بقلم محمود القصاب
ما أقدم عليه الكيان الصهيوني النازي المجرم مساء يوم الثلاثاء السابع عشر من أكتوبر الجاري بارتكابه مجزرة مستشفى المعمداني في غزه العزه والصمود، وراح ضحيتها أكثر من 500 شهيد من الأطفال والنساء والمرضى، ليست سوى جريمة تضاف إلى سجله الإجرامي ضد شعبنا العربي في فلسطين المحتلة طوال عقود من الأحتلال، والتي بلغت قمة الوحشية منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" البطولية التي زلزلت هذا الكيان الغاصب وأفقدته صوابه من هول الصدمة والمفاجأة التي أربكت حساباته وكشفت عن فشل وهزيمة أجهزته الاستخباراتيه المتعددة؟؟
وهذا ما يفسر تمادى هذا الكيان الغاصب في جرائمه وهو يواصل عدوانه الهمجي أمام مسمع وبصر العالم وصمت المجتمع الدولي الذي بات مسؤولاً وشريكاً في هذه الجرائم، وقد تجلت هذه الشراكة في أقبح وأوقح صورها في الموقف الأمريكي الإجرامي السافر الذي قدم الغطاء للعداون علي كل المستويات السياسية والعسكريه والدبلوماسيه والأعلامية؟؟ وقد سارت الدول الغربيه الأخرى في الاتجاه نفسه، خاصة بريطانيا المسؤولة تاريخياً وأخلاقياً عن وجود هذا الكيان المسخ على أرض فلسطين والذي شكل قيامه منعطفاً مصيرياً ومحطة لتغيير جذري في الوطن العربي بعد نكبة عام48.
ما تشهده غزة اليوم وما يعانيه الشعب العربي الفلسطيني من حرب إبادة جماعية، وأستباحةٍ كاملة تضعنا أمام مشاهد مأساوية مروعة بكل تفاصيلها بعد ان سقطت معها كل القيم الإنسانية والأخلاقية وسقط معها هذا العالم المليء بالنفاق والكذب والعنصرية وتكشف حقيقة وجوهر هذه القوى التي تدعي كذباً وزوراً دفاعها عن حقوق الانسان وعن قيم الحضارة؟؟ ومع كل هذه سقطت أيضاً للأسف معها الأنظمة والحكومات العربية التي صارت بسكوتها ومواقفها المتخاذلة عوناً ودافعاً للعدو المجرم على مواصلة حرب القتل والتدمير ضد الأشقاء في غزة، بينما كان يجب على هذه الأنظمة أن تقف أمام ما يجري برؤية قومية تستوعب حقيقة المتغير الأستراتيجي الهام الذي أوجدته عملية "طوفان الأقصى" في إطار صراعنا التاريخي مع هذا الكيان الغاصب، وأن تقوم بقراءة هذا التحول في مجرى الصراع بمنظور أستراتيجي مغاير يتم معه تصحيح المواقف والسياسات تجاه القضية الفلسطينية وإعادة صياغة أسس الصراع مع هذا الكيان الغاصب العدو التاريخي للأمة. وفق مقومات أساسية أولها فهم وإدراك حقيقة ما يحاك من خطط ومشاريع في الغرف السوداء للدول المتواطئة مع الصهاينة في خلق "دولة الكيان الاسرائيلي" في قلب الوطن العربي لحماية مصالحها والاعتماد عليه في القيام بالحروب وكالة ضد كل من يعارض أو يهدد هذه المصالح.
من هنا فإن كل ما تشهده المنطقة العربية من أحداث وفتن وحروب يدخل في أطار استراتيجية هذه القوى التي عملت على اختلال التوازن الأستراتيجي وتصاعد الهيمنة الأمريكية الصهيونية التي عملت على تفجير وتمزيق معظم الدول العربية من خلال حروب (الفوضى الأمريكية الهدامه) وما حصل في العراق ليس بعيداً عنا عندما جرى احتلاله وتدميره ومن ثم جرى إعادة تركيبه بلداً مقسماً إلى فيدراليات عرقية ومذهبية، ثم جاء دور سوريا وليبيا واليمن ولبنان والسودان، لذلك من السذاجة السياسية أن تتصور أي دولة عربية بأنها ستكون في مأمن عن هذا المصير بمجرد خضوعها وأستسلامها لشروط الكيان الغاصب وإن التطبيع وإقامة علاقة دبلوماسية معه كفيل بحمايتها؟؟ بل على العكس من ذلك سيكون التطبيع في ظل اختلال التوازن والضعف العربي أول مسمار يدق في نعوش هذه الدول بعد أن يتم تكريس "دولة الاحتلال" وفرض هيمنتها علي حساب المطالب الفلسطينية المتعلقة بالأرض والهوية والحقوق، نقول ذلك لاننا نعرف ونعيش اليوم في هذا الزمن العربي الرديء المشحون بمظاهر التراجع والتخاذل والتنكر للحق الفلسطيني، وما يعانيه الواقع العربي من انحدار قومي وتمزق سياسي قل نظيره بعدما شهدته المنطقة العربية من متغيرات وبات خطر المشروع الأمريكي الصهيوني في "التسوية" و "التطبيع" يهدد الأمة العربية أكثر من السابق والاستسلام لهذا المشروع يوازي مخاطر الحرب معه؟؟ لذا فإن الأقطار العربية مطالبة بأن تعي بأن مايجري الآن في غزة حتماً سوف يعيد ترتيب التوازنات الأقليمية والدولية من جديد، وإن هذه الحرب سوف تكون بدون أدنى شك جزءاً من صياغة ملامح المنطقة في الفترة القادمة وتوظيف نتائجها لرسم خرائط سياسية جديدة لدولها، وعليها- أي الدول العربية – أن تختار المسار الصحيح وأن تعيد تموضعها إلى جانب الحق الفلسطيني. فلم يعد من المقبول إنهاء صراعنا التاريخي مع هذا الكيان الغاصب الغاشم لصالحه وشروطه المبتذلة، فالصراع هو صراع أجيال، وصراع مواجهة حضارية وتاريخية مهما تعاظمت جرائمه سوف تتصاعد حالات الممانعة والمقاومة العربية، وما يحاول فرضه التحالف الأمريكي الصهيوني علينا ليس قدراً لا فكاك منه، كذلك التاريخ والمجتمعات ليستا قوالب جامدة لا تتغير، فالجماهير العربية تنتفض اليوم وترفض الخضوع لإرهاب هذا التحالف وتخرج إلى الشوارع في حشود مناصرة للقضية الفلسطينية وداعمة للمقاومة.
على مدى 75 عاماً دفعت فلسطين أثماناً باهضة من حريتها وسيادتها واستقرارها، وعاش شعبها مقسماً بين لاجئين ومهجرين، وبين آخرين محاصرين تحت وطأة الأحتلال الذي يرتكب أبشع الجرائم والمجازراليومية لن تكون آخرها مجزرة مستشفى المعمداني والذي لن تردعه قوانين أو مواثيق دولية ولن تنفع معه مبادرات أو خطوات تطبيعية فهو ماضً في تنفيذ جرائمه القديمة الجديدة، التي هدفها الرئيسي طرد الفلسطينين من أراضيهم وإحلال المستوطنين الصهاينة مكانهم. هي ذات السياسات وذات الطريقة وذات الأفكار التي أوجدت ورسخت احتلال فلسطين عام 48، وأدوات تنفيذ هذا المخطط هي ذاتها – الحروب والقتل والترويع والعقاب الجماعي.
اليوم قال الشعب الفلسطيني كلمته، وأثبت قدرته على المواجهة والانتصار من خلال عملية (طوفان الأقصى) وأثبت أنه شعب لا يقهر، وأن إرادة الصمود والإيمان بالوطن والأرض أقوى من الطغيان والاحتلال.
في هذه اللحظات التاريخية بالرغم من قساوتها وحجم تضحياتها فإن فلسطين المقاومة تكتب التاريخ، وتكتب موعداً مع المستقبل الحامل لقيم الحرية والعدالة والأستقلال.
لقد طفح الكيل مع هذا الغاصب المجرم، وبلغت القلوب الحناجر، ولم يبق في قوس "الصبر منزع".