في دراسة استعرضت مطالبها بانتخاب مجلس شورى وأسلمة القضاء... المزعل (2): الحركة المطلبية في 1919 أولى علامات الوعي السياسي بالبحرين
«إنَّ الأفكار والمفاهيم والرؤى الإصلاحية التي طرحتها مجلة (صوت البحرين) شكَّلت نبراسًا للأجيال اللاحقة للكفاح من أجل استقلال البحرين وعروبتها، وألهمت نظام الحكم بضرورة التغيير والتوجُّه نحو الإصلاح السياسي الشامل وحتميَّته؛ ممَّا مهَّد للعهد الإصلاحي الشامل الذي استهلَّه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظَّم منذ العام 1999م».
بهذه العبارة اختتمت الدكتورة شرف محمدعلي المزعل بحثها المعنون بـ «الخطاب الإصلاحي للتنمية في البحرين من خلال مجلة صوت البحرين (1954-1950)»، الذي بحثت فيه القواعد التي «أرسى عليها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظَّم نظامه العام ووضع من خلاله البلاد في مصاف الممالك الدستورية ومنح العملية السياسية مضمونًا جديدًا أضحى عبره الإصلاح تغييرًا جذريًا في الخطاب الإصلاحي السياسي»، حسب ما تؤصِّل.
المبحث الأول: حركة الإصلاح والنهضة في البحرين تاريخيًا
واستهلَّت المزعل مبحثها باستنطاق عبدالإله بلقزيز لتحديد مفهوم الإصلاح في المجتمع الذي يتضمن حسبه «التغيير والتعديل نحو الأفضل في ممارسات وسلوكيَّات مؤسَّسات متسلِّطة أو مجتمعات متخلِّفة». فالإصلاح كما يذكر «منهجية، وخارطة طريق وبرنامج عمل، يلزِم طبعها بالطموح دون السقوط في الحلم المتجاوز بلا حدود لمنطق المُمكن والمُستفزِّ لجدليَّة الطموح والواقع»، والإيمان بالإصلاح هو الإقرار والاقتناع بأن «لكل مبادرة إصلاحية ثمن سياسي واجتماعي ومالي». وقد استثارت فكرة «الإصلاح» ردود فعل مختلفة في الوسط العربي؛ فمنها «ما يقبل هذه الفكرة ولكن يرفض أن يكون مضمون الإصلاح من إملاء قوى أجنبية، ومنها ما يقبل الفكرة ويطالب بالنظر في المضمون والأخذ بما هو صالح لنا». وإذا كان الإصلاح، في المرجعية الفكرية الأوروبية، يرتبط «بتغيير الدولة»، فإنَّ الإصلاح في المرجعية العربية الإسلامية يتطلَّب «الرجوع بالوضع إلى الحال التي كان عليها قبل طروء الفساد عليه».
وتعرِّف المزعل بالبحرين في إيجاز تاريخي وصفي بأنَّها أرخبيل يتألف من 84 جزيرةً؛ 51 جزيرة طبيعية و33 جزيرة اصطناعية، ويقع في الجزء الشرقي من الوطن العربي. وتبلغ مساحة البلاد حوالي 934 كيلومترًا مربعًا من اليابسة، وتعتبر الدولة الصغرى في دول الخليج العربي الأخرى، ويبلغ عدد سكانها مليونًا و700 ألف نسمة، بحسب إحصاء عام 2020م، ومنذ عام 1783م دخلت جزيرة البحرين تحت حكم عائلة آل خليفة. وقد نالت البلاد استقلالها عن بريطانيا عام 1971م، ولكن في عام 2002م وبعد استفتاء شعبي عام على «ميثاق العمل الوطني»، تحوَّلت البلاد إلى الملكيَّة الدستورية، وأصبح اسم البلاد «مملكة البحرين».
ومن علامات الوعي السياسي في البحرين – حسب المزعل - ظهور الحركة السياسية المطلبية في عام 1919م بقيادة الشيخ عبدالوهاب الزياني الذي التفَّ حوله أهل البحرين الذين أظهروا معارضتهم للحماية البريطانية على البحرين، والتى تمت عبر مُعاهدتي المُمانعة الأولى (1880)، ومعاهدة المُمانعة الثانية (1892)، اللتين تنصَّان على دخول البحرين تحت الحماية البريطانية في الشؤون الخارجية، وما تبعه من تدخُّل بريطانيا في الشؤون الداخلية للبحرين عبر المعتمد السياسي البريطاني الجديد الميجور كلايف ديلي (1921 – 1926)، الذي «رفض المطالب التى تقدم بها الشيخ عبدالوهاب الزياني، وتمثلت تلك المطالب في رفض تطبيق القوانين المدنية والجنائية البريطانية في البحرين؛ لأنها منافية للشريعة الإسلامية، وتأسيس مجلس للإشراف على القضاء، والمطالبة بإصدار لائحة إصلاحات، وتأسيس جمعية وطنية، وإصلاح جهاز الشرطة».
وبعد رفض ديلي المطالب المقدَّمة لحكومة البحرين – كما تسرد المزعل - أعاد الشيخ عبدالوهاب الزياني في 1920م صياغة المطالب لتشمل إنتخاب مجلس للشورى، والتأكيد على «ضرورة الالتزام بالشريعة الإسلامية في القضاء، والتزام بريطانيا بمعاهدتَي المُمانعة الأولى والثانية، بحيث لا توقف تدخل بريطانيا في الشؤون الداخلية للبحرين».
في الطرف الآخر من المشهد، تسرد المزعل: «رفضت الحكومة البريطانية جميع المطالب المذكورة، ونفت الشيخ عبدالوهاب الزياني وزملاءه إلى سجونها في الهند. ومن جانب الحكم في البحرين، كان الشيخ عيسى بن علي آل خليفة مؤيدًا لتلك لمطالب الشعبية؛ من منطلقَين أولهما أنها مطالب مشروعة تصون سيادة البلاد، وتوطِّد أركان نظام الحكم» بعد أن اشتكى المعتمد السياسي البريطاني الميجور ديلي لدى حكومته البريطانية عدة مرات من تدخُّل الشيخ عيسى المتكرر في الشؤون الداخلية؛ ممَّا حدى بريطانيا «لتجنّب التواصل مع الشيخ عيسى، واعتماد تواصلها مع ولي العهد الشيخ حمد بن عيسى الذي فوَّضه والده لإدارة بعض الأمور في الجزيرة»، بل إن بريطانيا قد أعلنت عزل الشيخ عيسى عام 1923م، إلا أنه بقي في الحكم حتى وفاته عام 1932م.
وفي يناير 1921م عيَّنت بريطانيا ديلي الذي أعلن منذ بداية تعيينه أنه سينفذ كل الإصلاحات الإدارية المنصوص عليها في الاتفاقيات بين البلدين، وفي 18 يونيو 1921م تسلَّم رئاسة بلدية المنامة ولي العهد آنذاك الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، كما تولَّى الإشراف على الإصلاحات الإدارية. وفي 26 مايو 1923م وصل المقيم السياسي البريطاني بالوكالة ستيوارت نوكس وعقد اجتماعًا تاريخيًا بحضور الوجهاء ومُمثلي الفئات المختلفة والذي تمَّ فيه الإعلان عن تشكيل إدارة جديدة وتنفيذ الإصلاحات الإدارية برئاسة الشيخ حمد. وكانت مهمة المُعتمد السياسي البريطاني هي «السعي لتنفيذ السياسة البريطانية القائمة على إجراء الإصلاحات في البحرين لتكون أكثر استقرارًا بما يحفظ المصالح البريطانية، ويجنِّب البحرين خطر الاضطرابات المستمرة بما قد يفسح المجال لقوى أخرى للتدخًّل»، كما تسرد المزعل.
وتشخِّص المزعل مقدِّمات الإصلاح السياسي والإداري في البحرين بتزايد الوعي السياسي في مطلع القرن العشرين، وذلك إبان حكم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وبالتحديد بين عامَي 1900 – 1932م حين شهدت البحرين «ظهور حركات إصلاحية قادها التجار والمُتعلِّمون، طالبت بالإصلاح والمشاركة في الحكم، والتخلُّص من المستعمر البريطاني»، إلى جانب «التمسُّك بالحكم القبلي، والمتمثل في شخص الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، الأمر الذي جعل الشيخ عيسى يوافق الأهالي في مُقترحهم بتشكيل لجنة أهلية استشارية تضع حدًا لتدخُّل واستبداد المُعتمد السياسي البريطاني».
أما على الصعيد التعليمي، فإن أجواء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) – كما ترى المزعل - قد أثَّرت في نمو الوعي القومي العربي في عدد من الأقطار العربية، ومن بينها البحرين؛ إذ توجَّه أفراد التيار الصاعد المناهض للاستعمار إلى نشر الأفكار القومية في أوساط الشباب بهدف تعزيز الوعي السياسي والإلتزام الفكري لديهم بقضايا الأمة العربية. ولذلك تنادى الأعيان الوطنيون لتأسيس مدرسة «الهداية الخليفية» في عام 1919م، باعتبار «العمل التعليمي هو القناة التي يمر عبرها الفكر الوطني، وهو جوهر بناء الفرد المواطن والطريق الأسلم لنشر الوعي» (وهبة، 2019، ص 23). وبفضل مكانة مدرسة «الهداية الخليفية» ودورها الريادي في التعليم والتنوير الحضاري، لعبت الحركة القومية دورًا محوريًا ومؤثِّرًا في نشر الأفكار الإصلاحية بين الشباب البحريني الطامح للتغيير.