- كان الحوار مع د.علي فخرو أطول الاجتماعات، وكان تحت حراب البنادق
- حملة الاعتقالات والانقلاب على الوعود فرض خروجي إلى بيروت لتوصيل صوت عمال البحرين إلى المحافل العربية والدولية وتسليط الضوء على ما يجري
- مجلة الحرية "ودراسات عربية" و "الطليعة" الكويتية من أهم المصادر الإخبارية التي نقلت أخبار اللجنة التأسيسية والأحداث العمالية في البحرين
- ادّخرت الحكومة غضبها لتنتقم مني ومن أعضاء اللجنة التأسيسية، وأبقونا في الاعتقال ما بين 5-8 سنوات
- سألت هندرسون عن سبب اعتقالي كل هذه السنوات دون محاكمة، رد: لأنك تتحدّانا وتهرب خارج البحرين وتتصل بالمنظمات الخارجية تحرّضها، وقد فعلتها في 1965 و1972
بقلم : عبد الله مطيويع
(تطرقنا في الحلقتين الماضيتين إلى الحراك العّمالي الذي قادته اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين وأصحاب المهن الحرة ووصول أوضاعنا إلى حائط مسدود، بعد أن انهارت وتقطّعت الخيوط مع السلطة، وكانت القرارات تتطلب سرعة في التنفيذ لتشكل صورة بانورامية لمرحلة حساسة ودقيقة. هنا الحلقة الثالثة والأخيرة من محطات في تاريخ الحركة العمالية البحرينية).
نفذت السلطة البحرينية ما في رأسها وعملت على سحق نشاط اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين، فشنّت حملة اعتقالات بدأتها بالأخ علي الشيراوي الذي أعتقل في 10 مارس 1972 والأخ حسن رضي الستراوي في اليوم التالي، أي قبل المسيرة الكبرى للعمال والإضراب العام في 12 مارس، وبعد أن انهارت كل الاجتماعات مع الحكومة، ومنها الحوار في السكرتارية مع وزير العدل رئيس اللجنة الحكومية وفي منزله في الرفاع، وكذلك الاجتماع الذي تم مع الدكتور علي فخرو في منزله الكائن في مبنى وزارة الصحة بالسلمانية، وكان من أطول الاجتماعات التفاوضية مع الحكومة. الاجتماع الأخير تم بعد أن اتصل د.نبيل الشيراوي بعبدالله مطيويع يخبره بأن د.علي فخرو، وبناءً على توجيه من رئيس الوزراء المغفور له الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، يرغب في لقاء مطيويع وعدد من أعضاء اللجنة التأسيسية للتفاوض من أجل حل الأزمة القائمة.
كان حوارًا جريئا وصريحًا، بينما كانت حالة الطوارئ غير المعلنة جاثمة على صدر البلد، والمصفحات والمدرعات ودوريات الشرطة منتشرة في مدن البحرين وقراها، وكأننا في حالة حرب. بعد خروجنا من الاجتماع مع فخرو قلت لمن معي: لا تناموا الليلة في بيوتكم، لكنهم لم ينصتوا فتم اعتقالهم، بينما أُخذ خال عباس عواجي رهينة حتى يسلم الأخير نفسه. لقد صدق حقًّا صاحب الضمير الحي الشيخ عيسى بن محمد الخليفة رحمه الله، عندما عبّر عن هواجسه بعد أن سلّمته الرسالة المعبرة عن موقف اللجنة التأسيسية من الأحداث. كان الوضع الأمني محتقنًا وزاد احتقانًا بانقلاب السلطة على الحوار وشن الاعتقالات. ما العمل والتوتر قد بلغ مداه؟ توصّلت إلى خلاصة أن الخروج من البحرين وخوض معركة من طراز آخر هو السبيل الأصوب لمواجهة ما تقوم به الأجهزة، وكانت بيروت، عبر قطر هو الخيار الأصوب.
مقر مجلة الحرية
وصلت بيروت وكانت المحطة الأولى مبنى مجلة الحرية، المعبّرة عن لسان حال حركة القوميين العرب. أعرف المكان جيدًا فقد كنت أتردد عليه عندما كنت أزور بيروت لإرسال أوراق المرشحين الطلبة للدراسة في جامعة الصداقة في الاتحاد السوفيتي. اثنان سبق وأن تعاملت معهما وهما محمد كشلي الذي أصبح فيما بعد مستشارًا لرفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية مطلع تسعينات القرن الماضي واستشهد في 2005 في تفجير ضخم لسيارته المصفحة، والشخص الآخر هو الدكتور فواز طرابلسي. كان الاثنان في لهفة الصحفي المهنية للاطلاع على أخبار البلد وحركة الاحتجاج والإضرابات. لم يتأخر الأمر، جلس الاثنان في حجرة بها طاولة طويلة وأمامهما رزمة من الورق، وكان د.فواز طرابلسي الذي بدأ في طرح الاسئلة المتتالية والإنصات إلى سردية حركة الأحداث اليومية، إذ كنت أسردها عليهما وكأنها خبز خرج للتو من التنور.
طال الحديث لأكثر من ساعة، فالتفت محمد كشلي لفواز طرابلسي وقال له: يبدو ان المساحة المخصصة في المجلة لأخبار الخليج والجزيرة العربية لا تتسع لكل هذا الكم، واعتقد أن..قاطعه طرابلسي الذي كان رئيس تحرير مجله شهرية اسمها "دراسات عربية"، وكنا في شهر أبريل، قال: ننشر جزءًا في "الحرية" والجزء الأكبر في "دراسات عربية"..وهكذا كان فأصبحت مجلة دراسات عربية هي المرجع الأول ليوميات مارس 1972، كما نشرت "الطليعة" الكويتية جزءًا آخر من الأحداث. وينبغي الإشارة هنا إلى أن انتفاضة مارس العمالية في 1972 هي التي عجّلت بتشكيل المجلس التأسيسي الذي انبثق منه دستور 1973، وبعده المجلس الوطني (البرلمان).
يتواجد في بيروت فرع للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ومقره الرئيسي في دمشق. أخذت عدتي من مسودات ما كتبت لأرسله إلى رئاسة الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي كان يرأسه الأستاذ عبد اللطيف بلطية.
جلست في بيروت مطولا مع مدير مكتب الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وكتبت رسالة إلى أمينه العام عبد اللطيف بلطية، طالبته فيها بعمل اللازم وإصدار بيانات تحث حكومة البحرين وتطالبها بالتجاوب مع مطالب عمال البحرين وحقهم في تشكيل نقابات واتحادات عمالية، وهو ما يؤكد عليه قانون العمل البحراني في بابه الثالث. ومن مكتب الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب قمت بمخاطبة الاتحادات العمالية العربية وأولها الاتحاد العام لعمال الكويت ورئيسه حسين الصقر وحسين اليوحه لمعرفتي المسبقة بهما وببقية أعضاء مجلس إدارة اتحاد عمال الكويت، وقد كانوا خير سند لنا. كما طلبت في رسالة منفصلة من الأستاذ عبد اللطيف بلطية أن يعمّم على كل الاتحادات، كلٍ على حدة، لمخاطبة ومناشدة حكومة البحرين، وكان أشد النداءات والاستنكارات تلك الصادرة من اتحاد عمال الكويت واتحاد عمال العراق وأمينه العام محمد عايش واتحاد عمال الجزائر وأمينه العام حسن جمام واتحاد عمال ليبيا ورئيسه حميد جلود وتونس والمغرب واليمن بشقيه الديمقراطي والشمالي وكافه الاتحادات دون استثناء.
العين الحمراء
شكل التحرك الإعلامي في أوساط النقابات العمالية العربية والدولية هزّة لموقف حكومة البحرين بعد أن تلقّت كمًّا هائلا من الإدانات، وأعتقد أنها ادّخرت غضبها لتنتقم مني ومن أعضاء اللجنة التأسيسية ومنهم المرحوم حسن سرحان وعبدالجليل العرادي ومحمد رضا المعراج وكريم سلمان وعبدعلي الخياط ومحمد الجبل وحسن عبدالله العرادي ورضا الجبل، حيث صدرت بحقهم لاحقًا أحكام تتراوح بين خمس وثمان سنوات. وقد أبقوني في الاعتقال الثاني ثمان سنوات وشهر، من نوفمبر 1976 حتى ديسمبر 1984 دون تهمة ولم يأخذوني حتى للمحكمة لتمديد فترة احتجازي وفق قانون تدابير أمن الدولة الذي كان معمولا به في تلك الأيام الحالكة، كما كانوا يفعلون مع بقية الإخوة كل ثلاثة أشهر. حين سألت إيان هندرسون رئيس المخابرات عن سبب بقائي ثمان سنين، قال لي: "لأنك تتحدى الحكومة وتتحدانا فكنت تهرب دائما خارج البحرين وتقوم بالاتصال مع المنظمات الخارجية وقد فعلتها في 1965 وفي 1972 وتحضر المؤتمرات العمالية العربية والدولية وتحرّض ضد حكومة البحرين في الخارج وتصدرون البيانات والمناشدات والرسائل الى الأمير وسمو رئيس الوزراء".
في مكتب الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ببيروت، صرت أتواصل مع الاتحادات العمالية العربية، وفي يوم من الأيام اتصل بي المكتب في بيروت وقال تعالى لك رسالة من اتحاد عمال الكويت، وذهبت سريعا، كانت من الأخ الفاضل رئيس اتحاد عمال الكويت حسين الصقر يخبرني بان استعد لحضور المؤتمر الخامس للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في القاهرة، الذي انعقد في سبتمبر 1972 ورديت عليه برسالة شكر وحضّرت نفسي لحضور المؤتمر.
ولأن المعركة العمالية الحقيقية على أرض الوطن، فقد اتفقت مع الاخ محمد عبدالجليل المرباطي على أن يعود أحدنا إلى البحرين لإعادة بناء وتشكيل ما هدمته أجهزة الأمن في الجسم العمالي، وكان القرار أن أعود أنا إلى أرض الوطن..وهكذا كان ذلك في عام 1974.