-التطبيع ضاعف الاستيطان وعمليات القتل ومصادرة المنازل
بقلم: رضي الموسوي
في الحلقة الأولى تطرقنا إلى ملحمة طوفان الأقصى كمنعطف في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، ووصول شظاياها إلى اتفاقات التطبيع التي وقعتها الدول العربية مع العدو وتلك التي تفكر في ركوب القطار ذاته، كما تم التطرق إلى الاتفاق بين حكومة البحرين والعدو الصهيوني. في الحلقة الثانية نواصل الحديث عن اتفاقيات التطبيع ونتطرق إلى الاتفاقات بين الكيان وكل من الإمارات والسودان والمغرب.
(ب) اتفاقية التطبيع بين الكيان والإمارات: يولي الكيان الصهيوني اتفاقية التطبيع مع الإمارات أهمية كبرى لما تتمتع به هذه الدولة من مكانة اقتصادية وتجارية وخصوصا حجم تجارة الترانزيت التي يتم بموجبها إعادة تصدير السلع إلى مختلف دول العالم، ما يجعلها الدولة المفضلة لدى الكيان للقيام باختراق الأسواق التي لا يتمكن راهنا من الوصول إليها.
في الذكرى الثالثة لاتفاقية التطبيع، قال السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، في ندوة بمناسبة مرور ثلاث سنوات على اتفاقية التطبيع، إن بلاده وقعت 120 مذكرة تفاهم مع الكيان خلال ثلاث سنوات، و"هناك 152 رحلة جوية أسبوعية بين البلدين". لكنه استدرك وتراجع عن تأكيد سابق له وذلك بالقول: "اتفاقنا بشأن التطبيع مقابل وقف الضم كان ضمن فترة زمنية معينة، وقد انتهت، وليس لدينا كمّ النفوذ الذي كان لدينا عند التوقيع..الأمر صعب حالياً، وأعتقد أن المسؤولية الآن ملقاة على عاتق الدول التي ستطبع مستقبلاً".
وأضاف إن "الاتفاقيات الإبراهيمية (التطبيع) كسبت الوقت من أجل حل الدولتين، ولكن أصحاب الحل هم أصحاب القضية أنفسهم".
يحتوي الاتفاق بين الإمارات والكيان الصهيوني، الذي وقع في واشنطن يوم 15 سبتمبر2020، على 12 بندا، منها "إقامة السلام والعلاقات الدبلوماسية والتطبيع الكامل للعلاقات الثنائية، وحل جميع الخلافات بينهما بالوسائل السلمية، وتبادل السفراء المقيمين بين الطرفين، وإقامة العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وفقا لقواعد القانون الدولي المعمول بها، وتعهد الطرفان باتخاذ الخطوات اللازمة لمنع أي أنشطة إرهابية أو عدائية ضد بعضهما البعض في أراضيهما أو انطلاقاً منها، ورفض أي دعم لمثل هذه الأنشطة في الخارج أو السماح بمثل هذا الدعم. كما يتعهد الطرفان بدراسة هذه الأمور ومناقشتها بانتظام، وإبرام اتفاقات وترتيبات مفصلة بشأن التنسيق والتعاون، ويبرم الطرفان اتفاقيات ثنائية في مجالات الرعاية الصحية، والعلوم والتكنولوجيا والاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، والسياحة والثقافة والرياضة، والطاقة، والبيئة، والتعليم، والترتيبات البحرية، والاتصالات والبريد، والزراعة والأمن الغذائي، والمياه والتعاون القانوني، والتمويل والاستثمار، والطيران المدني، والتأشيرات والخدمات القنصلية، والابتكار، والتجارة والعلاقات الاقتصادية. ويتعهد الطرفان بتعزيز التفاهم المتبادل والاحترام والتعايش وثقافة السلام بين مجتمعيهما بروح سلفهم المشترك، إبراهيم، والعهد الجديد من السلام والعلاقات الودية التي بشرت بها هذه المعاهدة، بما في ذلك من خلال إنشاء برامج بين أفراد الشعبين، والحوار بين الأديان والتبادلات الثقافية والأكاديمية والشبابية والعلمية وغيرها بين شعوبهم، كما يلتزم الطرفان بإبرام وتنفيذ الاتفاقات والترتيبات اللازمة المتعلقة بالتأشيرات والخدمات القنصلية من أجل تسهيل السفر الفعال والآمن لمواطنيهما إلى أراضي كل منهما، ويعمل الطرفان معا على مواجهة التطرف الذي يحضّ على الكراهية والانقسام، والإرهاب، والتبرير لها، بما في ذلك منع التشدد والتجنيد ومكافحة التحريض والتمييز. ويقف الطرفان على استعداد للانضمام إلى الولايات المتحدة لتطوير وإطلاق "أجندة استراتيجية للشرق الأوسط" من أجل توسيع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والاستقرار في المنطقة وغيرها من أشكال التعاون الإقليمي. ويتعهد الطرفان بعدم الدخول في أي التزام يتعارض مع هذه المعاهدة.
ج- اتفاق التطبيع بين الكيان والسودان: جرت تحضيرات واسعة لإقامة علاقات تطبيعية بين السودان والكيان الصهيوني ومن ثم توقيع اتفاق بين الجانبين، مقابل رفع الولايات المتحدة اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وتخفيف عبء الديون التي يغرق فيها.
ففي 22 أكتوبر 2020 ذكرت إذاعة (كان) الصهيوينة، "أن وفداً إسرائيلياً قام بزيارة نادرة إلى السودان في اليوم السابق لبحث تطبيع العلاقات، في الوقت الذي توقع فيه وزير المخابرات يوسي كوهين تحقيق انفراج دبلوماسي محتمل بين البلدين". وذكر موقع المعرفة أن وزير الخارجية الأمريكي (حينها) مايك پومپيو صرح بأن الولايات المتحدة بدأت عملية رفع اسم السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب كما تعمل "بدأب" لدفع الخرطوم للاعتراف بإسرائيل. وفي 23 أكتوبر 2020، أُعلن عن التوصل لاتفاقية مبدئية بين السودان وإسرائيل، وبدء خطوات تدريجية لتطبيع العلاقات بينهما". وفي المساء، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن "توصل "إسرائيل" والسودان لاتفاق لتطبيع العلاقات بين الجانبين. وقالت الولايات إنها ستتخذ خطوات لاستعادة حصانة السودان السيادية، والعمل مع الشركاء الدوليين، لتخفيف أعباء ديون السودان".
بعد ذلك انشطر المجلس العسكري ودخلت السودان في حرب أهلية جديدة بين الرئيس البرهان وبين نائبه حمدتي، ولا تزال الحرب تأكل الأخضر واليابس، كما تفعل في مناطق عدة وأهمها دارفور حيث الإبادات الجماعية فظيعة.
في مسح قام به المؤشر العربي 2022 وأُعلِنت نتائجه في مطلع يناير 2023، أكد على "انحياز الشعب السوداني الطاغي للقضية الفلسطينية، حيث أجاب الغالبية العظمى من السودانيين المستطلعين (72%) بمعارضتهم لاعتراف بلدهم بـ"إسرائيل"، مقابل (18%) يؤيدون ذلك". وقال غالبية الذين أجابوا بمعارضتهم تطبيع السودان مع إسرائيل، "إنهم يرون فيها دولة استعمار واحتلال واستيطان في فلسطين، وأنها دولة توسعية تسعى للهيمنة أو احتلال بلدان في العالم العربي وثرواته".
د- اتفاق التطبيع بين الكيان والمغرب: في العاشر من ديسمبر 2020 قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إن المغرب اتفق مع "إسرائيل" على تطبيع علاقاتهما في اتفاق تم التوصل إليه بمساعدة الولايات المتحدة.
وكتب ترمب على تويتر "إنجاز تاريخي آخر! صديقتانا الرائعتان إسرائيل والمملكة المغربية وافقتا على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما".
واعتبر ترامب أن هذه الخطوة بمثابة "تقدم هائل لعملية السلام في الشرق الأوسط". وقال إنه وقع "اعترافاً بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة البوليساريو".
وكتب على تويتر: "المملكة المغربية اعترفت بالولايات المتحدة عام 1777 وبالتالي فإن واشنطن تعترف بسيادتها على الصحراء الغربية".
وأضاف “اقتراح المغرب الجاد والواقعي للحكم الذاتي (في إقليم الصحراء) هو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار".
وبموجب الاتفاق، سيقيم المغرب علاقات دبلوماسية كاملة ويستأنف الاتصالات الرسمية مع إسرائيل ويسمح بعبور رحلات ووصول وقيام رحلات من إسرائيل وإليها لكل مواطنيه.
وفي الرباط، قال بيان للديوان الملكي المغربي إن الملك محمد السادس أعلن استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل "في أقرب الآجال".
وأوضح البيان أن العاهل المغربي أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في اتصال هاتفي أن بلاده تعتزم "استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الديبلوماسية في أقرب الآجال".
وأعرب عن شكره للرئيس ترمب على اعترافه بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية معتبراً أنه "موقف تاريخي" و"دعم صريح ومطلق".
**
إذن، وحسب نص الاتفاقات التي وقعت بين الكيان والدول الأربع كل على حدة، يلاحظ أن النصوص جميعها جاءت في صالح الكيان ولم يكن فيها أي إيجابيات للقضية الفلسطينية التي ادّعى العرب المطبعون أنهم يعملون من أجل السلام فيها، أو حتى للدول العربية الموقعة على هذه الاتفاقيات، بل هي اتفاقيات زادت من معاناة الشعب الفلسطيني بمضاعفة القتل ومصادرة الاراضي والمنازل وتشريد المواطنين من فلسطين. وهي تعتبر بمثابة إملاءات صهيونية، فالتفصيل الذي نصت عليه الاتفاقيات يفيد بأن الهدف الأكبر للكيان هو إحداث الإختراق المطلوب صهيونيا وإقامة الشرق الأوسط الجديد تحت قيادته، ومن يقرأ مفهوم الكيان لهذا الشرق سيتأكد أن العلاقة ستكون بين التابع والمتبوع..يتبع.