بقلم: رضي الموسوي
يترقب قادة الكيان الصهيوني ومؤسساته الإعلامية وجمهوره، والعواصم العربية والغربية وخصوصا واشنطن، الخطاب الذي سيلقيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعد عصر الجمعة. ليس الكيان الذي يقف على "رجل ونص"، بل أن داعميه أيضا في المنطقة وفي العالم وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي حدا بوزير خارجيتها بلينكن الإعلان عن قيامه بجولة جديدة في المنطقة وتصريحه بأن بلاده حريصة على عدم توسيع الصراع في المنطقة، في وقت تمنح إدارته الضوء الأخضر لإرتكاب مجازر نازية لا مثيل لها ضد أطفال غزة ونسائها وشيوخها.
وبالطبع، فالدول العربية ستكون متلقية ومنفذة لما سيقوله الوزير بلينكن، إن زارها أو أكتفى بمكالمة هاتفية، مثلما سبق وأفصح رئيسه بايدن الذي قال في تصريح له: إن "أمر غزة لا يعني العرب"، يقصد الانظمة طبعا، وليس الشعوب التي بدأت تنفض الغبار عن كتفيها فهبّت لنصرة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية وتطهير عرقي لم يشهده التاريخ الحديث، في ظل صمت مطبق وتآمر من قبل انظمة عربية لم ترى مذابح الصهاينة ترتكب على مدار الساعة. سيأتي بلينكن ليقدم فرمانه للمسؤولين العرب. ولكن للمقاومين فرمانهم ضد العدو المشترك.
قبل يوم من خطاب السيد حسن نصر الله وفي سياق الخطاب المرتقب، يأتي تطور لافت على جبهة الجنوب اللبناني. فقد أعلنت كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، بأنها استهدفت بصواريخ موجهة من جنوب لبنان مستوطنة كريات شمونة في شمال فلسطين المحتلة، وتسببت في إحداث حرائق وخسائر كبيرة ورعب بين الصهاينة. وفي نفس المساء أعلن الحشد الشعبي العراقي أنه هاجم أهدافا على البحر الميت بعد أن عقد أركانه "اجتماعا استثنائيا" ناقشوا فيه كيفية المشاركة في مناصرة غزة والشعب الفلسطيني. وقبل كتائب القسام والحشد الشعبي بأيام، كانت سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد قد هاجمت المستوطنات في الشمال الفلسطيني انطلاقا من الجنوب أيضا. وقبل هذا وذاك، اطلقت قوات انصار الله اليمنية صليات ثلاث، على الاقل، وجهتها صوب الكيان الصهيوني وشملت صواريخ باليستية وطائرات مسيرة مشاركة منها في التخفيف عن غزة وأهلها.. هو محور مواجهة يتشكل بطريقة مختلفة.
هذا التطور يتساوق مع ما قاله أحد قادة حماس في تصريحات إعلامية بأن العلاقة بين حماس والجهاد من جهة، وبين حزب الله "تتجاوز مستوى التنسيق الى ما هو أكبر"، ما يعني أن المعطيات الراهنة ربما تشي بمفاجئات في الساعات المقبلة التي يسعى فيها جيش الاحتلال الصهيوني لتحقيق تقدم بري في غزة ليُسوّقهُ رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على جمهوره المنكوب بعملية طوفان الأقصى البطولية التي غيرت قواعد الصراع العربي الصهيوني في السابع من أكتوبر2023، وبدأت في كتابة تاريخا جديدا للمنطقة.
أكثر من يتابع خطابات السيد حسن نصر الله بدقة شديدة هو الكيان الصهيوني الذي خصص له مركزا يقوده 15 من جنرالات الجيش الصهيوني المتقاعدين مهمتهم الأساسية تقديم الرأي في خطاباته. مهمتهم أن يحللوا لغة الجسد عند السيد وحركة سبابته، وتحليل التغيرات على وجهه ومدى جديته في التهديد. هؤلاء يقدمون التقرير إلى هيئة أركان الجيش وإلى الحكومة الصهيونية المصغرة (الكبينيت). يقول هؤلاء الخبراء رأيهم ليقرر الجيش والحكومة الصهيونية ماذا هم فاعلون. لكن الأمر لا يقتصر على مجموعة العصف الذهني هذه، فالإعلام الصهيوني يجد في خطاب نصر الله مادة ثرية للتحليل، وتجلب قنواته خبراء ومحللين عسكريين وسياسيين عقب كل خطاب يلقيه السيد. إن هذا لا يحدث مع أي زعيم عربي آخر، فالصهاينة لا يعيرون أي إعتبار ولا جدية لأي منهم، وقد تأكد ذلك في حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تتعرض له غزة. هذه النظم قررت عقد قمة عاجلة بعد أكثر من شهر على بدأ العدوان وسقوط أكثر من 10 آلاف شهيد واضعافهم من الجرحى..وكأن الأمر لا يعنيهم، بالرغم من أن غزة، التي يراد لها أن تُطّهر عرقيا وتُباد جماعيا، هي خاصرة مصر، والتي يخطط لها الصهاينة والامريكان ليصبح مصيرها نفس مصير العراق وسوريا.
وبانتظار ما سيقوله السيد حسن نصر الله، فقد سبقته حمم النيران التي أرسلها حزبه على 19 موقعا على الحدود الشمالية لفلسطين، في دفعة واحدة، وفي دقيقة واحدة، أُستخدمت فيها الطائرات المُسيّرة الانتحارية، التي هاجمت القواعد والثكنات العسكرية في مزارع شبعا وغيرها من المناطق التي لاتزال القوات الصهيونية تحتلها.
حتما، سيخاطب نصر الله أبطال طوفان الأقصى والمقاومين في غزة والأراضي المحتلة، وسيشد من أزرهم وسيجدد وقوفه كتفا بكتف معهم في كل طلقة توجه لجيش الإحتلال في فلسطين المحتلة، فهو شريكهم في المقاومة وصانعا للتاريخ..هذا التاريخ الذي يكتبه الشجعان الذين يدافعون عن أوطانهم بأرواحهم ويقدمون التضحيات الجسام من أجل تحرره ورفعة شأنه وعزته وكرامته. أما خونة القضية المركزية للأمة، والذين فرطوا في سيادة دولهم، فمصيرهم مزبلة التاريخ وبئس المصير.