بقلم : د. نبيل تمام
كان الوقت الثانية بعد منتصف الليل، وكنا نشعر بإرهاق شديد بعد يوم طويل في استقبال اما شهيدًا او جريحًا في طواريء مستشفى أبو يوسف النجار في رفح جنوب قطاع غزة إبان عدوان العدو الصهيوني على غزة ٢٠٠٨-٢٠٠٩، وكنا على وشك الاستراحة في غرفة العناية القصوى التي تم تخصيصها لنوم الطاقم الطبي المتطوع حيث كنت مع الدكتور علي العكري ومجموعة من الاطباء المصرين.
جاءتني إحدى الممرضات جريًا لتخبرني بضرورة حضوري لغرفة الطواريء لوجود حالة سيدة تنزف بشدة من أنفها، ما جعلني اسرع معها الى غرفة الطواريء المليئة بالجرحى والدماء.
هرعنا سريعًا الى عيادة الأنف والأذن والحنجرة، لأخذ بعض المعدات المتوفرة لوقف النزيف، وبعد ادخال فتايل الأنف وبها بعض الأدوية المتوفرة وبعد عدة محاولات وعلى مدى تجاوز النصف ساعة، توقف النزيف.
تم وضع الحاجة قرابة الساعة للمراقبة والمعاينة، ولم نستطع ادخالها المستشفى لعدم توافر سرير شاغر لأن المستشفى كان يستوعب جرحى اكثر من سعته الاعتيادية، قررت الحاجة وبكل جرأة انها ستذهب الى منزلها مشيًا وستحضر للمعاينة صباحًا، رغم أن العدو كان يقصف أي شيء يتحرك خارج المستشفى.
رجعت مرهقًا لغرفة العناية القصوى لأروي ما حدث للدكتور علي العكري بعد ما انهى عمليات ذلك اليوم، حيث لم نتمكن من النوم وقتها نتيجة تواصل القصف على رفح من قبل دبابات العدو الصهيوني والتي كانت متمركزة على بعد عدة كيلومترات من المستشفى.
جائني أحد المسؤلين عنا وعن أمننا وتحركاتنا والذي يغذينا ليليًا بكيس مليء بالبخصم مع الشاي بالحليب ليهمس في أذني بأن أراعي تلك السيدة المصابة بالرعاف والتي اوقفت نزيف أنفها للتو وذكر السبب بأنها أم لسبعة من الجهاديين الفدائيين المقاومين في الجبهة والذين استشهدوا جمعيهم في ذلك العدوان البربري الغاشم.
سيدة وأم لسبعة شهداء، كانت ذا صلابة ووقار مع زوجها، في ليلة تملؤها ضجيج القنابل، صامدة صمود الجبل، وجهها يترائى لي وأنا أكتب هذه القصة والتي تذكرت وعشت تفاصيلها اليوم مع سماع دخول قوات الاحتلال الغاشم الصهيوني مستشفى الشفاء في غزة.
شموخ وبطولة وقوة صبر وتحمل مليئة بالتحدي وتحقيق هدف شعب، وتلك حتمًا حكاية تحرير الأرض.