بقلم: محمد حسن العرادي - البحرين
قبل إثني عشر عاماً بالتمام والكمال وبالتحديد في العام 2011 شاركت فرنسا في تدمير سوريا وليبيا وساهمت في التحريض على الفوضى في تونس التي إنطلقت منها شرارة ما سمي بالربيع العربي حين أشعل في نفسه النار غضباً وقهراً الجامعي التونسي (طارق الطيب محمد البوعزيزي) المولود في 29 مارس 1984.
توفي الشاب البوعزيزي بعد 18 يوماً من الحادثة، وتحديداً بتاريخ 4 يناير 2011 متأثراً بالحروق التي لحقت به جراء إشعال النار في نفسه إحتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد لعربة بيع الخضار والفواكه التي كان يستخدمها لكسب رزقه، تنديداً برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها ضد الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الملأ وقالت له (إرحل) باللغة الفرنسية.
ولم يتقبل الشاب التونسي تلك الاهانة المذلة فقام في يوم الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010 بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، فإنطلقت تفاعلاً معه ثورة شعبية عارمة أطاحت بالرئيس التونسي القوي زين العابدين بن علي مما إضطره للهروب العاجل خارج البلاد تحت ظلام الليل.
وما لبثت الثورة أن انتشرت في العديد من البلدان العربية، فسارع الاعلام الغربي إلى تسميتها (ثورات الربيع العربي) ونتج عن تلك الثورات دمار كبير في معظم الدول العربية التي أبتليت بذلك الجنون المدعوم من قوى الغرب وعلى رأسه أمريكا وفرنسا بحجة دعم الديمقراطية التي سقطت على أعتاب الثورة في باريس .
لقد تأثر العديد من الشباب العربي بما فعله البوعزيزي فقام ما يقارب 50 مواطناً عربياً بإضرام النار في أنفسهم لأسباب أجتماعية متشابهة تقليداً لما فعله الشاب التونسي، الذي أقيم له تمثال تذكاري تخليداً لذكراه في العاصمة الفرنسية باريس.
لكن فرنسا اليوم وقعت في شر أعمالها حين قام عنصر من الشرطة الفرنسية بالقتل العمد للشاب الجزائري (نائل المرزوقي) المولود بفرنسا من أب هاجر إليها طلباً للرزق والاستقرار، بحجة عدم الامتثال لأوامر الشرطة (نفس الحجة التي قيلت للشاب البوعزيزي) رُغم أن عم نائل لم يتجاوز 17 ربيعاً وهكذاً إنفجرت الاحتجاجات الشعبية في العاصمة باريس وسرعان ما انتقلت الصدامات إلى عدد من المدن الفرنسية مثل مارسيليا وليون وغيرها، ثم تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف ومواجهات مع الشرطة وخاصة في الضواحي التي تعج بالمهاجرين.
ونتيجة الغطرسة والغرور والمعالجات الأمنية الغليظة التي أمر بها الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير داخليته، والمتمثله في الزج بعدد 45 ألف شرطي في المواجهة لكبح جماح الجماهير المنتفضه ضد التمييز الفاضح الذي تمارسه فرنسا بين الفرنسيين من أصول أوربية والفرنسيين من أصول مهاجرة، ازدادت الاحتجاجات وانتشرت في عموم فرنسا.
ويعيش الفرنسيون الأفارقة المحشورين في الضواحي التي تعاني من خدمات أقل جودة من مناطق نظرائهم ذوي البشرة البيضاء، ويُقدر أعداد هولاء بأكثر من 5 مليون مهاجر أغلبهم من دول شمال أفريقيا وتحديداً من الجزائر والمغرب، وهكذا أشتعلت المواجهات وأدت إلى خسائر فادحة في الأموال والممتلكات وقادت إلى حرق عشرات السيارات والمحال التجارية والمرافق العامة.
فهل يكون مقتل الشاب الجزائري نائل المرزوقي المهاجر على يد الشرطي الفرنسي الشرارة التي تشعل (الربيع الأوربي) إنطلاقاً من فرنسا، كما كان مقتل الشاب التونسي محمد البوعزيزي الشرارة التي أطلقت (الربيع العربي) خاصة مع التشابه الكبير بين الحالتين وظروف وأسباب مقتلهما نتيجة الصدام مع الشرطة التي تعاملت بعجرفة وصلافة شديدة وقتل الطفل الجزائري الاصل خارج القانون في الحالتين.
فهل تندلع الثورات الملونة في القارة العجوز وتتنقل شرارة الانتفاضة بين الدول الأوربية كما تنقلت بين الدول العربية، خصوصاً وأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية ليست في أفضل حالاتها هناك بسبب التورط في صراعات وحروب لا تخدم سوى الغرور والتسلط الغربي، وهل ستستغل روسيا والصين الوضع الدولي وتقدم الدعم اللوجستي والاستخباري لدعم هذه الثورات من أجل كسر الغطرسة والعنجهية الأوربية، وكيف سيكون وقع ذلك على التنافس الصيني الأمريكي وعلى نتيجة الحرب الروسية في اوكرانيا، ذلك ما ستنبئنا به الأيام القادمة،