بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
كفلسطيني تم اقتلاعه من أرضه وتجريده من هويته وبيته ممتلكاته، لن أتقبل الهزيمة وسأعمل جاهداً على أن أتعلم وأبني نفسي من جديد، وبغض النظر عن البلد الذي هُجرت إليه ستظل عيني شاخصة إلى فلسطين فهي بلدي ومأوى فؤادي، وإذا قُدر لي أن أكبر وأتزوج فإنني سأعلم أبنائي وبناتي وأحفادي وحفيداتي، بأننا شعبٌ مكافحٌ مظلوم انتُزع من بلده بسبب تآمر القوى الدولية الاستعمارية عليه، وتحميله مسؤولية جريمة مزعومة أسمها المحرقة اليهودية " الهولوكوست".
وسأقول لهم بأن هذه المحرقة المزعومة التي يطلقون عليها (الهولوكوست) لم تحدُث في بلادنا، ولم يكن لنا يدٌ فيها باي شكل من الأشكال، بل نحن كنا بعيدين عنها آلاف الاميال والكيلومترات، وأن الذين إرتكبوها هم أنفسهم الذين أردوا تحميلنا مسؤوليتها زوراَ وعدواناً، وهم يعلمون بأننا كُنا شعبُ مسالمٌ، لا يؤمن بالعُنف ولا يدعو إليه، وأننا كنا نتعامل مع جميع الشعوب وأصحاب الديانات الأخرى بتسامح ومحبة، وأن اليهود كانوا يعيشون بيننا معززين مكرمين، لم نعتدي عليهم ولم نُمارس ضدهم أي نوع من الأضطها أو الكراهية.
سأقول لأبنائي بأن ما يسمى ببريطانيا العظمى التي كانت تحتلُ أرضنا بعد الحرب العالمية الثانية التي بدأت في الأول من سبتمبر عام 1939 فوق أراضي أوروبا المجنونة وإنتهت في الثاني من سبتمبر عام 1945، بعد أن أحرقت جميع دول العالم في أتونها وتحت لهيب نارها، وقامت فرنسا وبريطانيا باقتسام النفوذ في الدول العربية ضمن ما بات يعرف باتفاقية سايكس بيكو، وبدل أن تقوم بريطانيا الاستعمارية بحمايتنا باعتبارنا شعبٌ تحت الاحتلال وبصفتها دولة منتدبة على أرضنا الحبيبة فلسطين، قامت بخداعنا ونفذت وعدها الخبيث الذي سمي "وعد بلفورد".
ثم سأحكي لأبنائي وبناتي وأحفادي بأن "المجرم بلفورد" هذا كان وزيراً لخارجية بريطانيا الاستعمارية أثناء الحرب العالمية الأولى التي نشبت في أوروبا أيضاً خلال الفترة من 28 يوليو 1914 وحتى 11 نوفمبر 1918، لكن هذا البلفورد المجرم قطع وعداً باسم بريطانيا للزعماء الصهاينة في 2 نوفمبر 1917، ينص على أن بريطانيا ستنشئ وطناً قومياً لليهود فوق أرض فلسطين، مقابل دعم اليهود ومنظماتهم الماليةوالارهابية لبريطانيا في الحرب، التي لم نكن نحن الفلسطينيين طرفٌ فيها، لكننا دفعنا ثمنها لأنها كانت تلبي طمع الصهاينة ومصالح المستعمرين.
وسأشرح لأبنائي بأن إختيار فلسطين لاقامة وطن قومي لليهود لم يأتي إعتباطاً، بل جاء مبنياً على دراسة عميقة للموقع الاستراتيجي الذي تمثلة جُغرافياً وتاريخياً، فقد كانت فلسطين ولاتزال حلقة الوصل الرئيسية بين المشرق والمغرب العربي، وكان إحتلالها يحدث فصلاً وشرخاً في خارطة الوطن العربي جُغرافياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لذلك التقت مصالح المستعمرين في زراعة جسم غريب يكون بؤرة استيطانية وقاعدة متقدمة للمستعمرين، يسهل من خلالها السيطرة على الثروات الطبيعية والموقع الاستراتيجي وحرمان العرب من التواصل فيما بينهم.
ثم سأشرح لأبنائي كيف أن فرنسا وبريطانيا ساهما في تقسيم الوطن العربي وتقاسما تركة الامبراطورية العثمانية التي أطلق عليها (الرجل المريض) بعد ان سيطرت تركيا على العرب زهاء خمسمائة سنة، وساهمت في تخلفنا وتشتت شملنا وإضعاف قوتنا، حتى جاءت الكارثة الأكبر على أيدي المستعمرين الجدد، فأعيد تقسيمنا وتفتيتنا إلى دويلات صغيرة ورسمت على أرضنا الحدود المصطنعة التي تحدد مصالح الدول الاستعمارية، ثم تمت السيطرة على الثقافة والتعليم والمناهج والصناعات والثروات الطبيعية في بلادنا من أجل خدمة المصالح الاستعمارية.
وعندما أستقرت القوات البريطانية جاثمة فوق صدورنا وإحتلت أرضنا وسرقت خيرات بلادنا، بدأت في تسهيل الهجرات الاستيطانية لشذاذ الآفاق من يهود العالم باتجاه أرضنا، فانهالت علينا قطعان الصهاينة من كل مكان تحت عناوين ما أنزل الله بها من سلطان، ونشطت المنظمات الصهيونية في تشجيع الهجرة اليهودية لأرضنا التي أطلقوا عليها ارض الميعاد ثم حولها الى (الوطن القومي لليهود) حتى أنهم زعموا بأن هذه الارض المسماة فلسطين هي ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) رغم أنهم لم يكونوا في يوم من الأيام شعب بقدر كونهم أتباع ديانة، ولم يحدث على مدى التاريخ أن كان الدين جنسية لاي بلد أو شعب في العالم.
لكن بريطانيا الاستعمارية أوغلت في دمائنا نحن الفلسطينيين، وبالغت في مصادرة حُقوقنا وأرضنا، ومنحها للقادمين الجدد، ففتحت لهم المزارع والمصانع ومراكز التدريب، وسلمت لهم كل الأرلضي التي كانت تحت ادارتها باعتبارها دولة إنتداب، وشيئا.ً فشيئاً بدأ الصهاينة في التكاثر كأنهم الطحالب، ثم بدأوا بتأسيس العصابات الارهابية فنشأت منظمات وعصابات متطرفة من بينها الهاجانا وشتيرن وغيرها الكثير ، ثم بداوا في التدريب والتسلح استعدادا لليوم الموعود الذي نسقوه مع بريطانيا الغادرة.
في ليلة 14 من مايو 1949، إكتملت المؤامرة و أوعزت بريطانيا لحلفاءها الصهاينة الإستعداد للإنقضاض على فلسطين، متفقة معهم بأنها ستعلُن الانسحاب وإنهاء الانتداب، وعليهم أن يعلنوا قيام دولتهم في ذات الوقت لاستلام التركة والسيطرة على كافة المؤسسات الرسمية التي تحكم وتدير فلسطين كوطن بديل للصهاينة، فسلمتهم مراكز الشرطة والمواقع العسكرية، والمؤسسات المدنية، الادارات والوزارات وكل ما يدخل في اطار تشكيل الدولة، وحين اكتملت فصول الجريمة وتسلمت العصابات الإرهابية جميع مفاصل القوة في الدولة، أعلن ديفيد بن جوريون عن قيام دولة الكيان الصهيوني (اسرائيل) فسارعت بريطانيا للاعتراف بها تنفيذاً لوعدها المشؤوم، وهكذا (أعطى من لا يملك من لا يستحق)، وبدأ فصل من فصول مأساتنا كفلسطينيين.
في تلك الليلة الليلاء بدأت المذابح والمجازر، حتى قبل أن تغادر القوات البريطانية المستعمرة، وعلى مرأى ومسمع منها وتحت إشرافها، كانت قُرانا تنتهك و تذبح واحدة إثر أخرى، لقد شرعت العصابات الصهيونية في تنفيذ الخطة لاثبات نظريتها الاستيطانية (أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض) لكننا كنا هناك نزرع ونقلع ونعمر ونبني ونشيد البيوت والمدن، حتى تآمرت علينا بريطانيا وأعوانها وسلموا رؤسنا للصهاينة، فسالت أودية من دماء أبناء شعبنا الفلسطيني، وبدأت المجازر تلاحق اجدادنا وتدمر قرانا بدون إستثناء، فلقد تركتنا بريطانيا بدون سلاح ندافع فيه عن أنفسنا، وسهلت ذبحنا على أيدي العصابات الصهيونية التي لم تكن سوى جيش مدرب على القتل والاغتصاب والحرق والدمار.
أطفالٌ كثر تم قتلهم، رجالٌ كثر تم إعدامهم بدم بارد، أمهات تم بقر بطونهن، وفتيات تم إغتصابهن، وسرقات وإعتداءات بدون عد ومن غير حد، وهكذا أُجبر كثيرون على الهروب والنفاذ بجلودهم، خرجنا فارين من الموت دون أن نحمل في أيدينا أي شيء ذا قيمة سوى إعتزازنا بإنتماءنا لفلسطين واصرارنا على العودة مهما طال الزمن، لكن أولئك الذين تمكنوا من التقاط بعض حاجياتهم، لاحقهم الصهاينة ونهبوهم وسرقوا ماكان بحوزتهم، من هناك بدأت مسيرة ما أطلق عليه النكبة، نكبة الشعب العربي الفلسطيني.
لكننا يا أبنائي وأحفادي لم ننسى ولن نسامح أو نغفر لمن تسبب في نكبتنا، ولن ننسى أو نتنازل عن أرضنا وحقنا في العودة اليها، مهما طال الزمان بنا في بلاد الهجرة واللجوء والاغتراب، لقد أنشأنا أوطاناً تحاكي الوطن الأم ومجتمعات تجسد الصمود والتكافل فيما بيننا، وحفرنا خارطة فلسطين في قلوبنا وقلوب أبنائنا، حافظنا على تراثنا وأدبنا وقيمنا، وصبغنا العالم بألوان العلم الفلسطيني، من أجل أن يعلم العالم بأننا عائدون إلى أرض فلسطين، لن تلغي حقوقنا اتفاقات التطبيع ولن نسمح أن يُضيع بوصلتنا من رَضَخ للاحتلال وقبل بالتظليل والخداع، فأينما حل الفلسطيني ستكون فلسطين بوصلته التي لا تخطئ أبداً، ولو خلقني الله فلسطينياً فإنني لن أحيد عن درب التحرير قيد أنمُله وسأحمي المسجد الأقصى وبيت المقدس وكنيسة القيامة بالروح والدم والوجدان والعنفوان، والله من وراء القصد وللقصة بقية.