بقلم محمد حسن العرادي
يحلو للبعض التصفيق لتجربة مجلس النواب وهي تدخل الفصل التشريعي السادس وتطوي عقدين كاملين من العمل التشريعي المقنن المضبوط الإيقاع على سلم موسيقي واحد لم يخرج عن سياق النوتة المرسومة له على أيدي الخبراء والمستشارين الجاهزين لتفصيل القوانين حسب الطلب، بإستثناء التجربة اليتيمة التي حاولت الخروج عن النص في الفصل التشريعي الثاني 2006 - 2010، حين مارس النواب المحسوبين على المعارضة - جمعية الوفاق الوطني الاسلامية - تجربة الخروج عن النص المكتوب، لكنها تجربة لم يكتب لها الإستمرار والتطور وفي ذلك أسباب كثيرة ليس هذا مجالها.
يضاف إلى ذلك عدد قليل من المواقف التي إتخذها عدد من النواب المنتمين أو اللامنتمين إلى جمعيات سياسية معارضة وموالية حاولوا البوح بمكنونات صدورهم والاعلان عما يعتقدونه صلاحاً، لكن صدى صوتهم تعرض للكتمان ونفسهم قوبل بالخنق والإسكات، حتى تم إزاحتهم عن المشهد السياسي فيما روج له بعدم أهلية الجمعيات السياسية للدخول في المجلس النيابي، والدفع بالمستقلين للهيمنة عليه، وفي المقابل احتفظ بعض النواب الذين تقبلوا التدجين بمواقعهم برفق نيابي هادئ ، بعد أن عادوا إلى رشدهم الوطني القويم حسب التوجيهات اللازمة، لكن بعضهم بالغ في الانبطاح فإنضم إلى فرقة الردح والليوه التي ترقص على أنغام المرواس والطبل والطارة وتطرب قسراً أو طوعاً لصوت النهام الذي يكرر ما يحفظه من أغنيات ومواويل قديمة لم يتغير رتمها منذ أمد بعيد فصار أدائهم باهتاً وبدون طعم أو لون أو رائحة، اللهم سوى بعض الصراخ والاستعراضات الفارغة وأغلبها حسب الطلب.
وبين الفصول التشريعية الخمسة المنصرمة حدثت تغيرات حادة غيرت وجوه وأعضاء مجلس النواب أكثر من مرة، فأقصي الاعضاء المنتمون إلى جمعيات سياسية - موالاة ومعارضة - كان يعول عليها، وأبعد نواب كان صوتهم عالي السقف، حيث نظرنا اليهم كمشاريع برلمانية قابلة لتكريس تجربة ديمقراطية يمكن أن تتطور وتراكم الخبرات التي يحتاجها العمل البرلماني الرشيد، الذي يستطيع تعزيز الأدوار الرقابية والتشريعية للمجلس ولكن ذلك لم يعجب المخرج كما يبدوا.
وكنتيحة منطقية لعملية الإبدال والاستبدال التي تعرضت لها تشكيلة مجلس النواب بصورة دورية، أصبح أغلب أعضاء مجلس نواب دخولهم لمرة واحدة فقط، الأمر الذي ساهم في إنخفاض سقف أدائهم وزيادة منسوب اللامبالاة والتخبط عند أغلبهم، فلم يعودوا يكترثون بصلاحيات المجلس التي أخذت تتأكل بسبب أن معظمهم كانوا بدون خبرة سياسية، تشريعية أو قانونية تُذكر،
لذا لم يهتموا كثيراً بتسجيل مواقف رقابية أو تشريعية يشار لها بالبنان، معتبرين أنفسهم ضيوفاً طارئين على مجلس النواب ينتفعون وينفعون بالقدر الممكن، وليسوا بحاجة لتسجيل إضافات وازنة أو مواقف يذكرهم التاريخ بها عند رحيلهم أو اعتزالهم، بقدر ما اهتموا وربما كانوا مطالبين بتقطيع الوقت طوال الفصل التشريعي وتمريره بسلام.
لقد تم تفريغ مجلس النواب من صلاحياته بسبب قصور الخبرات وتعمد تضييع الجلسات في نقاشات بيزنطية فارغة جُل ما ميزها الصوت العالي مثل صوت الطبل الأجوف،
ومارست الرئاسة في معظم الأحوال دور الرقيب الذي يعرف ما يجب أن يقال وما لايجب أن يقال، ومن خلال رفع المطرقة في وجه بعض الفلتات في الاوقات اللازمة، أو طلب شطب المداخلات الخارج عن النص من محاضر الجلسات، بل ان مقاطعة الرئاسة لبعض النواب كانت ترقى في بعض الأحيان إلى كوميديا سيئة الإخراج،
كترتيب بعض السفرات والمشاركات الخارجية تأتي لتغير موازين التصويت لصالح أو ضد هذا القانون أو ذاك، وهكذا تم تمرير التعديلات التي انتقصت من صلاحيات المجلس وجعلته بدون أسنان، حتى لو كانت أسناناً لبنية لم يشتد عودها بعد.
لقد إرتاحت الجهات الرسمية المعنية بالتراجع الكبير الذي مسخ الكثير من صلاحيات مجلس النواب، وأفقده أهم أدواته الدستورية إلى الحد الذي أصبح البعض يشّبه دوره بدور وسائل التواصل الإجتماعي، مع فارق الراتب وبعض المزايا المتعلقة بالجواز الخاص وبعض الإمتيازات الشخصية، كتسيير المعاملات الخدمية والطلبات الإسكانية وتوظيف بعض الأصدقاء والمقربين، وفيما عدا ذلك فإن أي ناشط سياسي أو مجتمعي يستطيع رفع المناشدات والمطالبات، والإعتراض على بعض القوانين والقرارات، وانتقاد بعض الممارسات والتعليق على بعض التصريحات الرسمية هنا وهناك كما يفعل النواب معظم الوقت.
وأمام هذا المشهد المخيب للآمال عَزف كثير من الكفاءات والطاقات عن الترشح لانتخابات مجلس النواب، في حين تولت التعديلات - التراجعات - التي أدخلت على قانون مباشرة الحقوق السياسية وأحكام الحل الصادرة بحق عدد من الجمعيات السياسية وقانون العزل السياسي والتعديلات على قانون الجمعيات والأندية بقية المهمة، فساهم ذلك في ابعاد أغلب من يحملون فكراً سياسياً وازناً أو تطلعاً للتغيير وتطوير التجربة التي أصبحت بالفعل تحصيل حاصل.
وفي انتظار موسم الإنتخابات العامة القادم للدور النيابي السادس المقرر في أكتوبر 2022، ومع بعض جُرعات الأمل التي أطلقها التغيير الوزاري الكبير الذي قاده سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وما سبق وما رافق ذلك وما تلاه من تعديلات في بعض المواقع القيادية والسياسات الإدارية، بدا أن بعض الآمال لا تزال معقوده على التعويل على الفرص التي قد تصنعها الانتخابات النيابية للفصل التشريعي القادم على مستوى مجلسي النواب والشورى بل والمجالس البلدية ايضاً.
إنها فرصة تاريخية غير مسبوقة لإحداث نقلة نوعية للإصلاح في النظام السياسي والتشريعي، والأمل بأن تسمح بدخول وجوه نيابية تتمتع بالكفاءة والخبرة والدراية القادرة على إعادة تصحيح الأخطاء واستعادة الصلاحيات التي فقدها المجلس على المستويين التشريعي والرقابي،
بالإضافة الى تجديد شباب مجلس الشورى الذي تكلس الكثير من أعضاءه في مقاعدهم فأصبحوا أشبه بالرييورتات التي تتصرف بشكل آلي بعيداً عن أي حس أو تفاعل إنساني أو مجتمعي، وعلى ذات المقاس نحتاج إلى تغيير كبير في أداء المجالس البلدية وتعزيز وتوسيع صلاحياتها ودورها في تجديد وتحديث البنية التحتية والخدمات، فهل إلى هذا التغيير من سبيل؟ هذا ما ستنبئنا به الايام القادمة فانتظروا انا والبحرين من المنتظرين.