم فيه الجميع بهدف خلق رأي عام وطني يقدم رؤيته للرؤية المقترحة.
وفيما يلي هذه الملاحظات:
أولا: اسم الرؤية
لماذا رؤية البحرين الاقتصادية 2050 وليس رؤية البحرين 2050؟
تتمحور العملية التنموية في كل البلدان حول عملية الإصلاح بشكل عام، والإصلاح السياسي والاقتصادي بشكل خاص. ويأخذ هذان الأخيران أهمية قصوى، حيث تقوم عليهما كل عمليات التنمية، فهما الركيزتان الأساسيتان، ومنهما تتناثر بقية عمليات الإصلاح للجوانب الاجتماعية والثقافية.
لذلك لا يمكن تنفيذ إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي والترابط وثيق بينهما. إن العلاقة بين الجانبين هي على مستويين: المستوى الأول أن الهيكل السياسي للدولة هو الذي يضمن إصلاح اقتصادي حقيقي من خلال وجود حكومة مسائلة وبرلمان ديمقراطي وحريات عامة وأحزاب ومؤسسات ومجتمع مدني تمتلك سلطة المعارضة.
أما المستوى الثاني، فهو علاقة الهيكل السياسي بتنفيذ الرؤية من خلال ضمان وجود إرادة سياسية عليا تتمسك بتنفيذ كافة أهداف الرؤية وإيجاد حوكمة سياسية واقتصادية تضمن تنفيذ برامج الرؤية والشفافية والمسائلة والمراجعة والتقييم.
لذلك، يجب أن لا تقتصر رؤية البحرين 2050 على الجانب الاقتصادي بل يجب أن تشمل الجانب السياسي وكافة الجوانب الأخرى التي تهم المجتمع. وإلا فيجب أن نفترض وجود رؤى متعددة واحدة للتنمية الاقتصادية وثانية للتنمية السياسية وثالثه للتنمية الاجتماعية وهذا نهج غير واقعي.
ما يجب أن يعزز هذا التوجه هو الوضع السياسي الراهن الذي نعيشه. ففي ظل غياب إجماع شعبي على دعم برامج الحكومة الاقتصادية، بل شبه الإجماع على معارضتها، فأن هذه البرامج لن تكتسب الحيوية المطلوبة.
ولنأخذ رؤية الكويت 2035 مثلا. فقد وضعت عدة ركائز من بينها أن تكون الكويت منارة تشع بالديمقراطية وتتمتع بنظام سياسي تشاركي. كما وضعت أحد مستلزمات تنفيذ الرؤية ضرورة تأسيس قوة وطنية دافعة عبر التواصل الواضح والمتواصل حيث لا يمكن تطبيق إي برنامج إصلاحي رئيسي إلا بضمان وجود مبايعة الشعب له فقط، وهو أمر صحيح حتى في حالة الانظمة الديمقراطية.
ثانيا: ما يجب أن تتضمنه الرؤية
الرؤى التي تضعها الدول تعبر عن تطلعات وطموحات شعوبها لما سوف تكون عليه بعد فترة زمنية 10 أو 15 أو 20 سنة. أي أنها جسر بين الحاضر والمستقبل. ولا يمكن الوصول إلى المستقبل دون معالجة قضايا الحاضر. لذلك فأن الرؤية هي مزيج من تشخيص الحاضر ورسم معالم المستقبل.
لذلك، فأن رؤية البحرين يجب أن تلعب دور مزدوج.
الأول: هو تذليل العقبات والصعاب الحالية والمتوقعة للوصول للأهداف.
والثاني هو تنفيذ المبادرات والبرامج التي تضمن الوصول لتلك الأهداف. وركائز وأجندة الرؤية يجب أن تتضمن مزيج منهما. من هنا، عند البدء بصياغة تطلعات المستقبل، يجب أن نبدأ بتشخيص تحديات الحاضر والمستقبل. ولو نظرنا إلى واقع البحرين وأردنا ربطه بالمستقبل، لرأينا الأولويات هي سياسية اقتصادية ثقافية اجتماعية كثيرة يجب أن تغطيها الرؤية نتيجة للترابط والتشابك الوثيق بين التنمية في كافة أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن هذه الأولويات الإصلاح السياسي والدستوري كما وعد الميثاق الملزم للحكومة والشعب في الوصول إلى مملكة دستورية ذات نظام ديمقراطي، والوحدة الوطنية، ودولة المواطنة المتساوية والحقوق، وتغيير النموذج الاقتصادي إلى نموذج قائم على العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية الوطنية وأنشطة اقتصادية ذات قيمة مضافة ووظائف عمل مجزية. كما يجب معالجة تفاقم أعداد العمالة الأجنبية والتجنيس والحريات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والتكامل الاقتصادي الخليجي والعربي وغيرها العديد.
ثالثا: أهداف قابلة للتنفيذ
الرؤية يوضع لها ركائز تمثل التطلعات الرئيسية ثم تحت كل ركيزة يتم وضع أهداف ثم تحت كل هدف مبادرات أو برامج للتنفيذ ولكن توضع بعناوينها الرئيسية. ثم تأتي خطط التنمية المتوسطة الأجل لتمرحل تنفيذ هذه الأهداف وفقا لأولويات على شكل مشاريع في مختلف ميادين التنمية. في حالة البحرين كما أعتقد تم وضع خطة التنمية الأولى لرؤية 2030 ثم توقف إعداد مثل هذه الخطط ويبدو لعدم فاعليتها. وإذا افترضنا إن برنامج الحكومة الرباعي حل محلها، فأن برنامج الحكومة خلال أغلب السنوات الماضية وضعت أولوياته تحت ضغوط تنفيذ برنامج التوازن المالي وليس تحقيق أهداف رؤية 2030. وهنا يفتقد الاحساس والشعور بأن الرؤية هي قيد التنفيذ.
لذلك لا بد من إعادة النظر في آليات تنفيذ أهداف الرؤية أولا من خلال ربط هذه الأهداف بخطط أو برامج التنمية الحكومية وتنفيذها في مشاريع محددة على شكل أولويات واضحة ومسببة، وثانيا: وجود هيئة تنموية مستقلة ومحوكمة بشكل مهني مع وجود أعضاء متخصصين مستقلين في مجلس إدارتها تعطى صلاحيات متابعة تنفيذ هذه الأهداف، وثالثا: تقوم هذه الهيئة بإصدار تقارير دورية للجمهور حول ما تحقق من الرؤية ومالم يتحقق. ورابعا: كما تعد تقرير سنوي يقدم للحكومة ولمجلس النواب لمناقشته وإقراره، وخامسا: ربط الانجاز بمؤشرات كمية ونوعية قدر الإمكان أو بإنجازات قابلة للقياس والتقييم. وسادسا تتولى الهيئة مهمة المراجعة والتقييم وتقديم التوصيات الملزمة للتصويب، وسابعا تفتح الهيئة قنوات منتظمة ودائمة مع مؤسسات المجتمع المدني والجمهور والإعلام لتلقي ملاحظاته. وثامنا أن يتبعها فريق بحثي كفؤ يعد تقارير المتابعة والتقييم.
رابعا: على مستوى إجراءات بلورة وإصدار الرؤية:
يلاحظ أن الرؤى في كافة دول العالم تخضع لمشاورات موسعة مع كافة أطراف الإنتاج ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات والمتخصصين والأكاديميين والجامعات بصورة منتظمة وواسعة وهذا ما يجب أن يكون عليه في صياغة رؤية 2050. كما أن في الحالة السنغافورية، فأن الرؤية تمت إحالتها للبرلمان لإقرارها قبل دخولها حيز التنفيذ.
هذه هي ملاحظات أولية نتطلع لإثرائها لمن يرغب.