بقلم: محمد حسن العرادي
لا يكاد الرئيس الأمريكي جو بايدن يخرج من أزمة حتى يدلف في أزمة أخرى، قد تكون أقوى وأشد، حتى باتت تصريحاته شبيهة بمياه الإطفائي التي تتدفق بقوة لإطفاء النيران التي تشعلها التدخلات الأمريكية الاستعمارية في كل مكان بالعالم، ويحاول بايدن إخمادها وتلطيفها بكلامه قبل أن تحيط به وتحرق أرجله وأصابع يديه.
بدأت أولى أزمات الرئيس المسن مع الصين التي رفعت منسوب التحديات الإقتصادية وضاعفت من الفروقات في ميزان التبادل التجاري حتى باتت بيجين تمسك بمفاصل الإقتصاد الأمريكي من أعصابه واماكنه الحساسة، خاصة بعد أن ارتفعت ديون أمريكا للصين بشكل لم يسبق له مثيل، وبعد أن احتلت الصين المركز الأول على سلم الاقتصاد العالمي.
ثم توالت الأزمات السياسية والعسكرية وكان أهمها الخروج المُذل والمهين من أفغانستان التي أضحت بين ليلة وضحاها في قبضة حركة طالبان، بعد أن عجزت أمريكا عن حماية عملائها الذين خدعتهم بتحالفها معهم، ثم هربت عنهم في ليلة سوداء وتركتهم تحت رحمة الملالي يفعلون بهم ما يشاءون، وللتغطية على هروبها المخجل لجأت الى الوسطاء لكي يحفظوا ما تبقى لها من ماء وجه مسفوح على قمم جبال تورا بورا، فكانت قطر الوكيل الحصري والوسيط القسري لضمان خروج ما تبقى من قوات وأعوان للامبراطورية الأمريكية المتداعية.
وكانت الهزيمة النكراء والضربة القاضية على يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بطل الكراتيه الذي تفنن في توجيه الضربات القاتلة والركلات واللطمات اللاسعة لأمريكا على رؤوس الاشهاد، مصراً على انهاء نظام القطب العالمي الواحد، بعد ان ترهلت عضلات أمريكا وهرمت فأصبحت أعجز من أن تحفظ هيبتها أو تحمي حليفتها اوكرانيا التي وجدت نفسها تحت رحمة الطائرات والدبابات والصواريخ الروسية المنهمرة عليها صباح مساء، حتى أصبح أصحاب العيون الزرق والشعر الأشقر يعبرون الحُدود بحثاً عن خبز ومأوى كغيرهم من اللاجئين في دول العالم الثالث، ضحايا " الحضارة الغربية" التي لا مبادئ لها ولا صوت يعلو فوق المصلحة والرغبة الجامحة في بيع الاسلحة الفتاكة ونشر الخراب والدمار والتحكم في مصير الشعوب ومستقبلها، خاصة تلك التي ترفض الإنصياع والخضوع للمشيئية الغربية.
وحين أفاقت القارة العجوز - أوروبا- على الحقيقة وجدت نفسها وجها لوجه مع الدب الروسي المفترس الذي أصبح المتحكم الأول في الطاقة والغذاء والماء والهواء، فهو القادر على قطع أمدادات النفط والغاز والقمح والشعير عن أوروبا متى شاء وكيفما شاء، ولكنه اختار أن يلاعبهم برفق وينتقم منهم على أقل من مهله، متبسماً وهو يشاهد الناتو يتهاوى كما تتساقط قطع الشطرنج واحدة إثر الأخرى أمام حركاته الرشيقة والمدروسة على رقغة يتسيدها بكل أقتدار، فتركهم يعيشون الحيرة والتخبط، حتى بات الناتو يبحث عن نصر وهمي مزيف لتعويض الانكسار في هيبته عبر ضم السويد وفلندا للحلف عله يثبت بإنه لا يزال قادرًا على اتخاذ القرارات الصعبة في زمن الهيمنة الروسية الشاملة.
وهكذا وجدت أمريكا نفسها عاجزة عن أي فعل سوى إرسال الأموال وبعض الأسلحة التي لا تغني ولا تسمن من جوع لشعب وحكومة أوكرانيا الذي اضحى لاجئاً في وطنه وخارج وطنه، يبحث عن جنسيات وأوطانٍ بديله، وبعد أن ضحى به رئيسه الممثل الفاشل فولودمير زيلنسكي فاصبح رهينة للأمريكان وقرباناً لأوروبا العجوز ، وهو يتابع مسلسل الهروب الكبير من على حدود دونباس ولوجانسك، ويتحسر على شبه جزيرة القرم والموانئ الأوكرانية التي أضحت خارج الخدمة بفعل الحصار الروسي المشدد.
وفي ظل هذه الأجواء المسيطرة على الفعل ورد الفعل الأمريكي العاجز حد الخيبة والانفعال والارتباك الذي تُرجم على شكل تذبذب وتخبط لم يسبق له مثيل في السياسة الأمريكية الخارجية التي صارت تستجدي النصرة والعون من دول كانت لا تعيرها بالاً ولا تضع لها حسبانا ولا تقيم لها وزناً في شرق آسيا وغرب أوربا وأمريكا اللاتينية.
لقد بلعت أمريكا لسانها وسلمت قلبها المرتجف إلى أيدي دولٍ كانت تعتبرها أعداء لا يمكن أن تتصالح معها ابداً حتى فرضت عليها عقوبات غير شرعية تحت قوة النار بعيدا عن مجلس الأمن والامم المتحدة، فإذا بها تتملق وتنافق فنزويلا وترفع عنها الحصار وتغريها بالإمتيازات الإقتصادية والوعود الفضفاضة برفع الحصار عنها، عل تلك الدول تساهم في تعويض النقص الحاد في أمدادات البترول لأوربا وبقية حلفاء أمريكا، التي لم تكتفي بذلك بل ذهبت بعيداً في التراخي والترجي والانبطاح لإرضاء إيران حتى تساهم في تعويض النقص الهائل من المعروض من البترول في الأسواق العالمية، إلى الدرجة التي أوقفت فيها تهديداتها وأبطلت حصارها ورفعت الحضر والتجميد على أموالها وها هي تجري منهكة خلف إيران للتوقيع على الإتفاق النووي الذي خرجت منه بقرار أحادي حين أعلن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب خروج بلاده رسمياً من الاتفاق النووي مع إيران في 8 من مايو عام 2018 .
في ظل هذا التراجع العالمي للدور الأمريكي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية في جميع الجبهات، وجد الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه مجبراً ومضطراً للقدوم إلى المملكة العربية السعودية للاجتماع مع قادتها وقادة دول مجلس التعاون وبعض الدول العربية يترجاهم بضخ المزيد من النفط والمساهمة في حصار روسيا ومعاقبتها على جرأتها تحدي الهيمنة الأمريكية، لكنه رغم ذلك لم يتخلى عن غطرسته وتعاليه وغروره البائس، فراح يضع الشروط، ويمعن في المكابره وكأن أحداً دعاه أو ترجاه ليأتي إلى المنطقة، وكأن العالم كله لا يعلم بأنه يأتي صاغراً زاحفاً لإنقاذ حلفاءه الغربيين من تداعيات واشتداد أزمة الطاقة بسبب انقطاع تدفق البترول والغاز الروسي عن أوروبا خاصة ونحن مقبلون على شتاء قارص، يتهدد الدول الأوربية بموجة برد مميتة، وبالمزيد من الأزمات الاقتصادية والغذائية التي بدأت تشتد منذ الآن، فاصبح معظم حلفاء أمريكا تتهددهم الانقلابات وسقوط الحكومات كما حدث لبوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الحليف الأقرب إلى قلب أمريكا، وكما حدث لماكرون فرنسا الذي فقد الأغلبية البرلمانية وأصبح أسير التحالفات الحزبية الضيقة.
في ظل هذه الظروف لابد من رسالة واضحة تصل إلى الكاوبوي الأمريكي الذي لايزال يظن نفسه الفارس الذي يمتطي حصاناً ويحمل بندقية صيد يصطاد بها الهنود الحمر فيقتل ويأسر بدون حسيب أو رقيب، أفق أيها اليانكي الأمريكي، فلقد تغير العالم ولم تعد القطب الأوحد الذي يتحكم بمصير ومستقبل العالم، وقد آن لك أن تتعامل مع قادتنا في السعودية ودول الخليج بما يستحقون من احترام وتقدير.
دول الخليج العربية لن تكون بعد الآن نهباً لاطماعكم أو حضيرة وحديقة خلفية تتلقى أوامركم وتلبيها دون نقاش أو دراسة وشروط تحقق مصالحنا وتطلعاتنا، فاخلع نعليك إذا أردت أن تدوس بساط دولنا الأحمر، وتواضع إن أردت مخاطبة شعوبنا وقادتنا، وعليك أن تتعلم استخدام لغة دبلوماسية مقبولة ومدروسة، فنحن لسنا قطيعاً يتبعك حيث تسير، ولتعلم بأننا أولى بإستخدام نفطنا وغازنا وثرواتنا لتحقيق مصالحنا وأن المواقف والتحالفات لم تعد بالمجان، وأن زمان الأمريكان قد ولى وبان الى غير رجعة، فتعامل معنا حسب وزننا ودورنا ياصانع الأزمات في كل مكان، قبل أن توصد أبوابنا في وجهك كما اوصدت ابواب عديدة في مناطق اخرى من العالم.