بقلم محمد حسن العرادي
مُنذ تقسيم السودان العربي الكبير والإعلان عن قيام جنوب السودان كدولة مستقلة بتاريخ 9 يوليو 2011، في أعقاب الاستفتاء الذي حصل على موافقة بنسبة 98.83% من الأصوات، أصبح السودان بشماله وجنوبه خاصرة رخوة في جسد الأمة العربية تتقاتل على اختراقها العديد من الدول الكبرى، وعلى الاخص روسيا من جهة وأمريكا من جهة اخرى، الا أن الكيان الصهيوني أحدث اختراقا كبيراً في التطبيع مع السودان على إثر توقيع اتفاق التطبيع الإسرائيلي السوداني في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، لتصبح السودان خامس دولة عربية توقع اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني، بعد مصر عام 1979 والأردن عام 1994، والإمارات والبحرين في سبتمبر 2020.
لقد جاء هذا الاختراق في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صاحب صفقة القرن الوقحة التي يبدو أن تداعياتها قد تراجعت كثيراً بعد الهبة الجماهيرية والانتفاضات المتوالية التي يقوم بها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، ومع التغيرات السياسية الكبرى التي أحدثها اندلاع الحروب الروسية الأوكرانية، تبدلت موازين القوى العالمية والتي فرضت نمطاً ونسقاً متصاعداً من الصراعات والحروب في المنطقة، الأمر الذي هيأ الفرصة للمصالحة السعودية الايرانية برعاية صينية.
ويبدوا أن معسكر الاشرار العالمي بقيادة أمريكا والكيان الصهيوني أصيب بالصدمة والدهشة، فعاد للبحث عن الخاصرة الرخوة التي يستطيع النفاذ من خلالها لإشعال المنطقة بحروب جديدة، ينشغل بها الجميع لتستمر المنطقة العربية في النزيف، وسقوط الضحايا استكمالا لمسلسل الدمار والخراب الكبير الذي يراد له أن يكون خراباً عربياً مدوياً ومتصلاً مع سنوات الحروب الكارثية التي ساهمت في تأخير منطقتنا عن اللحاق بركب التنمية والاستقرار العالمي.
هكذا نفهم افتعال الحرب غير المبررة بين الجيش السوداني بقيادة الرئيس السوداني عبدالفتاح البرهان من جهة و نائبه الجنرال محمد حمدان دقلو الملقب بـ حميدتي على رأس قوات التدخل السريع من جهة أخرى، في صراع على السلطة يدعي فيه كل طرف بأنه يدافع عن المصالح السودانية، ودون شك فإن هناك من لايريد للسودان خيراً أبداً، ويرغب في استمراره منقسماً مربكاً ومتوتراً يسهل إختراقه والنفاذ من خلاله للسيطرة على دول القارة الأفريقية.
وإذا أردنا معرفة الأطراف التي تقف وراء إشعال هذه الحرب الكارثية الجديدة، علينا أن نفتش عن المتضرر من خيارات السلام والمصالحات والتسويات الكبرى التي تقودها المملكة العربية السعودية بكل جسارة واقتدار، والتي ساهمت في إبطاء قطار التطبيع، وسحب فتيل الحرب بين ضفتي الخليج العربي، وقادت إلى استمرار الهدنة في اليمن تمهيداً لانهاء نزيف الدم العربي، وساهمت في صياغة التقارب العربي مع سوريا واتمام المصالحة البحرينية القطرية، ودون شك فإن الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من هذه افتعال الحرب والقتال.
لذلك فإننا نتطلع إلى تدخل الحكماء العرب وخاصة في جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية للإسراع في إحتواء الموقف المتفجر في السودان، وإطفاء نار الفتنة وسعير الحرب الملتهبة التي يُستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة الفتاكة، وحتى لا يدفع الشعب السوداني الشقيق أثماناً باهظة من وراء اندلاعها وتداعياتها، خاصة وإنها ستؤثر سلباً على نسائم السلام التي بتنا نتنفسها بأملٍ وفرح ونحن نرصد سير التحركات العاقلة تجاه تنفيس الاحتقانات في المنطقة.
أن ثقتنا كبيرة في حكمة قادتنا العرب الذين بدأوا طريق تصفير المشاكل والحروب والفتن من المنطقة، وفتحوا آفاق المصالحات والتسويات الكبرى التي ستؤتي أُكلها قريباً خيراً وفيراً على شعوب الأمتين العربية والاسلامية، لذلك بات على الجميع المسارعة إلى إطفاء نار الحرب في السودان من أجل أن لا تتمدد وينتشر لهيبها في الدول المجاورة، فنجد أنفسنا في أتون معارك لا تنتهي أبداً.
إننا نطالب الجامعة العربية بأن تسارع إلى إطلاق مبادرة مصالحة وطنية في السودان بالتعاون والتنسيق مع الاتحاد الافريقي، يُنزع من خلالها فتيل الحرب، ويتم الجلوس إلى طاولة المفاوضات والحوار لحل الخلاف، وتمكين الشعب السوداني من إختيار قيادته الوطنية القادرة على إستعادة المبادرة وتحقيق التنمية، والالتحاق مجدداً بركب الاستقرار والأمان الذي بدأت تباشيره تلوح في المنطقة.
أيام تفصلنا عن عيد الفطر المبارك، وقد آن لنا أن نستعيد عافيتنا وقليل من أفراحنا بعيداً عن الحروب ونزف الدماء الذي خيم على منطقتنا العربية طوال أربعة عقود وأكثر، آن لنا أن نمسك بزمام المبادرة وأن نبحث عن مصالحنا ونقدمها على مصالح الآخرين أياً كانت علاقتنا معهم،
وبكل ثقة نقول أن هذه الأمة تستحق السلام والسير في طريق الاستقرار والأمان والطمأنينة والبناء والتنمية ، وعلى القادة الكبار الامساك بزمام المنطقة ومنعها من الانزلاق إلى حروب جديدة لا يستفيد منها سوى أعداءنا، والله من وراء القصد.