الطريق الى تفعيل الحياة السياسية في البحرين - 5
بقلم محمد حسن العرادي
لاقت المقالات الأربعة من هذه السلسلة بعض الإنتقاد بسبب طولها، لذا وجب التماس العذر والتنويه الى أنني سأراعي الإختصار في المقالات التالية تجاوباً مع هذه الملاحظات المحترمة .
لقد إكتشفت بأن عدداً كبيراً من المواطنين لايكترثون بالقوانين التي تحكم حياتهم وتضبط إيقاع تعاملاتهم مع المؤسسات الرسمية، إلا بالقدر الذي يمس حياتهم المعيشية بشكل مباشر، كما أن منظومة القوانين التي تنظم وتسّير عمل الدولة ومؤسساتها لاتحظى بالإهتمام الإعلامي اللازم من قبل وسائل الاعلام الرسمية و (الحزبية)، وفي الواقع لايتم اللجوء الى هذه القوانين الا عند وقوع كارثة أو مصيبة وخاصة القوانين السياسية، وهذا يدلل على الحاجة الى إطلاق عملية تثقيف سياسي واسع يتبناها الإعلام الرسمي (إعلام الدولة) والإعلام الشعبي على حد سواء للخروج من الأمية الحقوقية .
وبالعودة لإستعراض مواد قانون الجمعيات السياسية رقم (29) لسنة 2005، سنستعرض هنا عدداً من المواد التي تحدد النظرة الرسمية إلى أموال الجمعيات السياسية وكيفية التعاطي معها؛ ورغبة في التخفيف على القارئ، سيكون من المفيد ان نبدأ بمطالعة المادة رقم (15) التي تنص على " لا يجوز صرف أموال الجمعية إلا على أغراضها وأهدافها طبقاً للقواعد والإجراءات التي يتضمنها نظامها الأساسي.
والحقيقة أن معظم الجمعيات السياسية في البحرين لا تمتلك مصادر تمويلٍ كبيرةٍ تستدعي مِثل هذا التشدد ، فهي تعتمد في إيراداتها على إشتراكات الأعضاء وتبرعاتهم خاصة وأن غالبية هذه الجمعيات قد تأسس حديثاً أو إنتقل من العمل السري إلى العمل العلني منذ فترة بسيطة لم تمكنه من تحقيق أية فوائض مالية، ثم أن مصادر تمويله محصورة ومراقبة وفق آلية رسمية صارمة، وللتدليل على ذلك نجد أن هذه المادة تنص: على الجمعية إبلاغ وزير العدل بنسخة من موازنتها السنوية خلال الربع الأول من السنة."
أي أن أي تصرف مالي في ميزانية الجمعيات السياسية مرصود ومراقب بشكل رسمي ودوري، الأمر الذي لا يتيح لها حرية الحركة والمناورة خاصة مع معرفتنا التامة بالتطور الكبير في أنظمة الرقابة المالية في مملكة البحرين,
لكن هذه المادة لا تكتفي بدورية التقارير المالية بل تطالب الجمعيات السياسية ببيان مواردها المالية ومصادر التمويل وووضعها المالي ، وبمعنى آخر فإن هذه الجمعيات لا تستطيع الحصول على دعم وتبرعات مجهولة او (مخفية) المصدر أو مساهمات مفتوحة لتمويل حملاتها الإنتخابية، أو برامجها الفكرية والإعلامية والثقافية والحزبية كالدورات التدريبية والمؤتمرات السياسية والجماهيرية وحتى البرامج الإجتماعية، التي من شأنها التعريف بهذه الجمعيات بين الناس وتلمس احتياجاتهم وتوجهاتهم، ويمنعها ذلك خاصة من الحصول على دعم طبقة التجار ورجال الأعمال التي تخشى من الملاحقة والتضييق أن هي ساهمت في تمويل هذه الجمعيات وفق قاعدة رأس المال جبان.
ولا تكتفي هذه المادة بطلب التقارير المالية والموازنات بل تحدد الجهة الموكلة بمراقبة الجمعيات السياسية أسوةً بالوزارات والمؤسسات الرسمية فتنص على "يتولى ديوان الرقابة المالية بصفة دورية، أو بناء على طلب وزير العدل، مراجعة دفاتر ومستندات حسابات إيرادات ومصروفات الجمعية وغير ذلك من شئونها المالية، وذلك للتحقق من سلامة موارد الجمعية ومشروعية أوجه صرف أموالها، وعلى الجمعية أن تمّكن الديوان من ذلك.
وبدا وكأن هذه الجمعيات السياسية التي لم يمضِ على تأسيسها وقت إصدار القانون أكثر من ثلاث سنوات فقط، تتلقى دعماً رسمياً وفيراً على شكل عطايا وهبات مالية وتحصل على دعمٍ ماليٍ سخيٍ من شركات ومؤسسات القطاع الخاص، أو كأن مؤسسوا هذه الجمعيات هم من الأثرياء وأصحاب الملايين الذين يستطيعون صرف وتحويل الكثير من التبرعات لها كما يحدث في أمريكا وأوربا مع الأحزاب الرئيسية التي تتداول السلطة، وتمتلك وتدير العديد من المصانع والشركات التجارية الفاحشة الثراء، والحقيقة هي أن التضييق المالي الذي مارسه هذا القانون قد أثر سلباً على قدرة الجمعيات السياسية على التمدد والإنتشار وتدشين برامج تدريب وترويج وأستقطاب لمزيد من الأعضاء والكوادر، وكأن هذه المادة وغيرها قد جاءت بهدف إبطاء إيقاع عمل الجمعيات وتعطيل تغلغلها وإنغماسها في المجتمع، تمهيداً لإنهائها، أو رغبة في إبقائها ديكوراً سياسياً مجملاً للحالة البحرينية دون أن يكون لها أي تأثير على تطوير العملية السياسية الإصلاحية في البحرين في إتجاه تثبيت الأصول الديمقراطية أسوة بالديمقراطيات العريقة التي نادى بها ميثاق العمل الوطني
ولا تكتفي هذه المادة بذلك بل تنص؛ "على الديوان المشار إليه إعداد تقرير سنوي عن كافة الأوضاع والشئون المالية للجمعية وإخطار وزير العدل بنسخة منه.
أي أن كل خطوات الجمعيات السياسية والأعمال التي تقوم بها في سبيل تثبيت نفسها وإكتساب عناصر جدد مرصودة وتحت المجهر والرقابة اللصيقة، وهذا يُرسل دون شك الكثير من التحذيرات الواضحة لإدارة الجمعيات وللأفراد الراغبين في الإنتماء إليها ويخوفهم من ذلك ؛ الأمر الذي فرض على الجمعيات نمواً بطيئاً وعجزاً لافتاً عن إكتساب أعضاء جدد، بل وساهم في تراجع عدد العضويات نتيجة الإنسحابات المتتالية التي شهدتها هذه الجمعيات حتى تقلص عدد أعضائها إلى بضع مئات وفي أحيان أخرى إلى بضع عشرات أو بضعة أفراد، خاصة وأن القانون ينص على وجود 50 شخصاً مؤسساً لأي جمعية سياسية وقد أدى ذلك الى إقدام بعض الجمعيات على حل نفسها كما حدث مع جمعية الإخاء البحرينية بالمحرق التي وجدت نفسها غير قادرة على الإستمرار نتيجة الضغوط المالية والاداري
ويحق لنا هنا أن نتساءل عما إذا كانت الجمعيات المنحلة قد إرتكبت أي مخالفة مالية قادت الى الحُكم القاضي بأغلاقها ومصادرة أموالها وأملاكها في دولة القانون والمؤسسات، أم أن ذلك جاء من قبيل الكيدية السياسية؟
ولماذا لم يتاح لهذه الجمعيات عند حلها تحويل أموالها وممتلكاتها إختياريا إلى جمعيات أخرى كما ينص على ذلك القانون نفسه.
أما المادة رقم (16) فإنها تستكمل منظومة الرقابة اللصيقة التي تضيق فرص العمل السياسي إلى أبعد الحدود فتنص على : " تعتبر أموال الجمعية في حُكم المال العام في تطبيق أحكام قانون العقوبات، ويعتبر القائمون على شئون الجمعية والعاملون بها في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام القانون المشار إليه.
ويلاحظ هنا أن هذه المادة إعتبرت القائمين على شئون الجمعية بمثابة الموظفين العمومين الذين يتلقون توجيهاتهم من السلطات الأعلى منهم! وهل يجوز ان تطبق قوانين العزل السياسي على موظف عام يتلقى أوامره من رؤساءه وهو مطالب بتنفيذ هذه الأوامر بحُكم الهرمية الإدارية والوظيفية التي تجعل منه فرداً خاضعاً للقانون والمراقبة المالية، خاصة اذا لم يثبت عليه إرتكاب أي مخالفة مالية أو إختلاس أو إساءة تصرف في الأموال والممتلكات التي تقع تحت يديه.
وطالما أن الأموال الخاصة بالجمعيات هي أموال عامة، فإن على الجهات الرسمية أن تحرص على المحافظة عليها وعدم مصادرتها بل إعادة تدويرها في جمعيات نفع عام أخرى حتى يساهم ذلك في تطوير مجالات العمل الأهلي والمجتمعي بما يعزز من التحول الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات والقانون والشراكة الأهلية في المسئولية الاجتماعية.
في المقال التالي نستكمل استعراض مواد قانون الجمعيات السياسية فانتظرونا قريباً.