ارهاصات التغيير الايجابي في البحرين
بقلم محمد حسن العرادي
كانت البحرين على موعد مع التغيير الذي انتظره المواطنون كثيراً، الى ان جاء في يوم الأثنين الموافق 13 يونيو 2022 ، حين اعلن جلالة الملك المعظم عن تغيير وزاري كبير لم تشهده حكومة البحرين من بداية عهد الاستقلال في العام 1971.
انها الحكومة الأولى التي يشكلها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء منذ استلم هذا المنصب رسمياً في أعقاب رحيل المغفور له باذن الله الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفه في 11 من نوفمبر 2020 والذي تولى رئاسة الوزراء منذ عهد الاستقلال في العام 1971 حتى رحيله، ومنذ تلك اللحظة وكافة الأوساط في المجتمع تترقب التغييرات في شكل الحكومة التي سيشكلها ولي العهد لقيادة المرحلة القادمة.
لقد طالت فترة إنتظار ولادة الحكومة الجديدة أكثر مما ينبغي طوال عام ونصف العام تقريباً، ونظرت الأوساط السياسية الى تلك الفترة بإعتبارها فترة مخاض يتم خلالها تدوير الزوايا وفك وإعادة تركيب مراكز القوى في بيت الحكم بإتجاه تكريس المزيد من السلطات والقرارات بيد سمو ولي العهد الذي أصبح رئيساً للوزراء منذ ذلك التاريخ، بعد ان كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس الوزراء طوال العشر سنوات الأخيرة.
وبالعودة الى التشكيلة التي أقرها وأصدرها جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه لمجلس الوزراء العتيد برئاسة سمو ولي العهد، سنجد أنها تختلف في الشكل والمضمون والحجم والتطلعات ومتوسط الأعمار - الشابة- ومراعاة الجندرية والتوازن الطائفي في البلاد، بما في ذلك التوجه نحو تخفيف الحضور المباشر لأفراد العائلة الحاكمة في الوزارة وتقليص عدد نواب رئيس الوزراء واعادة تقسيم الوزارات بشكل تخصصي من أجل تسهيل عملية الادارة وتحديد المسئوليات التنفيذية.
البعض يقول بأن أغلب الوزراء الجدد (13 وزيراً جديداً) هم من المقربين لسمو ولي العهد وبالتحديد أولئك الذين تم اختبارهم وتدريبهم وإعدادهم في مجلس التنمية الإقتصادية والهيئات المنضوية تحت جناح ولي العهد طوال الفترة الماضية، وليس ذلك في نظري عيباً بل هو دليل على ان فترة المخاض التي استغرقتها ولادة الحكومة كانت فترة حُبلى بالتقييم والبحث عن الخيارات الفضلى القادرة على الإنسجام أكثر مع برنامج ولي العهد وخطته للتعافي الاقتصادي، كما ان بعض من وقع عليهم الإختيار شاركوا بالفعل في ادارة ملفات ساخنة كملفات التقاعد والتأمينات والقيمة المضافة وملف جائحة كورونا تحت قيادة سمو ولي العهد مباشرة.
وبعيداً عن الإتفاق او الإختلاف مع نتائج تعاطيهم مع تلك الملفات، الا ان سمو ولي العهد وجد فيهم العناصر المهنية الكفؤة التي يستطيع الاعتماد عليها لتأكيد إنجاز مشاريعه وتثبيت رؤيته حول التنمية المستدامة، وطالما ان الوزارة قد انعقدت بيده وتحت مسؤوليته، فإن من حقه تشكيل فريق ينسجم معه حتى يتمكن من تطبيق برنامجه الاقتصادي الاصلاحي الذي من المفترض ان يُخرج البلاد من فترة الركود وارتفاع الدين العام، ودون شك فإن ذلك سيلقي على عاتق هذا الفريق مسئوليات أكبر وسيسمح بمسائلة كامل الحكومة عن الانجازات التي سبق وان وُعد المواطنين بها وخاصة خطط التعافي الاقتصادي والتوازن المالي التي وعدنا بانها ستتحقق في العام 2024.
لكن هذا التغيير الذي نظر إليه كثير من المواطنين بايجابية بحاجة الى تغييرات أخرى قادرة على تعزيزه ومعاضدته، ومن أهم تلك التغييرات المنتظرة أن تنعكس هذه الأجواء والتوجهات الايجابية على معالجة الوضع السياسي المتأزم والمحتقن منذ أحداث فبراير 2011 وأهمها ملف السجناء السياسيين والمسقطة جنسياتهم والمبعدين عن الوطن، وكذا ملفات العزل السياسي وحل الجمعيات السياسية التي كانت تمتلك وجهات نظر وطنية مختلفة وتقدم رؤاها الخاصة بها لعلاج مشكلات الوطن قبل ان تضيق بها مساحة حرية الراي والراي الاخر ويتم حلها بأحكام قضائية.
كما ان اهم عوامل وعلامات التغيير هو ما ستشهده الأجواء الانتخابية لمجلس النواب القادم في الفصل التشريعي السادس (2022- 2026) من حراك ومدى انعكاس ذلك على تعزيز واستعادة الصلاحيات التشريعية التي فقدتها السلطة التشريعية وأهمها حق المساءلة والإستجواب والمناقشة والمراقبة،
ودون شك فإن التشكيلة القادمة لمجلس النواب ستساهم في تحديد هوية الإصلاحات التي يقدمها ولي العهد كوصفة علاج ناجعة من خلال دعم التنافس الحر بين البرامج والكفاءات المتقدمه للانتخابات.
أما المؤشر الأهم بعد التشكيل الجديد لمجلس الوزراء فسيكون استكمال التغيير داخل التشكيلة من خلال مراجعة أداء بعض الوزراء الذين إحتفظوا بحقائبهم الوزارية رغم الكثير من اللغط الذي يدور حول أدائهم السلبي خلال السنوات المنصرمة، ومدى قدرة سمو ولي العهد على الاستفادة من فرصة اعادة تشكيل الحكومة بعد انجاز الاستحقاق الانتخابي القادم في شهر نوفمبر القادم .
يبقي ان تشكيلة مجلس الشورى التي لم يطرأ عليها تغيير يذكر طوال اكثر من عقدين من الزمن بحاجة هي الأخرى أن تطالها يد سمو ولي العهد رئيس الوزراء وتدخله لإحداث التغيير الموازي عبر ضخ المزيد من الدماء الجديدة والشابة في هذا المجلس وتطعيمه بالكفاءات والخبرات القادرة على تقديم المشورة الوطنية الصادقة والجريئة بعيداً عن المداهنة والحفاظ على لقمة العيش،
فما يواجهه الوطن بحاجة الى تطبيق قاعدة صديقك من صَدَقك وليس من صّدّقك وصفق لك على الدوام، ومع اكتمال عقد البرلمان القادم واعادة الروح الى الحياة السياسية سيتمكن الوطن من تعزيز وحدته وتقوية أركانه لانطلاقة أكثر تماسكاً تحت قيادة جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، من أجل أن نستعيد الأمل بأن أجمل الأيام هي الأيام القادمة مع إشراقة المستقبل الذي نثق في حسن نواياه لغدٍ مسفرٍ ومنيرٍ أكثر أمانا واستقرارا.