المزعل تكشف عن توجّهات الخطاب الصحفي للحركة الإصلاحية في البحرين في منتصف القرن العشرين في دراسة (1)
الدراسة كشفت أن مُجمل المفاهيم والآراء والأفكار التي تضمّنها الخطاب الإصلاحي في تلك الفترة (1950 – 1954) قد مهدّت الطريق لإصلاحات بُنيوية شاملة لاحقة في نظام الحكم
الخطاب الإصلاحي للتنمية في البحرين من خلال مجلة صوت البحرين (1954-1950) :
" أن الأفكار والمفاهيم والرؤى الإصلاحية التي طرحتها مجلة صوت البحرين على صفحاتها شكّلت نبراساً للأجيال اللاحقة من الشباب للكفاح من أجل استقلال البحرين، وعروبتها. وقد ألهمت نظام الحكم بضرورة التغيير والتوجّه نحو الإصلاح السياسي الشامل وحتميّته. ولكن هذا التغيير لم يتحقق بصورة فعلية إلاّ في نهاية القرن العشرين تقريباً، وتزامن ذلك مع عهد الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة (1999-) الذي أرسى قواعد المشروع الإصلاحي، ووضع البلاد في مصاف الممالك الدستورية؛ وبذلك منح العملية السياسية مضموناً جديداً، حيث لم يعدّ الإصلاح مجرّد محاولات ترقيعية أو ديكور لتزيين صورة مملكة البحرين في العالم، بل أصبح تغييراً جذرياً في الخطاب الإصلاحي السياسي. "
هذه العبارات اختتمت د. شرف محمد علي المزعل بحثها التي كان بعنوان " الخطاب الإصلاحي للتنمية في البحرين من خلال مجلة صوت البحرين (1954-1950) " وفيما يلي نص البحث:
تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن محتوى الخطاب الإصلاحي في البحرين في منتصف القرن العشرين، من خلال تحليل المواد المنشورة في مجلة «صوت البحرين» (1950 – 1954)، وتحديد أثر تفاعل القوى الداخلية والخارجية في تطوّر حركة الإصلاح السياسي في البلاد بتلك الفترة.
حيث تم استخدام طريقة «تحليل المضمون» لتحليل الخطاب الإصلاحي في جزيرة البحرين في تلك الفترة من خلال محوريّن، حيث اختصّ المحور الأول بحركة الإصلاح السياسي منذ بداية القرن العشرين وحتى عهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (1942 – 1961)، أما المحور الثاني فقد تم فيه تحليل (17) مادةً إعلاميةً، مُستقاةً من مجلّة «صوت البحرين» تدور حول الإصلاح، من خلال تحديد أساليب الخطاب الإصلاحي، والإحالات المرجعية له، ومواقف القوى االداخلية والخارجية منه.
النتائج: كشفت نتائج الدراسة أن مُجمل المفاهيم والآراء والأفكار التي تضمّنها الخطاب الإصلاحي في تلك الفترة (1950 – 1954) قد مهدّت الطريق لإصلاحات بُنيوية شاملة لاحقة في نظام الحكم، وفي البُنى المؤسّسية للدولة، والتي طالت المجال السياسي والاقتصادي والتعليمي والصحي، وتزامنت مع وصول الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، إلى سدّة الحكم في عام 1999.
وخلصت الدراسة إلى أن الخطاب الإصلاحي في البحرين في تلك الفترة كان واضحأً ومحدداً وحازماً في طرح مطالب الإصلاح السياسي، لكنه تأرجح بين الأفكار القومية والتوجّهات الإسلامية.
يعدّ المؤرخ صانع فعاليّات التاريخ، وتتشكل عدّته في صناعة البناء التاريخي من الوثيقة التي يعلو بها صرح هذا البناء، فالفعل (وثق به) يعني ائتمنه، والوثاقة مصدر الشيئ الوثيق المُحكم. والوثيقة لا تعني النص المخطوط أو الخبر المروي فقط، بل أن مضمونها يشمل السجلاّت والصحف والمجلاّت والمصادر المختلفة وغيرها، وكل ما يمكن للمؤرِّخ أن يستعين به من مادةٍ في كتابة التاريخ (الحسناوي، 2018، ص. 3). وتعتبر مجلة «صوت البحرين»، والصادرة في الفترة من 1950 - 1954، مصدراً هاماً لتأريخ مسيرة الحركة الإصلاحية وتطوّرها في البحرين، حيث أن دور التاريخ يتمثل في «تأسيس الوعي الصحيح للأمّة، خاصةً إذا كانت تعاني ما يعانيه العرب في حاضرهم، ويمكن أن تمدّهم بعناصر الرؤية الصحيحة للواقع»، كما أن «الوعي بحقيقة التاريخ شرط لا بدّ منه لفهم الواقع».
فتكمن أهمية الدراسة الحالية في أنها، بحسب علم الباحثة واطلاعاتها، تُعتبر المحاولة الأولى من نوعها لتحليل الخطاب الإصلاحي في البحرين في منتصف القرن العشرين من منظورٍ تاريخيٍ نقدي، وذلك من خلال الاعتماد على مجلة «صوت البحرين» 1950-1954 كوثيقةٍ أوّليةٍ مهمّةٍ. كما تتجلّى أهمية الدراسة في سعيها إلى تحليل العلاقة بين الُمتغيِّرات الداخلية والخارجية، وانعكاساتها على تطوّر الحركة الإصلاحية في دولةٍ صغيرةٍ في النظام الدولي هي البحرين، خصوصاً أن منطقة الخليج والجزيرة العربية قد شهدت في تلك الفترة أحداثاً تاريخيةً مفصليةً تركت أثراً واضحاً في تطوّر حركة الإصلاح والتنوير المعرفي والتحديث الحضاري لدول تلك المنطقة، ومن بينها البحرين.
وتسعى الدراسة الحالية إلى الكشف عن توجّهات الخطاب الصحفي للحركة الإصلاحية في البحرين في منتصف القرن العشرين، وذلك من خلال الاعتماد على مجلة «صوت البحرين» كوثيقة أوليّة وأساسية وهامة. وتهدف الدراسة إلى ربط الحركة الإصلاحية في البحرين بتأثير المتغيِّرات الداخلية والخارجية، وتركِّز في نطاقها الزمني (1954-1950) على الكشف عن الأطر المرجعية للخطاب الإصلاحي، ورصد أثر تلك المتغيرات على الخطاب الإصلاحي في تلك الفترة التاريخية.
وتتوخّى الدراسة الحالية الإجابة عن تساؤل رئيس، هو: ما أهم توجّهات الخطاب الإصلاحي في البحرين في منتصف القرن العشرين، كما تبرزه مقالات مجلة «صوت البحرين»؟ كما أن هناك تساؤلاً فرعياً مُشتقاً من هذا التساؤل الرئيس، هو: ما العلاقة بين المتغيّرات الداخلية والخارجية في صياغة خطاب الإصلاح السياسي في البحرين؟
اذ تعتمد هذه الدراسة – بشكل أساسي – على المنهج الوصفي المسحي الذي يعتبر من أنسب مناهج البحث العلمي ملاءمةً للدراسات الوثائقية، حيث يهدف إلى دراسة الظاهرة التاريخية في إطارها الزمني، ويسمح بدراسة المُتغيّرات الداخلية والخارجية، ورصد وتحليل تأثيرها في الظاهرة قيد البحث .
كما توظف الباحثة المنهج التاريخي بهدف «دراسة وقائع الأحداث التي حدثت في الماضي من خلال جمع المعلومات والبيانات حولها بطريقةٍ منطقيةٍ، وتحليلها وتفسيرها للتوصل لاستنتاجاتٍ محدّدة، تساعد في فهم أوضاع الحاضر والتخطيط للمستقبل» .
تمتدّ حدود الدراسة خلال فترة صدور مجلة «صوت البحرين»، وهي أربع سنوات، وتبدأ من شهر أغسطس عام 1950، الموافق ذو القعدة عام 1369ه، حتى شهر يوليو عام 1954، الموافق ذو الحجة 1373ه، حيث تم تحليل المواد الخاصة بالإصلاح في المجلة خلال هذه الفترة التاريخية.
ورغم أهمية الدراسات السابقة في تناول موضوع الإصلاح، إلاّ أنها لا تركِّز على تحليل الخطاب الإصلاحي الإعلامي من المنظور التاريخي، ولم تسع للربط بين تأثير العوامل الخارجية والداخلية في فهم العملية الإصلاحية ومضامينها المجتمعية التاريخية، وهو ما تنفرد به الدراسة الحالية. كما تتميّز هذه الدراسة في أنها تركِّز على تحليل الخطاب الإصلاحي في البحرين في فترة تاريخية مفصليّة لم تبحثها الدراسات السابقة بشكلٍ كافٍ، وهي فترة الخمسينيّات من القرن العشرين.