بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
كانت جمهورية السودان قبل التقسيم واحدة من أكبر الدول العربية بمساحة تبلغ 2,589,000 كم2 وعندما تم فصل جنوب السودان منها في 9 من يوليو 2011 واعلن عنها كدولة مستقلة على مساحة وقدرها 619745 كم²، أصبحت مساحة السودان بعد الإنفصال 1,882,000كم2، وتعد الأراضي السودانية من أخصب الأراضي الزراعية على صعيد الوطن العربي، وهي تتميز بوجود العديد من الجزر الواقعة في مياه نهر النيل، إلا أن مؤامرة التقسيم التي أنجزت بضغوط أمريكية وأوربية غربية لا يبدو أن فصولها قد انتهت بعد.
ورغم الفقر المعشعش على وسط أبناء الشعب السوداني الشقيق بسبب سوء الإدارة وقلة الموارد المالية التي تقف حائلاً دون الاستغلال الأمثل للأراضي الزراعية، وتحقيق النبوءة القائلة بأن السودان هي سلة الغذاء في الوطن العربي، وربما هذا هو السبب الحقيقي وراء إستمرار تغذية حالة الاستنفار والنزاع الدائم بين مكونات الشعب السوداني، بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار، والتسبب في استمرار طرد الاستثمارات والمشاريع التنموية والاقتصادية والزراعية وإبعادها عن السودان، والعمل على منع رجال الأعمال العرب والخليجيين منهم على وجه الخصوص من الاستثمار في المشاريع الزراعية بالأراضي السودانية.
وقد يكون ذلك أحد أسباب تشجيع أثيوبيا على إنشاء سد النهضة على الحدود السودانية الأثيوبية، كجزءٍ من هذا المخطط الرامي إلى محاصرة السودان والتحكم في كمية مياه النيل التي تتدفق بإتجاه الأراضي السودانية والمصرية، ووربما تعطيش المساحات المزروعة في البلدين، ويبدو أن إستمرار إشتعال الحروب والاقتتال بين المكونات الإثنية التي يتشكل منها الشعب السوداني تمثل حجر الزاوية في سياسة ضرب وحدة هذا الشعب وإستقراره، ومنعه من القيام بدوره المحوري الاستراتيجي القادر على توفير الأمن الغذائي للمنطقة العربية وربما الأفريقية ايضاً.
ضمن هذا الإطار يجب أن نحاول رصد وفهم المؤامرات الأوربية الغربية التي نجحت في إنتزاع حوالي 24 % من مساحة السودان الغنية بالنفط والثروات الطبيعية، في مسعى تآمري يهدف إلى المزيد من إفقار الشعب السوداني وإشغاله بالصراعات الدينية والأثنية، وفي نفس الاطار ننظر إلى هذا الصراع الذي تفجر فجأة بين الجنرالين الحليفين حتى وقت قريب، إنها لا شك جولة جديدة من حروب الزعامات الطاحنة والمستمرة، والتي إندلعت هذه المرة بين الجنرال عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري ونائبه الجنرال محمد حمدان دقلو الملقب بـ حميدتي لتكشف النقاب عن وجه آخر للمؤامرة الدولية على السودان وشعبها.
وفي الوقت الذي كانت قوى التغيير والمجتمع المدني السودانية تتطلع إلى قيام نظام سياسي ديمقراطي مدني، تعود فيه القوات المسلحة الى ثكناتها بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر حسن البشير الذي أودع السجن على خلفية إتهامه بإرتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في اقليم دارفور، بعد سنوات من صدور أمر المحكمة الجنائية الدولية بالقبض عليه، وجدنا أن القوى الاستعمارية أستمرت في تأجيج الصراع بين الرئيس ونائبه لتفويت الفرصة على دعاة الحوار والاستقرار وبناء نظام سودان مدني ديمقراطي حر، سيد ومستقل.
وفي ضوء المتغيرات الدولية الجديدة التي قادت إلى بوادر إنفراجات وتراجع مؤشرات الحروب في المنطقة، وإتجاههها نحو الاستثمار في مشاريع التنمية لتحفيز الإستقرار، يرجح ان القوى الاستعمارية هي من سارع الى تفجير الحرب في السودان وتأجيجها، ويمكن قراءة ما حدث بوضوح لتشابه هذا السيناريو مع سيناريوهات التصعيد المعتادة التي يلجأ إليها الغرب عادة لضمان إستمرار النزيف في الثروة والأرواح والنزاعات في المنطقة، لكن الخطر الأكبر يتمثل في النتيجة التي ستتمخض عنها هذه الحرب والتي يُعتقد بأن الهدف الأكبر منها هو تقسيم ما تبقى من السودان وتاسيس سودان ثالث (دولة السودان الغربي) على أراضي إقليم دارفور.
إن قوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال حميدتي تتشكل أساساً من أبناء قبيلة الجنجويد التي تسكن إقليم دارفور الذي تُقدر مساحته 493,180 كم2 وهو ما يشكل أكثر من 26 % من مساحة السودان الحالية البالغة 1,882,000كم2، هذه القوات يعتقد بأنها قد تتراجع وتنكفئ إلى إقليم دارفور لتتحصن فيه وتقيم دولتها الانفصالية، ولا شك أن هذه المخاوف تتزايد كنتيجة لهذا الصراع العسكري المسلح.
إذا حدث ذلك فإنه يعني إنتزاع ما مساحته 1,112,925كم2 من الأراضي السودانية والمساحات الخصبة والغنية بالنفط والثروات الطبيعية، وهو ما يشكل 43 % من المساحة الأصلية للسودان الشقيق، وبذلك تتضح تفاصيل المؤامرة التي خططت لها قوى الشر التي تنظر للسودان بإعتباره الخاصرة الرخوة في جسد الأمة العربية، ولا شك أن هذا هذا السيناريو إن تحقق سيشكل ضربة موجعة أخرى لهذه الأمة.
إن القوى الاستعمارية تسعى بلؤم وإصرار لتعويض ما توشك أن تخسره من نفوذ وسطوة وسيطرة على منظومة مجلس دول التعاون الغنية بالنفط والثروة في أعقاب المصالحة السعودية الايرانية برعاية صينية، خاصة بعد تصريحات المسؤولين السعوديين بأن بلادهم ستبدأ في تشجيع وتأسيس المزيد من الصناعات النفطية والبتروكيماوية التحويلية محلياً، إلى جانب أن هذه المنظومة كانت ولا تزال تشكل سوقاً ضخمة واسعة لجميع المنتجات الاستهلاكية التي تنتجها أمريكا والدول الغربية.
ومهما كانت نتائج هذه الحرب البائسة فلن يكون هناك فائز فيها، وإذا كان بعض القادة العسكريين السودانيين يعتقدون بأن إنفصال اقليم دارفور وإقامة دولة جديدة سيمنحهم السلطة والجاه والسؤدد، فإنهم قد يكررون إنتاج دولة أفريقية فاشلة أخرى على غرار دولة جنوب السودان التي تجاوز عمرها 12 عاماً لكنها لا تزال عنواناً للاخفاقات المتتالية، حيث ينتشر في أرجائها الفقر والتخلف.
وأمام هذه المؤامرات فإننا نتطلع إلى تحركات من القيادة الشابه الجديدة الحكيمة والجسورة في المملكة العربية السعودية، والمتمثلة في ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي استطاع إعادة توجيه دفة العلاقات السياسية والدبلوماسية في المنطقة، ونزع فتيل الصراعات والحروب وحقق مصالحات وتوافقات غير مسبوقة تحمى شعوب المنطقة من الإنخراط في مزيد من المعارك الطاحنة التي تحرق الأخضر واليابس.
إننا نطالب الدول العربية والأفريقية الإقليمية الوازنة في المنطقة التدخل لنزع فتيل الأزمة المتفجرة في السودان، وحمايته من كارثة التقسيم التي باتت تهدده بشكل جدي، كما نُطالب القادة العسكريين المتنافسين على السلطة بتغليب المصالح العامة والقومية على المصلحة الذاتية والطموح الشخصي الذي يسهل الانزلاق لتقسيم الأوطان وتدميرها.
وان هذا النوع من التموضع قد يساهم في تحقيق الغايات الصهيونية الراغبة في تفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة يسهل قضمها والسيطرة عليها، بذرائع واهية من قبيل تصدير التكتولوجيا وتوفير الأمن والحماية إلى جانب الاستثمارات الاقتصادية التي يقدم خططها البنك الدولي الذي يقود الدول التي تأخذ بها نحو الخراب، ويحيلها إلى دول فاشلة ومَدِينة عبر إستخدام الكثير من الحيل ومؤامرات الاستحواذ ومصادرة القرارات السيادية لهذه الدول.
إن لنا وطيد الأمل في أن تنبري جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي للتدخل والتوسط لإسدال الستار على هذه الحرب قبل أن تتحول إلى حرب أهلية كارثية يموت فيها الكثير من أبناء الشعب السوداني، ومن غير المستبعد أن يتحول الصراع فيها إلى بؤر تهديد لبقية الدول الأفريقية والعربية، كما نتطلع بأمل كبير وإيجابية لوضع نهاية لحقبة الحروب والفتن الطائفية التي أججتها الدول الاستعمارية لضمان هيمنتها وسيطرتها على المنطقة، والله من وراء القصد