DELMON POST LOGO

قراءة في الدعم الاقتصادي الأمريكي للكيان الصهيوني

يبلغ يحجم الدعم العسكري فقط للكيان الصهيوني اكثر من 3 مليارات دولار سنوياً

الكيان الصهيوني استحوذ على اكثر من 50% من اجمالي الاستثمارات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط

بقلم : أحمد عبدالأمير

• اسمحوا لي أن ابدأ الندوة بهذا الإقتباس:

"ان إسرائيل هي افضل استثمار فعلته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بتكلفة 3 مليارات دولار.

لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة "

عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جو بايدن سنة 1986

الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية

ويقول الرئيس الأمريكي جو بايدن في زيارته التضامنية مع الكيان الصهيوني بتاريخ 18 اكتوبر 2023 بعد عملية طوفان الأقصى:  

"إسرائيل يجب أن تعود مكاناً آمناً لليهود، وإنه ان لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على اقامتها"

الإحتضان الأمريكي للكيان الصهيوني:

• قاد القس الإنجيلي الأمريكي وليام ايوجين بلاك ستون (1841 – 1935) عريضة شعبية عرفت بإسم (عريضة بلاك ستون) سنة 1891 ورفعت هذه العريضة الى الرئيس الثالث والعشرين للولايات المتحدة بينجامين هاريسون (حكم: 1889 – 1893) وطالبت العريضة بتسليم فلسطين إلى اليهود. توسعت هذه المجموعة التبشيرية المسيحية واستطاعت ان تكسب تعاطف العديد من الرأسماليين الأمريكيين الذين قاموا بتمويل انشطتها داخل امريكا وفي الشرق الأدنى.

منذ بدايات تشكل الحركة الصهيونية، ابدت اهتمامها بالعالم الجديد، فقد رأت هذه الحركة اليهودية المتطرفة في تشكل الولايات المتحدة نموذجاً يحتذى به. وجاء عام 1897 وتأسست المنظمة الصهيونية في امريكا ZOA في نفس العام الذي تأسس فيه المؤتمر الصهيوني الأول وقد اخذت هذه المنظمة على عاتقها التبشير بالقضية الصهيونية وجذب الدعم المالي من النخب الرأسمالية وبدأت المحاولات الأولى لتشكيل مراكز ضغط على مؤسسات صنع القرار داخل المؤسسات السياسية للدولة الأمريكية الفتية وتحديداً كانت الولايات في مدينة نيويورك.

• استطاعت المنظمة الصهيونية في امريكا من أن تنوع انشطتها مستغلة الحراك المجتمعي وديناميكية المجتمع الأمريكي فشكلت اذرع عمالية واجتماعية وثقافية واستطاعت ان تستقطب نخباً ثرية ومؤثرة داخل المجتمع الأمريكي وتغير قناعات شريحة من هذه النخب المتبنية تقليدياً لخطاب معاد لليهود.

• بين الأعوام 1870 و1900 وهي حقبة اعادة البناء بعد الحرب الأهلية الأمريكية (1861 – 1865) طفرة اقتصادية ساهمت في اثراء الكثير من رواد الأعمال والأسر التجارية  ومنها عوائل فاندربيلت وروتشيلد واستورز وديبونت، وجميع هذه الأسر لديها علاقات متينة مع المنظمات الصهيونية الوليدة آنذاك وساهمت في فترة لاحقة في الدعم المالي للصندوق القومي اليهودي الذي لعب دوراً بارزاً في شراء الأراضي وتأسيس المستوطنات وتوطين اليهود وفي ثلاثينات واربعينات القرن العشرين ساهم الصندوق في تمويل وتدريب وتسليح العصابات الصهيونية (الهاجاناه، ارجون، بيتار، شتيرن، بلماح) .

• من المهم هنا التوقف عند ابن عائلة روتشيلد وعضو البرلمان البريطاني والمصرفي ليونيل والتر روتشيلد (1868 – 1937)، احد كبار زعماء وممولي الحركة الصهيونية الذي تلقى الخطاب المشؤوم من صديقه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور مؤرخ في 2 نوفمبر 1917 متعهداً بدعم الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود  . وصندوق ادموند دي روتشيلد (1845 – 1934) الذي وبحسب البيانات المنشورة على موقعه الإلكتروني للأعوام 2017 – 2018 قدم دعمه لـ 37 مؤسسة اكاديمية داخل الكيان و6 وزارات و40 الف مشارك في برامجه ومقدماً 1000 منحة تعليمية.  

جذور الإحتضان الأمريكي الرسمي للحركة الصهيونية:

• جذور الإحتضان الرسمي الأمريكي للحركة الصهيونية بدأت عهد الرئيس الأمريكي وودرو ويسلون (حكم: 1913 – 1921) حيث تكررت تصريحاته المتعاطفة مع الحركة الصهيونية في عام 1919 وابدى موافقته على وعد بلفور المشؤوم. وفي 21 سبتمبر 1922م مرر الكونغرس في جلسة مشتركة تشريعاً مؤيدأ أن تكون فلسطين وطناً قومياً لليهود وهو نفس الذي اقرت فيه عصبة الأمم الإنتداب البريطاني على فلسطين.  

بدايات المساعدات الأمريكية للكيان الصهيوني:

• بدأت المساعدات العسكرية الأميركية للكيان عام 1959، وبلغت 400 الف دولار، ولكن التعاون العسكري بينهما بدأ فعليا في 1952 بتوقيعهما اتفاقا للدعم اللوجستي الثنائي تلاه اتفاق حول تعاونهما السياسي والأمني. وارتفع مبلغ الدعم العسكري إلى 1 مليار دولار سنة 1979.

• ومنذ 1959 بدأت الكيان بتلقي مساعدات أمنية وعسكرية أميركية أصبحت دائمة بعد حرب 1967، وذلك عقب إنهاء فرنسا علاقاتها الأمنية مع إسرائيل، ووصلت ذروة المساعدات العسكرية الأميركية ( بعد اتفاق السلام مع مصر في 1979 حيث ارتفعت من 1 مليار دولار سنة 1979 إلى 4 مليار دولار سنة 1980.  

• وفي 1985 اتفق رئيس الوزراء الصهيوني السابق شيمون بيريز مع جورج شولتز وزير الخارجية الأميركي الأسبق في إدارة الرئيس رونالد ريغان على منحة سنوية قيمتها 3 مليارات دولار، معظمها للأمن وشراء المعدات العسكرية.

• اليوم الولايات المتحدة هي الراعي الرسمي للكيان الصهيوني والداعم له سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبحسب موقع السفارة الأمريكية في الكيان الصهيوني يبلغ يحجم الدعم العسكري فقط للكيان الصهيوني اكثر من 3 مليارات دولار سنوياً.

• وبحسب سجلات المكتبة اليهودية، استلم الكيان اول دفعة مساعدات امريكية مباشرة بعد تبادل التمثيل الدبلوماسي سنة 1949 وتركزت المساعدات على الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وليس العسكرية بين الأعوام 1949 – 1958 وبدأت المساعدات العسكرية بالتدفق من سنة 1959 وارتفعت في سنة 1974 أي بعد حرب اكتوبر الى 2,483 مليار دولار. وقد استلم الكيان من بين الأعوام 1949 – 2023 ما يقارب 160 مليار دولار ضمنها 112 مليار دولار أو ما يعادل 70% من اجمالي المساعدات الأمريكية كدعم عسكري.  

• والدعم العسكري الأمريكي المباشر لآلة الحرب الصهيونية في عام 2021 يقدم مؤشر واضح على المساندة اللامحدودة للكيان الصهيوني فقد استلم الكيان دعماً بقيمة 3.3 مليار دولار ليأتي في المركز الأول عالمياً وتأتي مباشرة من بعده مصر التي طبعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني ووعدت بدعم لا محدود مستلمة 1.1 مليار دولار والأردن في المركز الثالث بمبلغ 428 مليون دولار.

• وبين الأعوام (1990 – 2021) بقى الكيان الصهيوني على في صدارة الحاصلين على الدعم الاقتصادي من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، بإستثناء اوكرنيا في سنة 2022 التي حصلت على دعم اضافي بسبب حربها القائمة مع روسيا.

• خلال ادارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما (حكم: 2009 – 2017) اتفق مع حكومة نيتنياهو على تقديم عسكري بقيمة 38 مليار دولار بين الأعوام (2017 – 2028).  

• وبعد عملية "طوفان الأقصى" تقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن بطلب عاجل إلى الكونغرس لإعتماد مبلغ 100 مليار دولار وذلك لدعم إسرائيل واوكرانيا وتايوان والتصدي للهجرة على الحدود الأمريكية – المكسيكية  

• بحسب مكتب الإحصاءات الإقتصادية التابع لوزارة التجارة الأمريكية بلغت الإستثمارات الأمريكية المباشرة في الكيان الصهيوني سنة 2022 ما يقارب 42 مليار دولار تقريباً (مرتفعة من 34 مليار دولار تقريباً سنة 2019) منها 32 مليار دولار في القطاع الصناعي الصهيوني. وهنا مهم التنويه بأن الكيان الصهيوني استحوذ على اكثر من 50% من اجمالي الاستثمارات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

• هذا بالإضافة أن الولايات المتحدة هي الموطن لأكبر مؤسسات المجتمع المدني الداعمة للكيان الصيوني وعلى رأسها لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) ورابطة مكافحة التشهير بإسرائيل (ADL) والفيدرالية اليهودية في امريكا الشمالية التي اطلقت حملة لجمع نصف مليار دولار لدعم الكيان الصهيوني في حربه ضد المقاومة الفلسطينية   و الصندوق الوطني اليهودي (JNF) والحركة الأمريكية الصهيونية (AZM)  

المجال العسكري من اهم ركائز التعاون الصهيوني – الأمريكي:

• إنتماء الكيان الصهيوني عسكرياً إلى المدرسة العسكرية الأمريكية فيما يتعلق بالعقيدة القتالية، وونظم التسليح واساليب القتال، حيث استفاد الكيان من الخبرة العسكرية القتالية الأمريكية في تنمية قدراته الحربية.

• الحفاظ على التفوق العسكري المطلق للكيان الصهيوني على كافة الجيوش العربية المجاورة وذلك من خلال الدعم الأمريكي في ثلاثة تطبيقات رئيسية وهي:

- تطبيق التقنيات العسكرية المتقدمة التي توصلت لها آلة الحرب الأمريكية.

- تحقيق الإكتفاء الذاتي في قطاع الصناعات الحربية الذي يتناسب مع امكانيات الكيان الصهيوني ويتوفق على الدول العربية.

- دعم الكيان في امتلاك اسلحة الردع وبما يكفل ردع الجيران وعدم اللجوء إلى القوة ضدها، وهذا ما يفسر امتلاك الكيان للسلاح النووي والبيولوجي والكيماوي وصواريخ بعيدة المدى.  

هل للكيان الصهيوني أن يستمر طويلاً دون أمريكا؟

• الإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر السهل، فـ "إسرائيل" كيان قوي بكل المقاييس، فعلى المستوى الاقتصادي كياناً صناعياً ويحتل مرتبة متقدمة تقنياً على مستوى العالم، كما أن اقتصاده يحظى بتصنيف متقدم، ومستوى الدخل الفردي مرتفع، إضافة إلى درجات نمو مرتفعة ومتزايدة في السنوات الأخيرة، عدا عن بناء علاقات اقتصادية وتجارية مع كثير من دول العالم التي كانت لا تتعامل معه سابقًا، بما في ذلك دول عربية.

• أما على المستوى العسكري فالكيان بات اليوم أحد أبرز القوى النووية في العالم، وهو حسب كثير من التقارير يمتلك أكثر من 200 رأس نووي، عدا عن امتلاكه لأفضل أنواع الأسلحة في العالم سواءً في البحر أو البر أو الجو، إضافة إلى امتلاكها لنظام دفاع صاروخي متقدم.

• لكن وفي نفس الوقت يعيش الكيان الصهيوني في بيئة معادية له تمامًا خاصة على مستوى الشعوب، فالشعوب العربية حتى الآن ما زالت ترى في الكيان الصهيوني عدوًّا أساسيًّا ووجودياً لها، ويزيد من حدة هذا الشعور وتناميه الاعتداءات الصهيونية المتكررة على العرب سواء في فلسطين أو غيرها من البلدان العربية، ورغم أن علاقة الكيان بكثير من الحكومات العربية مستقرة وجيدة، إلا أن التغيير قد يحدث في أي لحظة في هذه البلدان العربية وخاصة في تلك الدول المتصالحة مع الكيان مما يعني إمكانية تسلم الحكم في هذه البلدان من قبل أطراف معادية للكيان، كما أن احتمالية تبدل أولويات الدول الراعية للكيان وتراجعا دورها في ظل التقلبات السياسية المتسارعة في العالم. ورغم الأسلحة المتقدمة والقدرات العسكرية المتطورة الا انها سقطت عندما تواجه ارادة الشعوب المقاومة ولنا أن نقف في احداث في انتصارات فلسطين ولبنان.

• يقول رئيس مجلس الأمن التابع للحكومة الصهيونية تشارلز فرايليخ "ربما تنجح إسرائيل في المحافظة على وجودها، ولكن لا شك في أن ذلك سيتطلب منها البقاء ضمن بيئة عدائية، أقل أمنًا بكثير وأكثر فقرًا من السابق، وهو وجود غير مريح وغير مستدام لا يريد أي شخص في إسرائيل، حتى من أقصى اليمين، العودة إليه. وبعبارات سياسية واقعية، سيكون هذا الأمر مستحيلاً. وإجمالاً، يبقى الدعم الأمريكي لإسرائيل في أعلى مستوياته، إلا أنه من المرجح أن تكون للتغيرات السياسية والديمغرافية، تأثير مدمر على هذه العلاقة في المستقبل.

واقع الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني على ضوء حرب غزة:

• ساهمت الولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر في البنيان المؤسسي للكيان الصهيوني من المؤتمرات الصهيونية والمنظمة الصهيونية العالمية والمليشيات الصهيونية في مرحلة ما قبل تأسيس الكيان سنة 1948 وبعدها احتضنت الكيان اقصادياً وعسكرياً وثقافياً ليكون حامياً لمصالحها في المنطقة.

• عالم اليوم ليس عالم الثمانينات حيث شهد تآكل لدور الكتلة الشرقية وتففكه مطلع التسعينات وسيادة القطب الواحد، عالم اليوم تراجع فيه الدور الأمريكي وشهد صعوداً سياسياً وعسكرياً واقصادياً لأقطاب جديدة فرضت نفسها كمنافس للكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

• الولايات المتحدة تعاني اليوم من ضغوطات اقتصادية  ومالية داخلية من تضخم وارتفاع للدين العام الذي وصل الى مستويات قياسية وارتفاع العجز التجاري مع مختلف الدول ومن ضمنها الكيان الصهيوني وهناك ضغوط تاريخية غير مسبوقة على الدولار الأمريكي وتسيده التجارة الدولية اضافة الى حملات المقاطعة والدور السلبي للشركات الأمريكية كأدوات للتنفيذ المشاريع الامبريالية الأمريكية.

• هذه العوامل قادت لتآكل للدور الاقتصادي الامريكي عالمياً وانكفاءه على نفسه داخلياً وبالتالي اعادة ترتيب اولوياته ومن ضمنها تزايد المطالبات بمراجعة الدعم الاقتصادي المباشر للحلفاء ومن ضمنهم الكيان الصهيوني.

• هناك ضغط غير مسبوق من داخل المجتمعات الغربية التي تشبعت من السرديات التي يتم تسويقها في الحرب الاعلامية وبدأت تشكل ضغطاً على صناع القرار داخل المجتمع الأمريكي.

----------------------------------------------------------

• القيت هذه الورقة بجمعية أوال النسائية / في 26 نوفمبر 2023م